"التطبيع ليس مقبولاً".. السوريون يتوحّدون على رفض "الحماية" الإسرائيلية
أثارت الغارات الإسرائيلية الأخيرة على دمشق رفضًا واسعًا في الشارع السوري، أعاد التأكيد على وحدة الهوية الوطنية ورفض التطبيع مع الاحتلال. وبينما تتمدد "إسرائيل" في الجنوب، يصرّ السوريون على التمسك بأرضهم وسيادتهم.
-
"التطبيع ليس مقبولاً".. السوريون يتوحّدون على رفض "الحماية" الإسرائيلية
"لم تستهدف إسرائيل مبنىً عسكرياً أو حزباً سياسياً في دمشق، بل استهدفت سوريا وشعبها وهويتها الوطنية"، بهذه الكلمات علّقت الناشطة السورية فرح خير الله على الضربات الإسرائيلية التي استهدفت مبنى هيئة الأركان ومحيط القصر الجمهوري في العاصمة السورية، حيث تذرّعت تل أبيب بحجة "حماية الدروز" وإجبار الإدارة السورية على سحب قواتها من مدينة السويداء ومحيطها جنوب البلاد.
أعادت الضربات الإسرائيلية العنيفة على دمشق في السادس عشر من تموز/يوليو الجاري، توجيه البوصلة السورية نحو العدو الرئيسي للسوريين بمختلف أطيافهم وتوجهاتهم، وفي هذا السياق تقول خير الله للميادين نت: "منذ سنوات لم أشاهد اتفاقاً سورياً كاملاً حول قضية معيّنة، كما حصل بُعيد الغارات الإسرائيلية على دمشق، حيث عبّر السوريون بمختلف مكوناتهم عن إدانتهم الشديدة للاعتداءات على الأرض السورية، فهيئة الأركان والقصر الجمهوري، هما ملك للشعب ويُمثّلان هويته الوطنية، قبل أن يكونا مُلكاً لأيّ نظام سياسي".
وتضيف خير الله: "حتى أبناء السويداء الذين تتذرع إسرائيل بحمايتهم، عبّروا عن رفضهم للغارات الإسرائيلية على دمشق، وأكدوا تمسكهم بالأرض والانتماء للوطن بوجه التحريض الذي تمارسه تل أبيب بهدف زرع الخلاف والفتنة بين أبناء الوطن، كما أنهم يرفضون أيّ أصوات من داخل مدينتهم تستجدي الحماية الإسرائيلية، لأن إسرائيل لا تريد حماية أحد وإنما تبحث عن تحقيق أهدافها في تفتيت بنية الدولة".
التطبيع ليس خياراً مطروحاً
لطالما كان التطبيع أو الانخراط في اتفاقيات سلام مع الاحتلال الإسرائيلي مرفوضاً بالمطلق لدى الشعب السوري، كما يُعتبر النقاش حول هذه القضية من المحرّمات والمحظورات على كافة الأصعدة السياسية والإعلامية والاجتماعية، فالجيش الإسرائيلي لا يزال إلى اليوم يحتلّ جزءاً من الأرض السورية وهو الجولان، إضافة إلى توسيع الاحتلال خلال الأشهر القليلة الماضية توّغله في الجنوب، ليصل إلى القنيطرة وريفي درعا ودمشق.
يعتبر السوريون أن التطبيع مع "إسرائيل" خطاً أحمرَ لا يمكن المساس به أو تجاوزه من أيّ حكومة أو نظام سياسي في البلاد.
وفي هذا السياق، يؤكد الصحافي جعفر مشهدية للميادين نت أن الشعب السوري بكل أطيافه يرفض التطبيع، ولم تكن هذه الفكرة واردة في أذهان السوريين بأيّ فترة زمنية سابقة، وبرغم وجود كلام سابق أو آني عن اتفاقيات أمنية محتملة بمفاوضات غير مباشرة، إلا أن فكرة التطبيع مع الاحتلال مرفوضة بالمطلق، فلا يمكن تقبّل إقامة علاقات طبيعية مع عدوٍ محتلٍ لجزءٍ من سوريا وفلسطين وجنوب لبنان.
ويضيف مشهدية أن الاحتلال يحاول استغلال الوضع الأمني والسياسي الهش في سوريا لفرض أجندته السياسية، عبر فرض سلام منقوص على السوريين، ولذلك فإن السوريين يرفضون أيّ تواصل مع "إسرائيل" حالياً أو مستقبلاً، وهدفهم الوحيد هو تحرير أرضهم المحتلّة من القوات الإسرائيلية.
"إسرائيل" لا يؤتمن جانبها
تصاعد الحديث خلال الأسابيع الماضية عن وجود لقاءات سريّة بين الإدارة السياسية الجديدة في سوريا مع مسؤولين إسرائيليين، بهدف التوصّل إلى تفاهمات أمنية حول الوضع في الجنوب السوري، وذهب البعض إلى أكثر من ذلك، ليقول إن الاجتماعات هدفها دخول دمشق في اتفاقات "أبراهام"، كما فعلت بعض العواصم العربية في السنوات الماضية.
إن مفهوم "التطبيع" غير موجود في قاموس السوريين، فبعيداً عن كون "إسرائيل" محتلة للجولان منذ سبعينيات القرن الماضي، فإن الشعب السوري يعتبر نفسه جزءاً من المواجهة القومية العربية مع الاحتلال، الذي يمارس أبشع أنواع المجازر في فلسطين ولبنان واليمن بدون أيّ رادع أخلاقي أو قانوني.
بالمقابل، يرى البعض أن سوريا تمرّ حالياً بمرحلة سياسية واجتماعية معقّدة، كما أن الوضع الأمني لا يزال هشّاً، وسبب رئيسي في ذلك هو الهجمات الإسرائيلية المستمرة على الأراضي السورية منذ سنوات، وأمام ذلك يقول سوريون إن إيجاد صيغة سلامة أمنية تحفظ السيادة السورية وتسمح باستعادة الجولان المحتل هو أمر مقبول نسبياً.
وفي هذا الخصوص يقول أستاذ اللغة العربية سامر الفائق للميادين نت: "بعد سنوات طويلة من الحرب التي أرخت بظلالها على السوريين بكل أطيافهم، حان الوقت للتوصل إلى اتفاق لإنهاء حالة الحرب، شرط ألا يتضمن اعترافاً سياسياً وأمنياً واقتصادياً بـ"إسرائيل"، وإنما إيجاد صيغة أمنية تسمح للشعب السوري العيش بسلام، وإعادة الجولان المحتل، واستعادة مصادر المياه الاستراتيجية في جبل الشيخ، وعدم المساس بالسيادة السورية".
ويشير الفائق إلى أن "إسرائيل" لا يؤتمن جانبها، لكن الشعب السوري بالمقابل تعب من الحرب والتهجير وانعدام مقومات الحياة الأساسية، وبالتالي فإن اتفاقاً برعاية دولية قد يكون الحل لوقف الاعتداءات الإسرائيلية، وبدء الدولة السورية بمرحلة العمل والبناء، بدون أن يكون لـ"إسرائيل" أيّ دور في الشأن السوري الداخلي.
أما عن التسريبات بشأن اللقاءات السرية مع المسؤولين الإسرائيليين، يؤكد الفائق أن أي تفاوض مع "إسرائيل" يجب أن يحظى بتأييد شعبي كامل، ويجب أن يتم طرح هذه القضية على الاستفتاء العام، خاصّة أن السلطة الحالية "انتقالية"، ولا يمكنها اتخاذ قرار على هذا المستوى بشكل منفرد.
"إسرائيل" تتمدد بدون رادع
منذ سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي أمعنت قوات الاحتلال في توغلها داخل الأراضي السورية، وفرضت سيطرتها على "المنطقة العازلة" بين الجولان المحتل والقنيطرة، برغم أن "المنطقة" قائمة بموجب قرار دولي تم التوصل إليه عام 1974، بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر التي جرت عام 1973، ويقضي القرار بجعل المنطقة منزوعة السلاح وتشرف عليها قوات دولية.
وبعد ذلك، تابعت القوات الإسرائيلية توغلها نحو الحدود الإدارية لمحافظة درعا، كما وصلت إلى محيط قطنا بريف دمشق قبل أن تنسحب منها، ولاحقاً أنشأ الجيش الإسرائيلي عدداً كبيراً من الحواجز الأمنية والثكنات العسكرية، وفرض طوقاً محكماً حول المناطق الجديدة التي أحكم سيطرته عليها، إضافة إلى فرضه عدم وجود أيّ قوات عسكرية أو أسلحة ثقيلة للإدارة السورية في الجديدة في الجنوب.
أمام كل ما سبق، فإن مواجهة المشروع الإسرائيلي الذي يستهدف الهوية الوطنية السورية، يتطلب من السوريين وحكومتهم وحدة الموقف، لقطع الطريق على الفتنة الإسرائيلية، من خلال التمسك بالثوابت والمبادئ السياسية والاجتماعية التي لا يجب المساس بها من أيّ طرف كان.