غزة بلا تعليم للعام الثالث: جيل كامل مهدّد بالأمية

للعام الثالث على التوالي، يحرم الاحتلال أكثر من 700 ألف طالب في غزة من حقهم في التعليم، بعد تدمير 90% من المدارس والجامعات وتحويلها إلى ملاجئ. جريمة موصوفة بالإبادة التعليمية والثقافية تهدد جيلاً كاملاً بالضياع وسط الحرب والنزوح المستمر.

  • غزة بلا تعليم للعام الثالث: جيل كامل مهدّد بالأمية
    غزة بلا تعليم للعام الثالث: جيل كامل مهدّد بالأمية

للعام الثالث على التوالي، يُحرم مئات الآلاف من أطفال وطلاب غزة من التعليم نتيجة تدمير المدارس والجامعات وتحويلها إلى ملاجئ للنازحين، فيما يواجه جيل كامل خطر الأمية والضياع وسط الانفجارات والنزوح المتكرر.

ومع افتتاح العام الدراسي في الضفة الغربية مطلع شهر أيلول/سبتمبر الجاري، يبقى نحو 700,000 طالب في قطاع غزة بلا تعليم، بينهم 18,000 طالب مدرسي و1,261 طالباً جامعيًاً، وأصيب عشرات الآلاف من المعلمين والكادر التعليمي، بحسب وزارة التربية والتعليم.

حقائب نزوح وأحلام مكسورة

الطفل محمد حمّاد (15 عاماً) يصف مشاعره للميادين نت، قائلاً: "أعيش عامي الثالث عالقاً في الصف نفسه، لا أعرف مصيري بعد استشهاد بعض زملائي ومعلميني، بينما يعود الأطفال في بقية العالم إلى مدارسهم بفرح وحقائب جديدة".

ويضيف حماد أنّ المدرسة تحولت من "بيت ثانٍ" إلى الملجأ الوحيد بعد أن دمّر الاحتلال منزله وفقد كل مقومات التعليم من كتب وملابس ومقاعد، في ظل قطع الكهرباء والإنترنت، مشيراً إلى أنّ حقيبته صارت تحتوي على طعام وحاجيات للبقاء أثناء النزوح المتكرر، مثل آلاف الأطفال الذين يحملون معاناتهم بدل الكتب والدفاتر. 

ويختم الطفل حديثه برسالة أمل برغم القسوة: "أتمنى أن أعود يوماً إلى مقعدي الدراسي، وأرتدي حقيبتي المدرسية لا حقيبة النزوح، وأن أواصل تعليمي في أجواء آمنة مثل باقي الأطفال".

أما الطفلة ريناد طموس (13 عاماً) تصف شعورها بـ"الحزن الشديد"، إذ حرمها العدوان من ثلاثة أعوام دراسية متتالية، ومن صوت جرس المدرسة الذي استبدلته أصوات الانفجارات.

وتشير طموس في حديثها إلى الميادين نت، إلى أنّها فقدت زملاءها ومعلّميها الذين اغتالهم الاحتلال، ليتحوّل الصف إلى مقاعد فارغة، والدفاتر إلى أوراق بلا أصحاب، فيما حلّ القصف والدمار مكان الدراسة واللعب.

وتتابع الطفلة: "أحلامي تتلاشى مع كل انفجار، كنت أتمنى أن أتعلم، أن ألعب مع صديقاتي، وأن أرتدي حقيبتي المدرسية كل صباح، لكن الخوف والنزوح أصبحا جزءاً من حياتنا اليومية، وكل يوم يمتلئ بالقلق على عائلتي وأصدقائي، ولا مكان آمناً في غزة".

المعلمون في قلب المعاناة

ويعيش المعلمون والمعلمات في غزة أوضاعاً مأساوية تشبه معاناة طلابهم، فهم يواجهون انقطاع الكهرباء والإنترنت، وحالة نزوح مستمرة، وعدم استقرار يجعل التعليم الإلكتروني شبه مستحيل، إلى جانب مسؤولياتهم عن توفير احتياجات أسرهم في ظل الحرب المتواصلة.

المعلم أحمد بدران وصف موسم العودة إلى المدارس قبل الحرب بأنه كان فرحاً للأطفال والأهالي برغم الصعوبات المالية، بينما اليوم يعيش الأطفال في غزة الخوف والجوع ونقص كل شيء.

ويشير بدران للميادين نت إلى أنّ فقدان ثلاثة أعوام دراسية يهدد مستقبل الطلبة العلمي والمعرفي، مؤكداً أنّ الاحتلال يستهدف المنظومة التعليمية بكل مكوناتها، من المدارس والجامعات إلى رياض الأطفال، في محاولة لطمس إحدى أبرز سمات المجتمع الفلسطيني.

ويشدد بدران على أنّ "الاحتلال يسعى إلى جعل شعبنا جاهلاً ومتخلفاً، ولا ينشغل سوى بتأمين لقمة العيش"، مطالباً المجتمع الدولي بالضغط لوقف الحرب، والتحرك العاجل لإنقاذ ما تبقى من حق الأطفال في التعليم، ودعم إعادة إحياء العملية التعليمية في القطاع.

تعليم في الخيام

ومع استمرار الحرب وتدمير المدارس، اضطر آلاف الطلاب والمعلمين لاستخدام خيام النازحين كصفوف مؤقتة، مكتظة وبدائية، تفتقر للكتب والأدوات، وسط أصوات الانفجارات وفقدان الأمن.

من جهته، يصف الطالب أدهم أبو حليمة الدروس في الخيام بأنها "صعبة"، قائلاً للميادين نت: "نتعلم على حصائر أمام سبورة مؤقتة، ونكافح لفهم الدروس وسط أصوات القصف والانفجارات، وأحياناً نضطر للاختباء أثناء الدروس".

بدورها، توضح المعلمة بيان أبو شعبان في حديثها مع الميادين نت، التي تُدرّس الأطفال في المرحلة الابتدائية، أنّ "التعليم في الخيام تحدٍ كبير، ونحاول تعويض الفاقد التعليمي، لكن الانقطاع المستمر ونقص الكتب والقرطاسية يصعّب التركيز"، مشيرةً إلى أنّ المعلمين يبذلون جهوداً مضاعفة لتقديم الدروس بأدنى الإمكانيات، محافظين على استمرارية التعليم برغم الحرب والفوضى.

ومؤخراً، حذرت الأمم المتحدة من حرمان أطفال غزة من التعليم للعام الثالث على التوالي، مؤكدة أنه حق أساسي، وداعية لإعادة فتح المدارس لحماية مستقبل جيل كامل. 

90% من الأبنية التعليمية دُمّرت

من جانبه، يؤكد المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية، صادق الخضور، أنّ أكثر من 700 ألف طالب حُرموا من التعليم، بينهم 90 ألف طالب جامعي و70 ألف طفل في رياض الأطفال، في ظل تضرر شبكات الإنترنت والكهرباء والطرق المؤدية إلى المدارس والجامعات، ما فاقم معاناة الطلاب والأهالي.

ويبين الخضور للميادين نت، أنّ نحو 90% من الأبنية المدرسية والجامعية قد دُمّرت، مشيراً إلى استشهاد أكثر من 18 ألف طفل، و750 معلماً، و220 أستاذاً جامعياً، فيما وصفه بـ"الإبادة التعليمية الممنهجة".

ويوضح الخضور أنّ الخسائر تنقسم إلى نوعين: خسائر بشرية مباشرة تمثلت في استشهاد وإصابة آلاف الطلاب والمعلمين، وخسائر غير مرصودة مرتبطة بالفاقد التعليمي طويل المدى، مشدداً على أنّ المدارس والجامعات كانت هدفاً مباشراً لجيش الاحتلال ضمن سياسة ممنهجة لتدمير مقومات الحياة الفلسطينية. 

ويشدد الخضور على أنّ المجتمع الدولي مسؤول عن حماية التعليم، وأنّ ما يجري هو محاولة لمحو الهوية الوطنية الفلسطينية عبر ضرب التعليم والمعرفة.

وبرغم حجم الكارثة، واصلت وزارة التربية والتعليم جهودها عبر التعليم الشعبي والمدارس الميدانية والمبادرات المجتمعية والمنصات الإلكترونية، والتي التحق بها آلاف الطلبة.

حرب على الأطفال

وبحسب مديرة الإعلام في "الأونروا" إيناس حمدان، فإنّ أكثر من 660 ألف طفل في غزة خارج مقاعد الدراسة للعام الثالث على التوالي بسبب الحرب المستمرة منذ 23 شهراً، واصفةً ما يجري بأنه "حرب على الأطفال".

وتؤكد حمدان للميادين نت أنّ نظام التعليم يواجه خطر الانهيار التام، إذ إن 9 من كل 10 مدارس بحاجة لإعادة بناء أو ترميم، فيما تفاقم الظروف الأمنية وأوامر الإخلاء معاناة الأهالي، مشيرةً إلى أنّ معظم الأطفال يعانون صدمات نفسية وإصابات، وفقدان أحد الوالدين أو كليهما، ما يترك آثاراً طويلة الأمد.

وتلفت حمدان إلى أنّ تعويض الفاقد التعليمي لأكثر من 700 ألف طالب سيكون تحدياً هائلاً في ظل استمرار القتال وانعدام الاستقرار.

إبادة ثقافية وتعليمية

من جهته، يؤكد مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، أنّ الاحتلال يواصل للسنة الثالثة على التوالي حرمان أبناء القطاع من بدء عامهم الدراسي، في جريمة ترقى إلى إبادة ثقافية وتعليمية طالت أكثر من 785 ألف طالب و25 ألف معلم نتيجة التدمير الواسع للبنية التحتية التعليمية.

ويبيّن الثوابتة للميادين نت أنّ أكثر من 95% من مدارس غزة تضررت، و90% منها بحاجة لإعادة بناء أو تأهيل، بعد استهداف 662 مبنى مدرسياً، وتدمير 163 مؤسسة تعليمية بالكامل، وتضرر 388 جزئياً، فيما أصيبت 70% من المدارس المستخدمة كملاجئ. وكانت محافظتا شمال غزة ورفح الأكثر تضرراً بنسبة تجاوزت 95%.

ويشير الثوابتة إلى استشهاد 13,500 طالب و830 معلماً و193 أكاديمياً، مؤكداً أنّ الاحتلال يستهدف حق الأجيال في التعليم، داعياً المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لوقف هذه الجريمة ومحاسبة مرتكبيها.

ومؤخراً، أصدر مركز الميزان لحقوق الإنسان تقريراً بعنوان "للعام الثالث بدون تعليم"، كشف فيه أنّ الحرب المستمرة منذ أكتوبر 2023 أدت إلى استشهاد نحو 17,900 طالب ومعلم وأكاديمي، وتدمير شبه كامل للبنية التحتية التعليمية، حيث تضررت 95% من المدارس وتوقفت جميع الجامعات عن العمل بعد تحويلها إلى مراكز إيواء.

وأكد المركز في تصريحه، أنّ التعليم في غزة يواجه شللاً للعام الثالث على التوالي، مع معاناة مضاعفة للطلاب ذوي الإعاقة، مطالباً المجتمع الدولي بوقف الحرب والحصار، وإعادة بناء المؤسسات التعليمية، وتعويض الفاقد، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للطلبة.

اخترنا لك