قيادات نسائية رائدة في أفريقيا أمام مساعٍ لتمكين المرأة والتساوي بين الجنسين
في بداية عام 2024، بلغت حصة المرأة في البرلمانات في جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى 27.3%، وقد سجلت بذلك ثالث أعلى نسبة بين جميع مناطق العالم، وفقًا لبيانات الاتحاد البرلماني الدولي.
على مرّ العصور، لعبت المرأة الأفريقية دوراً محورياً في تاريخ بلادها، وساهمت بفاعلية في تشكيل ثقافة المجتمع وتنميته، ولطالما برزت نساء رائدات غيّرن مجرى التاريخ، فهذه الملكة المحاربة أمينة، ملكة زازاو (شمال نيجيريا)، التي قادت الجيوش بنفسها، ووسعت رقعة بلادها، وسجلت انتصارات عظيمة لشعبها. والإمبراطورة تايتو بيتول، التي قادت معركة عدوة، أهم الملاحم الإثيوبية في مقارعة الاحتلال. وكان يُنظر إلى الملكة نزينجا مباندي من أنغولا على أنها مفاوض حازم مع الاستعمار، فتحت بلادها أمام اللاجئين، وكافحت لحماية شعبها من التجار البرتغاليين وتحرير العبيد طوال فترة حكمها.
ولم يقتصر الدور النسائي على حالات فردية، بل قدّمت القارة السمراء نماذج باهرة لقوة الضغط الذي تمتلكه الجماعات النسائية في سبيل تحقيق نجاحات حاسمة، ولا أدل على ذلك من ثورة اتحاد نساء أبيوكوتا في نيجيريا عام 1946، التي كانت مثالاً حقيقياً للدور الفاعل للمجتمع النسائي، حيث ثارث حوالى 10 آلاف امرأة، عقب فرض الاستعمار البريطاني ضرائب على النساء، من دون منحهنّ مقاعد في الحكومة أو حق التصويت، وأسفرت ثورة النساء التي استمرت لشهور عن إصلاح في النظام الضريبي، ومنح النساء مناصب سياسية.
وخلال القرن المنصرم، قامت المرأة بأدوار مهمة في مناهضة الاستعمار والكفاح من أجل التحرر في كافة أقطار أفريقيا، وساهمت بقوة في حل المشكلات وقيادة الجيوش وقيادة المراحل الانتقالية، ولعبت دوراً حاسماً خلال الأزمات الاقتصادية والسياسية والصحية، كما نشطت المرأة في جنوب أفريقيا من أجل النضال ضد نظام الفصل العنصري. ومع ذلك، لم تستطع المرأة الأفريقية أن تتخطى الحواجز المتعلقة بالفروق بين الجنسين، ولم تتمكن في حقبة ما بعد الاستعمار من أن تتبوأ مكانتها اللائقة بكفاحها، ولم تحظَ بذاك النصيب من المناصب القيادية.
قمة المناصب القيادية
منذ بداية القرن الحالي، برزت العديد من القيادات النسائية في أفريقيا، اللاتي تطلعن إلى لعب أدوار أكبر في القيادة والحكم في بلدانهن، وكافحن في تحدي التمييز على أساس الجنس، واعتمدن على تبني مبادئ حقوق الإنسان والعدالة والحرية والكرامة التي يضمنها الدستور وتكفلها الأطر القانونية المحلية والدولية، وبالفعل، بدأت الدول الأفريقية بفضل الجهود النسائية الحثيثة، تشهد وصول المرأة إلى أعلى الهرم في السلطة، يصاحبه تحقيق إنجازات كبيرة في السياسة والاقتصاد وحقوق الإنسان وغيرها.
وأصبحت الرئيسة إلين جونسون سيرليف أول رئيسة منتخبة ديمقراطياً في ليبيريا وأفريقيا عام 2006، وكانت من الرائدات في الدعوة للسلام والعدالة والحكم الديمقراطي، وقد وجهت جهوداً جبارة نحو تمكين المرأة في جميع مجالات الحياة، وزيادة تمثيلها في الأدوار القيادية في أفريقيا، كما حققت إنجازات عظيمة في مجال إعادة الإعمار والتنمية في مرحلة ما بعد الصراع في بلدها، واستطاعت تسديد جميع الديون المستحقة على ليبيريا في غضون خمس سنوات، وهو الأمر الذي أهَّلها لاستحقاق جائزة نوبل للسلام.
وفي عام 2012 تم انتخاب جويس باندا كأول رئيسة لمالاوي والرئيسة الثانية على مستوى القارة، وقد برزت باندا في حينها كأقوى القيادات النسائية في أفريقيا، ومن أبرزها على مستوى العالم، وكان لها جهود كبيرة في دعم التنمية وتعزيز حقوق المرأة في ملاوي وخارجها، وأدت دورا فعالاً في تشكيل العديد من المؤسسات الداعمة لهذا المسار، مثل: الاتحاد الأفريقي لرائدات الأعمال، الذي يعمل حالياً في 41 دولة في أفريقيا، ومجلس التمكين الاقتصادي للمرأة في أفريقيا.
وعقب مسيرة حافلة بالمناصب المحلية والإقليمية والدولية، وصلت سهيلة زودي إلى رئاسة الجمهورية في إثيوبيا عام 2018، بعدما اختارها نواب البرلمان بالإجماع، لتكون أول امرأة تتولى هذا المنصب في تاريخ البلاد، وقد ركزت جهودها على تحقيق السلام والقضاء على الفقر بمشاركة كاملة من المرأة. وفي عام 2021 شغلت سامية سولوهو كرسي الرئاسة لأول مرة في تاريخ تنزانيا، وقد عُرفت في بلادها باسم ماما سامية، الأمر الذي يعكس الاحترام والتقدير الذي تحظى به وفقاً للثقافة التنزانية.
وتولت نكوسازانا دلاميني زوما رئاسة الاتحاد الأفريقي عام 2012، وأصبحت أول امرأة تقود منظمة الاتحاد، كما شغلت المرأة الأفريقية مناصب قيادية في الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية ومفوضية الاتحاد الأفريقي وغيرها من المؤسسات الإقليمية والدولية، وساهمت بشكل كبير في معالجة قضايا إحلال السلام والمساواة بين الجنسين والأمن الغذائي والتغير المناخي، ونحوها من القضايا الملحة في جميع أنحاء القارة.
قيادة المرحلة الانتقالية وإحلال السلام
ساهمت المرأة الأفريقية بدور رئيسي في المراحل الانتقالية في بلادها، وضربت القيادات النسائية في القارة أروع الأمثلة في تمكين بلدانهن من مواجهة التحديات والانتقال إلى مجتمع مدني مستقر، والعمل على إحلال السلام وإعادة الإعمار ودعم مشاريع التنمية الشاملة.
ومثلت القيادات النسائية في سيراليون نموذجاً لدور المرأة المركزي في إعادة بناء البلاد عقب الحرب الأهلية التي حطت أوزارها مع بداية القرن الحالي، حيث ساهم المنتدى النسائي ضمن جهات عدة في الضغط على الأطراف المتحاربة للتوصل إلى معاهدة سلام، والقيام بانتخابات ديمقراطية، والعودة إلى الحكم المدني.
وفي شمال أوغندا قامت النساء بتظاهرات للمطالبة بوضع حد للعنف الذي دام لعقود عقب استقلال البلاد في ستينيات القرن الماضي، واستمر بعد ذلك حتى بدايات القرن الحالي، وقد عملت النساء بجد على نشر وعي عالمي حول الصراع الدائر، وتوثيق الانتهاكات التي ارتكبت في البلاد، ودعم مبادرات السلام والمصالحة المجتمعية ودمج المحاربين السابقين.
وعُرفت الرئيسة المنتخبة عام 2014 للمرحلة الانتقالية في جمهورية أفريقيا الوسطى كاثرين سامبا بانزا، كإحدى القيادات النسائية البارزة في حل النزاعات والوساطة في عمليات السلام على كافة الأصعدة: المحلية الإقليمية والدولية، وقد نجحت باستعادة الاستقرار والسلام في بلادها، وتفعيل الإدارة المدنية التي شُلت بالكامل بسبب الصراع الداخلي، وقامت بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وداومت على تأدية دور نشط في القيادة النسائية والوساطة والحد من النزاعات ومشاركة تجربتها على نطاق واسع.
تغيير الدستور وحقوق المرأة
مارست القيادات النسائية في القارة ضغوطاً عظيمة على السلطة الحاكمة في العديد من الدول لإجراء إصلاحات في الدستور حول القضايا المتعلقة بحقوق المرأة والمساواة بين الجنسين. وفي عام 2013 اعتمدت زيمبابوي دستوراً جديداً يُقرّ حقوقاً إضافية للمرأة ويتضمن قوانين تقدم حماية لها في وجه التحديات الكبرى، بما في ذلك الإقصاء في الحياة العامة، والتعرض للإيذاء والعنف والممارسات الضارة.
وفي كينيا، أسفر النضال الطويل من أجل المساواة بين الجنسين، عن تكريس اهتمام متزايد مع مطلع القرن الحالي لحقوق المرأة في البلاد، والبدء بإرساء سلسلة من الإصلاحات، لاسيما اعتماد قانون الجرائم الجنسية وقانون العمل وقانون الحماية من العنف المنزلي والمصادقة على دستور يضمن المساواة القانونية بين الجنسين، بما في ذلك المشاركة السياسية. وكذلك أدت جهود القيادات النسائية إلى إصلاحات دستورية في مالي ومالاوي وتنزانيا وغيرها من الأقطار الأفريقية، لتحسين وضع المرأة القانوني والدستوري في المجتمع.
كما نجحت الجماعات النسائية في القارة بالضغط من أجل المصادقة على بروتوكول حقوق المرأة في أفريقيا، الملحق بالميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والذي اعتمدته الجمعية العامة لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي في مابوتو عام 2003، وقد نص على القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وكفالة جميع حقوقها المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية على نحو ما هو منصوص عليه في المعاهدات والاتفاقيات الدولية.
قوة تنفيذية نشطة
اتسمت القيادات النسائية في أفريقيا منذ أواخر القرن العشرين بقدرة فائقة على التمثيل المجتمعي والمشاركة العملية على كافة المستويات، فقد شاركت بشكل واسع في الصف القيادي الثاني وانخرطت في العمل ضمن الأجهزة التنفيذية المختلفة، فعملت النساء نائبات لرؤساء الدول ورئيسات للوزراء وزيرات ونائبات في المجالس التشريعية، وتبوأ العديد منهن مناصب تنفيذية حكومية عليا.
وفي بداية عام 2024، بلغت حصة المرأة في البرلمانات في جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى 27.3%، وقد سجلت بذلك ثالث أعلى نسبة بين جميع مناطق العالم، وفقاً لبيانات الاتحاد البرلماني الدولي، وتتصدر رواندا القائمة على مستوى العالم، حيث تبلغ نسبة النساء في برلمانها 61.3%، كما تم تسجيل نسبة حصص عالية للنساء المنتخبات للبرلمان في زيمبابوي وإسواتيني حيث بلغت 45% و43.3% على التوالي.
ونشطت المرأة الأفريقية في القطاع التجاري ومجال الأعمال، وقد كشفت تقارير معهد ماكينزي العالمي أن ربع الأعضاء في مجالس إدارة الشركات الأفريقية أصبح الآن من النساء، مما يشير إلى فاعلية النساء في إدارة مناصب عليا والانغماس في العمل ضمن القطاع المالي والتجاري بجدارة في عموم الأقطار الأفريقية.
وتسعى القيادات النسائية في القارة السمراء لتمكين المرأة في كافة مجالات الحياة، وقد قطعت شوطاً على أرض الواقع في الحد من التمييز بين الجنسين عبر المشاركة الفاعلة في مجموعة واسعة من القضايا المجتمعية، بما في ذلك السياسة والاقتصاد ودعم رفاهية المجتمع والتنمية الاجتماعية والأمن وإحلال السلام والتصدي للمشاكل البيئية، والمساهمة في العلوم والفنون والتكنولوجيا والصناعات الإبداعية.
وبالرغم من ذلك، لا تزال المرأة الأفريقية تشغل حيزاً محدوداً في مواقع اتخاذ القرار والتمثيل المجتمعي، بالنظر إلى قدراتها الكامنة، وذلك بسبب الأنظمة والمعتقدات السياسية والأعراف الاجتماعية والثقافية، التي تقمع الجانب القيادي لدى النساء، فعلى سبيل المثال، تُصنف نيجيريا من بين الدول الخمس الأخيرة على مستوى العالم من حيث تمثيل المرأة في البرلمان، بسبب العوامل المؤسسية والاجتماعية والثقافية التي تمنعها من المشاركة في السياسة على قدم المساواة مع الرجل.
كما تواجه المرأة استبعاداً في مفاوضات السلام في مناطق الصراع المختلفة مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وتشاد والسودان وصراع تيغراي، لأسباب عديدة، أهمها: الأعراف الثقافية وضعف التنسيق بين كافة الأطراف، ونقص التمويل للمؤسسات النسائية العاملة في هذا المجال.
ومع ما تبديه القيادات النسائية من صمود وقيامها بكسر العديد من الحواجز وقدرتها على التعامل بمرونة مع المستجدات المختلفة والتكيف مع الأوضاع المجتمعية المتباينة، لا يزال هناك الكثير من الفجوات في المساواة بين الجنسين في أفريقيا والتي تحتاج إلى جهود كبيرة لسدها، مثل التمكين الاقتصادي والتكافؤ في فرص العمل، والمساواة في الرعاية الصحية والتعليم والتدريب والتقدم التكنولوجي، والتحرر من العنف القائم على الجنس.