الحرب تُخرج غزة من النظام المالي: أزمة سيولة وتوقف الدفع الإلكتروني

أدّت أزمة توقف الدفع الإلكتروني في غزة إلى انهيار القدرة الشرائية للمواطنين، الذين واجهوا استغلال تجار السوق السوداء والعمولات الباهظة وسط غياب السيولة.

0:00
  • الحرب تُخرج غزة من النظام المالي: أزمة سيولة وتوقف الدفع الإلكتروني
    الحرب تُخرج غزة من النظام المالي: أزمة سيولة وتوقف الدفع الإلكتروني

توقفت خدمات الدفع الإلكتروني في غزة، مما سلب المواطنين الوسيلة الوحيدة للنجاة وسط انعدام السيولة، ليواجهوا استغلالًا من تجار السوق السوداء الذين يفرضون عمولات باهظة، كما امتنعت المحال التجارية عن قبول الدفع الرقمي واستمرت الأزمة بسبب تداول أوراق نقدية تالفة نتيجة لتدمير البنية المصرفية، مما زاد الأعباء المالية على المواطنين.

ومنذ تدهور الأوضاع في غزة، تشهد الأسواق ازدحامًا كبيرًا، لكن المواطنين غالبًا ما يعودون من دون شراء بسبب اختفاء السلع أو ارتفاع أسعارها بشكل حاد، نتيجة إغلاق المعابر، خصوصًا كرم أبو سالم ورفح، مما فاقم النقص ورفع الأسعار في ظل تراجع القدرة الشرائية وصعوبة تأمين الاحتياجات الأساسية.

أوراق ممزقة وعمولة تصل إلى 35% 

في سوق الصحابة بمدينة غزة، يتنقل المواطن محمود الحلاق بين المحال بحثًا عن متجر يقبل الدفع الإلكتروني، لكنه يصطدم بلافتات "لا نقبل الدفع الإلكتروني" معلقة على الأبواب، ما يزيد من شعوره بالعجز في ظل انعدام السيولة وغياب البدائل.

يقول محمود الحلاق للميادين نت: "لا أستطيع تأمين احتياجاتي لعدم توفر السيولة النقدية، فأموالي مودعة في حسابي البنكي، والتجار يستغلون الوضع بفرض عمولة مرتفعة تصل إلى 35% للحصول على المال نقدًا، ما يزيد من معاناتي".

ويضيف الحلاق: "الوضع يزداد سوءًا مع استمرار العدوان والظروف الاقتصادية الصعبة، والأسواق شبه فارغة من السلع الضرورية"، مشيرًا إلى أن "أهالي غزة يُحاصرون ويُجوّعون ويُستغلّون، ولا يعرفون كيف يلبّون احتياجاتهم اليومية في ظل أزمة السيولة الخانقة".

أما الموظف الحكومي أحمد شعبان يواجه صعوبة بالغة في الحصول على راتبه، بسبب انعدام السيولة النقدية وإغلاق المصارف والبنوك، ما اضطره إلى اللجوء لتجار العملة لسحب جزء من أمواله المودعة.

يقول شعبان للميادين نت: "أحوّل المبلغ من التطبيق البنكي إلى تاجر العملة الذي يخصم عمولة مرتفعة جدًا—تصل إلى أكثر من ثلث راتبي—ثم يعطيني الباقي نقدًا، وغالبًا ما تكون الأوراق تالفة ومهترئة"، موضحًا أنّه "برغم الاستغلال، فإنني مضطر لذلك لتأمين احتياجاتي اليومية في ظل الحرب وارتفاع الأسعار كي أبقى على قيد الحياة".

ويحمّل شعبان تجار العملة مسؤولية هذا الاستغلال، مشيرًا إلى أنّ العمولة ارتفعت من 5% إلى 35% منذ بداية الحرب، معتبرًا ذلك "استغلالًا صارخًا في ظل انهيار النظام المصرفي بالقطاع".

وبشأن صعوبة التعامل بالأوراق النقدية المهترئة، يؤكد المواطن نعيم الهسي للميادين نت، أنّ "العملات الورقية في غزة قديمة وممزقة بسبب إغلاق البنوك ما حال دون استبدالها، وما يجعلها غير مقبولة لدى العديد من التجار، خصوصاً كبارهم، الذين يرفضون استلامها، ما يزيد من صعوبة التعامل بها ".

ويشير الهسي، إلى أنّه بسبب انعدام السيولة واضطراره للتعامل بأوراق تالفة، يواجه أزمة مالية تؤثر على نفسيته، مبيناً أنه في مرات عديدة دفع مبلغًا إضافيًا لتلبية طلبات التجار.

من جانبه، يحاول المغترب خليل أبو سمرة، المقيم في تركيا، دعم عائلته في القطاع بإرسال حوالات مالية لتلبية متطلبات حياتهم، يبين للميادين نت، أنّه "عادةً تُقتطع عمولة التحويل من بلد الإرسال فقط، لكن الوضع في غزة مختلف، فقبل العدوان، كانت الحوالات تصل خلال 24 ساعة عبر بنوك وشركات مثل ويسترن يونيون، أما اليوم فقد تغير الوضع بالكامل".

ويتابع أبو سمرة: "أرسلت مبلغًا لعائلتي مع بداية الحرب، ودفعت عمولة التحويل من ألمانيا، لكن تفاجأت بأنّ عائلتي خُصم منها 35% إضافية من قبل تجار العملة، وفقدنا نحو أكثر من 700 دولار بسبب عمولة السحب وفارق أسعار الصرف بين الدولار والشيكل".

وتفاقمت أزمة السيولة في غزة بسبب الحصار الإسرائيلي ونقص البضائع، ويوضح البائع سعيد الحلو للميادين نت، أنّ إغلاق المعابر وصعوبة توفير السلع الأساسية زاد من تعقيد المعاملات، مشيراً إلى أن توقف الدفع الإلكتروني نتيجة رفض التجار استخدامه يعيق تلبية احتياجات الزبائن.

وفي نيسان/أبريل 2024، أعلنت سلطة النقد الفلسطينية عن تعذر فتح فروع البنوك في غزة بسبب القصف وظروف الحرب وانقطاع الكهرباء، ما فاقم أزمة السيولة، مؤكدة أنّ معظم أجهزة الصراف الآلي تعطلت، ومشيرة إلى متابعتها لشكاوى المواطنين الذين تعرضوا للاستغلال مقابل تحويلاتهم المالية، ورفضت عمليات الابتزاز في هذه الظروف الصعبة.

تعطل المصارف يدفع المواطنين إلى "سماسرة الحرب"

بدوره، يرى رئيس قسم الاقتصاد في جامعة النجاح نائل موسى، أنّ توقف الخدمات الإلكترونية في غزة بسبب العدوان والانهيار البنيوي أدى إلى أزمة اقتصادية حادة، حيث أجبر تعطل الصرافات والدفع الإلكتروني المواطنين على اللجوء للسوق السوداء، حيث يفرض "سماسرة الحرب" عمولات تجاوزت 30%، ما تسبب في ارتفاع الأسعار وتفاقم الأزمات المعيشية.

وأشار موسى في حديثه إلى الميادين نت، إلى أن غياب الدفع الإلكتروني أربك الأسواق وزاد من فرص الاحتكار والتلاعب، إضافة إلى تلف العملات الورقية نتيجة تكرار استخدامها ومنع دخول أوراق نقدية جديدة بسبب الحصار.

ولفت موسى إلى أن تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاحتلال بموجب اتفاقية باريس تجعل إدخال السيولة مرهوناً بالبنك المركزي الإسرائيلي، المتوقف عن التحويلات منذ 7 أكتوبر، داعياً سلطة النقد إلى التدخل العاجل لضبط السوق وتفعيل الدفع الإلكتروني لتخفيف الأزمة ودعم النشاط التجاري.

الفئات الهشة الأكثر تضررًا 

ووفقاً لمركز الميزان لحقوق الإنسان، فإن منع الاحتلال إدخال "الشيكل" إلى غزة يفاقم أزمة السيولة، ويؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية، خصوصاً لدى الفئات الهشة مثل منتفعي الشؤون الاجتماعية وأسر الشهداء والجرحى والأسرى.

وذكر المركز في بيانه، أنّ هذه الأزمة تعيق قدرة المواطنين على سحب أموالهم أو تلقي التحويلات، في ظل غياب الرقابة على تجار العملة، مما يساهم في تعميق الفوضى المالية ويتيح للبعض تحقيق أرباح على حساب المواطنين.

اخترنا لك