3 عائلات في كل بيت.. آلاف النازحين السوريين يلجأون إلى البقاع اللبناني

انتشر نحو 65 ألف نازح سوري في مدينة بعلبك ورياق ووصل البعض إلى مناطق في جبيل والشويفات في ضواحي العاصمة بيروت،  فيما بقي عدد منهم في القرى المجاورة للهرمل، مثل الشربين والقصر وغيرها. 

0:00
  • 3 عائلات في كل بيت.. آلاف النازحين السوريين يلجأون إلى البقاع اللبناني
    3 عائلات في كل بيت.. آلاف النازحين السوريين يلجأون إلى البقاع اللبناني

في منزلها الكائن في مدينة الهرمل في البقاع اللبناني شمالاً، استقبلت أناهيد 120 شخصاً من السوريين الذين نزحوا إلى المنطقة بعد سقوط الأسد. تقول أناهيد إنها لم تحتمل رؤية هؤلاء الناس ينامونَ في الشارع وفي السيارات في البرد والمطر، فقررت أن  تبادر وتؤوي هذا العدد الكبير برغم صعوبة الأمر عليها. 

"العدد كبير جداً وهذا شكّل تحدّ كبير لي، قدمت لهم ما كان بوسعي أن أقدمه من مساعدات إلى أن توالت المبادرات لمساعدتهم". أناهيد هي واحدةٌ من مئات البقاعيين الذين جعلوا من بيوتهم مآوٍ للنازحين، فبات كل بيت من بيوت الهرمل يضم على نحو تقريبي ثلاث عائلات سورية نازحة.

الجميع في قرى البقاع يؤكد أن مشهد الزحف البشري كان صادماً وغير مسبوق، بعيد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، ويقدّر عددهم نحو 130 ألف سوري حلّوا فجأة في الطرقات والساحات العامة، وهذا العدد يفوق عدد سكان مدينة الهرمل  على سبيل المثال.

هذا الواقع المستجد أفضى الى أزمة أنسانية حقيقية تعيشها المنطقة حالياً برغم تظافر الجهود من المعنيين في المنطقة، والحلول الجزئية المقدمة، وأنواع التكاتف والتضامن بين السّكان في ظل غياب حل جذري من قبل الدولة اللبنانية، إذ لا زالت المشكلات المرتبطة بالنزوح المستجد على المنطقة ترواحُ مكانها، وهي مشاكل تؤثر على البقاعيين شمالاً على وجه الخصوص، كما على النازحين الذين يعيشون ظروفاً مأساوية وصعبة للغاية. وثمة مخاوفُ جدية بين البقاعيين من انفجار الوضع وعدم القدرة من السيطرة عليه.

أوضاع مأساوية للنازحين السوريين

"أنام وأطفالي في خيمة صنعتها بنفسي في حديقة مسجد في مدينة الهرمل الذي يأوي مئات النازحين"، يقول محمد، وهو نازح سوري يشكي الظروف الصعبة التي يعيشها مع عائلته المكونة من ثمان أفراد بعد نزوحهم: "نحتاج إلى الكثير من الاحتياجات التي يصعب توفيرها لنا بشكل يومي. لكننا لا نستطيع العودة حالياً إلى بلادنا، تلقّينا العديد من التهديدات، وهذا ما دفعنا إلى المغادرة بشكل سريع، وبالثياب التي علينا، من دون أن نجلب معنا شيئاً من أرزاقنا".

أما بعض السوريين النازحين الذين استطاعوا إخراج بعض إنتاجهم من زيت الزيتون اضطروا إلى بيعه بأسعار أقل من السعر المتعارف عليه في الأسواق. "الجميع يرفض أن يتعامل بالعملة السورية، ممما اضطرني لبيع ما بحوزتي من زيت الزيتون كي أتمكن من شراء بعض الحاجيات"، يقول ياسين، وهو أحد النازحين في الهرمل.     

وتحكي الناشطة في العمل الاجتماعي في منطقة البقاع عبير طه عن التحديات الكبيرة التي ترافق أزمة نزوح السوريين واللبنانيين المقيمين في سوريا: "خضنا معركة حقيقية بداية الأمر لتأمين الفراش والأغطية والاحتياجات الأساسية الضرورية، كالخبز والماء والملبس وما إلى هنالك لمئات العائلات التي توزعت على المجمعات والحسينيات والمساجد". وتضيف: "الهرمل ليست جاهزة أساساً لاستقبال هذه الأعداد، لا من ناحية السّكن ولا من ناحية قدرة الأفران على تأمين الخبز، ولا حتى بالنسبة لتوفير الكهرباء والماء لهم".

وتلفت إلى أن "التحدي الأكبر بالنسبة لنا تمثّل في أننا خرجنا لتوّنا من حرب طاحنة دمّرت الكثير من البيوت في المنطقة، فضلاً عن جراحات كبيرة تغاضينا عنها مؤقتا لاحتواء هذا العدد الكبير من النازحين"، مؤكدة أن الناس والجمعيات الأهلية تضامنت معاً لتقديم يد العون لهؤلاء النازحين في ظل غياب أي تحرك من الدولة اللبنانية في الأيام الاولى لنزوحهم.

أزمة تنذر بالأسوأ؟

وسط مدينة الهرمل، يقع مجمع سيد الشهداء الذي شُيّد في الأساس لإقامة الاحتفالات وإحياء المناسبات الدينية وغيرها من الفعاليات التي تنظم في المدينة، أما اليوم فيقبع في هذا المجمع 1500 نازح سوري، بحسب نائب رئيس بلدية الهرمل عصام بليبل في حديثه إلى الميادين نت، مؤكداً أن حوالى 60 ألفاً من هؤلاء يتوزعون على 85 مركز بينهم حسينيات ومساجد ومزارع ومحلات في المنطقة، ويتراوح عدد الأشخاص فيهم ما بين 150 إلى 500 شخص.

ويشير بليبل إلى أن الوضع الإنساني لهؤلاء صعب جداً، "لا مراحيض تكفيهم، فيضطرون لحجز أدوار لهم للاستحمام في ظل عدم توفّر المياه الساخنة في هذا الطقس البارد، ولا أدوات للنظافة الشخصية، وفي حال توفرت من الجهات التي تقدم المساعدات فإنها تكفي ليوم أو اثنين.
كل ذلك يضاف إلى أزمة التدفئة التي لم تُحلّ بشكل جذري حتى الآن، فالشتاء طويل وأعداد النازحين كبيرة جداً". فضلاً عن التحديات الصحية، فبعد أن قررت مستشفى البتول في الهرمل استقبال النازحين وتقديم الخدمات الصحية لهم بالمجان، تشهد المستشفى يومياً ضغطاً كبيراً عليها.

وانتشر نحو 65 ألف نازح سوري في مدينة بعلبك ورياق ووصل البعض إلى مناطق في جبيل والشويفات في ضواحي العاصمة بيروت، وفق بليلل،  فيما بقي عدد منهم في القرى المجاورة للهرمل، مثل الشربين والقصر وغيرها. 

ووصف رئيس بلدية القصر محمد زعيتر من جهته ما يجري بأنه ضغط وغير مسبوق تعيشه البلدة، فالقصر اليوم تستقبل حوالى 10 آلآف نازح، منهم 7 آلاف سوري، و3 آلاف من النازحين اللبنانيين من البلدات الحدودية. ووفق زعيتر فإن "هذا العدد الكبير موزع على 11 مركز فقط، أي حوالى 70 عائلة في كل مركز".

ويشيد كل من زعيتر وبليبل بالجهود المبذولة من قبل بعض الجمعيات والمؤسسات مثل الصليب الأحمر اللبناني والصليب الأحمر الدولي ومؤسسة عامل، فضلاً عن "أطباء بلا حدود" وبرنامج الأغذية العالمي الذين يواكبون أزمة النزوح، ويقومون بإحصاءات دائمة للاحتياجات والنواقص.

لا مخيمات جديدة للنازحين!

يطلق البقاعيون اليوم الصرخة في خضم الظروف الصعبة التي يعيشونها من جراء تبعات الحرب، بعد أن أضيفت إليهم أزمة النزوح، علها تصل إلى مسامع المسؤولين في الدولة، فالبقاع هو البقعة الجغرافية المحرومة تاريخياً، ولديها أزمة علاقة مع الدولة تاريخياً، من جراء الخدمات الاجتماعية والاقتصادية الشحيحة التي كانت تُقدّم لها.

ويناشد المواطنون الدولة من جديد لحل أزمة النزوح الملقاة على عاتقهم وعاتق بلدياتهم وجمعياتهم الأهلية، ويقول الأهالي إن أزمة كهذه تحتاج إلى خطة حكومية متكاملة لحلّها وليس فقط تقديم مساعدات عينية لهم. هذا وكان وزير البئية قد زار منطقة الهرمل والقرى المجاورة لها وقدم مساعدات غذائية للنازحين اللبنانيين، مؤكداً أهمية حل هذا الملف والتعاون للخروج من الأزمة.

يذكر أن مجلس الوزراء اللبناني كان ناقش أزمة النزوح المستجدة من سوريا إلى لبنان وقرر تكليف لجنة الطوارئ الحكومية برئاسة وزير البيئة ناصر ياسين متابعة أوضاع النازحين اللبنانيين، في حين تتولى وزارة الشؤون الاجتماعية الاهتمام عبر الوزير هيكتور حجار بشؤون النازحين السوريين بالتنسيق مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

وأكد حجار في وقت سابق أن لبنان لن يبني مخيمات جديدة للاجئين، ولن يسجلهم كنازحين مؤقتين، مشيراً إلى أن بلاده تستقبل اللاجئين مؤقتاً، مشدداً على أن عودة اللاجئين إلى بلادهم يمثل الحل الأمثل، وأن ذلك يعتمد على بناء الثقة مع الحكومة السورية  من خلال العمل السياسي.