تهجير قسري يطال العلويين في حيّ السومرية بدمشق
يشهد حي السومرية في دمشق موجة نزوح واسعة إثر تهديدات واعتداءات طائفية نفذتها فصائل مسلحة ضد السكان من أبناء الطائفة العلوية. الانتهاكات أثارت إدانات محلية ودولية وسط مطالبات بحماية المدنيين ومحاسبة المسؤولين.
-
تهجير قسري يطال العلويين في حيّ السومرية بدمشق
"ماما خليني أخد لعبتي معنا"، كانت هذه إحدى العبارات المؤثرة التي قالتها طفلة صغيرة لا تتجاوز السبع سنوات نزحت مع أمها خارج حي "السومرية" في العاصمة السورية دمشق، بعد تهديدات أطلقها فصيل مسلح تابع للإدارة السورية الجديدة ضد المدنيين من أبناء الطائفة العلوية، فما كان من النساء والأطفال إلا أن حزموا حقائبهم وغادروا مسرعين، خوفاً من تعرضهم لعمليات تصفية ميدانية على أساس طائفي.
حيّ "السومرية" الذي يقع في منطقة المزة، تقطنه عائلات من الطائفة العلوية منذ سنوات طويلة، إلا أن أهله واجهوا أخيراً حملات تحريضية تطالبهم بالخروج سريعاً، بحجة أن أراضي السومرية مملوكة لأبناء منطقة "المعضمية" المجاورة، وأن نظام حافظ الأسد وضع يده على الأراضي، ثم باعها لأبناء الطائفة العلوية، وهو الأمر الذي يرفضه سكان "السومرية" بالمطلق، حيث يؤكدون أنهم اشتروا المنازل بشكلٍ قانوني من المؤسسة العامة للإسكان، بعد أن سجّل الأهالي فيها واستلموا منازلهم وفق نظام الاكتتاب بعد سداد كامل الأقساط المالية، وهي طريقة قانونية كانت متّبعة في العهد السابق.
مشاهد نهب المنازل والمحال التجارية، والمقاطع التي وثّقت الانتهاكات بحق المدنيين في "السومرية" من قبل المسلحين، انتشرت كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي، وأثارت ردود فعل غاضبة بين سكان العاصمة وباقي المحافظات السورية، وسط دعوات لإيجاد حلول قانونية بدلاً من اتّباع سياسة الترهيب والتهجير الطائفي.
المحافظة تتحرّك بخجل
يكشف "أبو عمار" –اسم مستعار- من سكان السومرية للميادين نت أن فصيلاً مسلحاً أقدم قبل أيام على اقتحام الحيّ بشكل عشوائي، وسرقت عناصره المنازل والمحال التجارية، ووجهوا تهديدات مباشرة للأهالي من أبناء الطائفة العلوية بوجوب الإخلاء الفوري، وإلا سيتعرضون للقتل والتنكيل.
وتابع "أبو عمار": "رافق اقتحام الفصيل المسلح للحيّ توجيه عبارات مسيئة بحق المدنيين ورموز الطائفة العلوية، وهو ما دفع الأهالي للنزوح الجماعي خارج السومرية، وخاصّة النساء والأطفال"، وأضاف: "من أصل نحو 20 ألف شخص كانوا يعيشون في السومرية، لم يتبق الآن إلا أقل من 4 آلاف شخص، حيث تم تهجير نحو 80% بسبب انتمائهم الطائفي، ولا يزال التهجير مستمر بحق من تبقّى إلى اليوم".
وأمام ما جرى من انتهاكات وترهيب بحق المدنيين، التقى محافظ دمشق ماهر مروان إدلبي بعدد من أهالي "السومرية"، حيث قدّم تطمينات واضحة بأنّ أمن المواطن هو الأولوية بالنسبة للدولة، كما أن المحافظة لم تصدر أيّ أوامر بالإخلاء، وأن ما جرى خلال الأيام الماضية لن يتكرر، وتم الاتفاق على تشكيل لجنة قانونية لمتابعة ملف ملكية الأرض والاستملاك للوصول إلى حل ينهي هذا الإشكال.
مصادر من داخل الحيّ أكدت للميادين نت أن الاجتماع الذي كان إيجابياً مع المحافظ، سرعان ما انتهى تأثيره على الأرض، حيث عاد الفصيل المسلّح مجدداً لإطلاق التهديدات ضد سكان السومرية، ما يؤكد عدم وجود تنسيق بين الفصيل والمحافظة، كما كشفت المصادر أن الوفد الذي شارك في الاجتماع مع المحافظ تعرّض لتهديدات بالتصفية، وهو ما دفع من بقي داخل الحيّ للتفكير بالنزوح سريعاً.
تنديدات متواصلة
الانتهاكات الموثّقة بحق أبناء الطائفة العلوية، دفعت الأمم المتحدة لإصدار بيانٍ تؤكد من خلاله أنها تتابع بقلق التطورات في حي "السومرية" بدمشق بما في ذلك التقارير عن تهديدات بالإخلاء، والتقارير عن انتهاكات ضد المدنيين الأبرياء، بمن فيهم النساء والأطفال، وحثّت على ضبط النفس والامتناع عن أي إجراءات متسرعة أو عنيفة.
وأكد المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، ضرورة معالجة القضايا المعقدة المتعلقة بالإسكان والأراضي والممتلكات، والعدالة الانتقالية، بعناية، مع إعطاء الأولوية لحماية المدنيين بناءً على سيادة القانون وبما يتماشى مع المعايير الدولية.
بينما أعلن المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر رفضه القاطع لما قامت به "سلطة الأمر الواقع" من جرائم وانتهاكات سافرة، حيث أقدمت على اقتحام المنازل وإخراج السكان قسراً لمجرد انتمائهم للطائفة العلوية، متجاهلة الوثائق القانونية التي تثبت ملكيتهم، في ممارسات تكشف عن نهج إقصائي قائم على الحقد والتمييز.
وأضاف المجلس: "رافقت هذه الجريمة اعتداءات وحشية بالضرب والشتائم الطائفية والإهانات العلنية، وصولاً إلى استهداف النساء وضربهم في تعدٍّ سافر على القيم الدينية والأعراف الإنسانية، لذلك نطالب بالشروع الفوري في تحركات دولية عاجلة، تشمل مخاطبة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية، لوقف هذه الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها".
من جانبه أصدر المجلس السياسي لوسط وغرب سوريا بياناً أكد فيه أن هذه الممارسات تمثل جرائم ضد الإنسانية واستهداف جماعة بعينها على أساس طائفي ما يضع تلك الانتهاكات ضمن إطار الإبادة الجماعية، وأضاف المجلس: "في دمشق وضواحيها أحياء عديدة تتشابه أوضاع البناء والسكن فيها مع واقع حي السومرية ولم يتم التعرض لها ما ينفي أن هذه الإجراءات ذات طابع "قانوني" أو "تنظيمي"، بل هو طائفي بحت يستهدف فئة محددة من السوريين بما يجعل هذه الانتهاكات أكثر خطورة ووضوحا من حيث توصيفها كجرائم ممنهجة.
وتعليقاً على ذريعة أن أهالي "السومرية" ليس بحوزتهم إثباتات لامتلاكهم المنازل، أكد "ثائر" –اسم مستعار- أن معظم سكان الحي يمتلكون وثائق مصدّقة من المحافظة بأن العقارات ملك شخصي لهم، إلا أن المسلحين الذين اقتحموا الحيّ قبل أيام، قاموا بتمزيق بعض الوثائق التي قدّمها أهالي "السومرية" لمنع إخراجهم من منازلهم، إضافة إلى قيامهم باعتقال عدد من الشبان والشيوخ، وإعطاء من تبقى مهلة لاستكمال عملية الإخلاء الفوري.
وأضاف "ثائر": "غالبية سكان الحي ينتمون إلى الطائفة العلوية، وهذا يؤكد أن ما جرى خلال الأيام الماضية هو عمليات تهجير طائفي بشكل مدروس من قبل فصائل تابعة لوزارة الدفاع السورية لا ترغب بوجود أيّ علوي في دمشق، حيث صدرت تهديدات مماثلة لحي المزة 86 الذي تقطنه غالبية علوية أيضاً، في حين لم يجرِ أيّ أمر مشابه في أحياء العشوائيات الأخرى داخل دمشق".
ويتابع "ثائر": "إن حجة وجود عساكر وضباط سابقين في جيش الأسد ضمن حيّ السومرية لا تنطلي على أحد، لأن الإدارة الجديدة قامت بطرد جميع العسكريين من الحيّ بعد سقوط نظام الأسد فوراً، واليوم لم يبقَ داخل الحيّ إلا المدنيين فقط".
لا يخفى على أحد تعرّض آلاف السوريين خلال السنوات الماضية للضرر وخسارة أراضيهم بطرق غير قانونية، لكن ما يجري اليوم في حي "السومرية" بدمشق، وفي بعض أحياء حمص وحماة يعتبر انتهاكاً صارخاً ضد الحقوق الفردية والملكية الشخصية، وهو ما يفرض على الحكومة الجديدة التعامل مع القضايا المعقدة المتعلقة بالأراضي والممتلكات الشخصية بلغة القانون، بعيداً عن لغة السلاح والقوة والترهيب، إضافة إلى إعطاء الأولوية القصوى لحماية المدنيين وسلامتهم.