"الدم غالٍ".. صرخة مسيحيي سوريا بعد مقتل 3 شبان في ريف حمص
مقتل ثلاثة شبان مسيحيين في قرية عرناز بريف حمص أشعل غضباً شعبياً واسعاً، وتحول إلى احتجاجات وإضرابات شملت القرية ومحيطها. الحادثة أعادت إلى الواجهة مخاوف المكون المسيحي من فوضى السلاح وتهديد السلم الأهلي في سوريا.
-
"الدم غالٍ".. صرخة مسيحيي سوريا بعد مقتل 3 شبان في ريف حمص
على صهوة الدراجات النارية الملطخة بالدم، وعلى وقع أنينها الذي صار نذير شؤم في أذهان السوريين، أطلق ملثمون مجهولون النار على ثلاثة شبان مسيحيين من قرية عرناز في وادي النصارى بريف حمص، قرب إحدى الكنائس.
الحادثة التي وقعت ليل الأربعاء، وراح ضحيتها الشبان الثلاثة وسام منصور، شفيق منصور، وبيير حريقص، لم تقف عند حدود جريمة جنائية، بل تحولت إلى شرارة غضب شعبي انطلقت من القرية لتتجاوز حدودها الجغرافية الضيقة. انفجرت معها المخاوف المتراكمة لدى المكون المسيحي، وأعيد طرح أسئلة كبرى حول فوضى السلاح ومحاولات ضرب النسيج الاجتماعي في بلد عُرف بتنوعه وتعايشه.
"الدم غالٍ".. صرخة في وجه الفوضى
لم يكتف الأهالي بمسيرات الشموع الصامتة التي ودّعوا بها ضحاياهم، بل حولوا الصمت إلى صرخة غاضبة تحت شعار "الدم غالٍ" احتجاجاً على الفلتان الأمني. قطعوا الطرقات، أشعلوا الإطارات، نفذوا إضرابات شملت المحال والمدارس، وصولاً إلى مقاطعة العملية الانتخابية.
ويروي أحد الشهود تفاصيل الجريمة: "أصدقاؤنا كانوا جالسين أمام محل على الطريق العام. جاء ملثمان على دراجة نارية، رفعا بندقية وأطلقا النار عليهم... نحن نطالب الدولة والأمن بمتابعة التحقيق، لأن الناس لم تعد قادرة على تأمين نفسها في الشوارع أو إرسال أولادها إلى المدارس".
وفي دمشق، أصدرت بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس بياناً استنكرت فيه الجريمة، ودعت السلطات السورية إلى كشف ملابساتها ومحاسبة الفاعلين.
احتواء الفاجعة واستيعاب التداعيات
تحت ضغط النداءات المسيحية الغاضبة، تحركت السلطات السورية سريعاً. وأدان قائد الأمن الداخلي في محافظة حمص، العميد مرهف النعسان، الجريمة قائلاً: "ندين هذه الجريمة النكراء بأشد العبارات، ونؤكد رفضنا المطلق لكل أشكال العنف التي تهدد أمن المجتمع واستقراره".
العميد النعسان ربط الحادثة بالسياق السياسي، مؤكداً أن الهدف منها هو زعزعة الأمن والتأثير على العملية الانتخابية لمجلس الشعب. وأضاف أن الجهات المختصة اتخذت الإجراءات اللازمة لتطويق المنطقة وملاحقة الجناة لتقديمهم للعدالة.
جذور القلق.. استهداف ممنهج أم فوضى سلاح؟
لم يتلقَّ الوعي الجمعي للمسيحيين في سوريا الحادثة بمعزل عن سلسلة استهدافات سابقة، أشدها تفجير كنيسة مار إلياس في دمشق بتاريخ 22 حزيران/يونيو الماضي.
ويجد المسيحيون، خصوصاً في مناطق التماس، أنفسهم من أبرز ضحايا فوضى السلاح والخطاب الطائفي. ويقول رامي، ناشط اجتماعي من مشتى الحلو: "القلق اليوم ليس وليد هذه الحادثة فقط، بل هو قلق متراكم منذ سنوات الحرب. كل جريمة جديدة تعيد إلى الأذهان ما عشناه، وتفتح الباب أمام سؤال وجودي: هل لنا مستقبل آمن هنا؟".
ويضيف المحلل السياسي باسل قس نصر الله: "لأول مرة في تاريخهم، يعيش المسيحيون في سوريا الخوف كدافع للهجرة. سابقاً كانت الهجرة لأسباب اقتصادية، أما اليوم فهي هروب من الخوف".
اختبار جديد للوحدة الوطنية
يقف مسيحيو وادي النصارى، ومعهم السوريون جميعاً، أمام اختبار جديد. الرهان اليوم مزدوج: على وعي المجتمع المحلي وقدرته على تفويت الفرصة على المتربصين بالوحدة الوطنية، وعلى قدرة الدولة على فرض هيبتها وتأكيد أن دماء أبنائها جميعاً غالية، وأن العدالة ستأخذ مجراها.