الميادين نت في مخيم الهول.. شهادات حيّة من "قنبلة" سوريا الموقوتة
يضمّ مخيم الهول في ريف الحسكة 35 ألف شخص معظمهم من عوائل عناصر تنظيم "داعش"، ويخضع لحراسة أميركية مشددة وسط ظروف إنسانية معقدة. وبين مخاوف العودة وواقع التشدد داخل المخيم، يحذّر مراقبون من تحوّله إلى بؤرة جديدة لتفريخ التطرف في المنطقة.
-
مخيم الهول.. شهادات حيّة من "قنبلة" سوريا الموقوتة
واحد من أخطر المخيمات على مستوى العالم؛ يخضع لحراسة مشددة من قوات أميركية خاصّة وعناصر "قوات سوريا الديمقراطية - قسد"؛ يضم 35 ألف فرد من عوائل عناصر أخطر تنظيم متطرف عرفه الشرق الأوسط؛ يشكّل مصدر قلق لدول عديدة في المنطقة، أما ما يجري داخله فيبقى أسيراً للغرف الاستخباراية السريّة؛ إنه مخيم "الهول" الموجود شرق محافظة الحسكة قرب الحدود السورية - العراقية.
المخيم الذي أنشئ أول مرة عام 1991 لإيواء اللاجئين العراقيين الهاربين من ويلات الحرب في بلادهم، تمت إعادة افتتاحه مجدداً عام 2003 إبان الغزو الأميركي للعراق؛ قبل أن يتم فتح المخيم مرة ثالثة عام 2011، ليكون مركز إيواء مؤقت للنازحين السوريين من مناطق مختلفة سيما المحافظات القريبة مثل دير الزور والحسكة والرقة.
مع بدء التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية عملياته داخل سوريا مع "قوات سوريا الديمقراطية" ضد تنظيم "داعش" عام 2014، عاد الحديث عن استخدام المخيم لتوطين عوائل التنظيم داخله، وهو ما أصبح أمراً واقعاً بعد معركة "الباغوز" في ريف دير الزور، وهي المعركة الأخيرة ضد "داعش" في سوريا، حيث تم نقل مئات العناصر إلى سجون مختلفة في الشرق السوري، أما عوائل التنظيم من النساء والأطفال فتمّ نقلهم جميعاً إلى "الهول"، ليكون المخيم بمثابة "قنبلة موقوتة" لعودة إحياء التنظيم، كون جميع من يقطنه يحملون أفكار "داعش" وأهدافه، وفقاً لما تكشفه مصادر محلية.
في العام 2019، وصل عدد قاطني مخيم "الهول" إلى قرابة 75 ألف نسمة، موزّعة بالتساوي على عوائل سوريّة نازحة وعوائل التنظيم المتشدد، إلا أن العدد انخفض لاحقاً بشكلٍ تدريجي، حتى وصل خلال العام الحالي إلى قرابة 35 ألف شخص من جنسيات مختلفة.
ماذا يجري في المخيم؟
مؤخراً، حصلت الميادين نت على معلومات وشهادات حيّة من داخل "الهول" تكشف هواجس قاطني المخيم، وكيف يتم التعامل معهم من قبل القوات الأميركية و"قسد"، إضافة إلى تأثير وسم "الإرهابيين" على حياتهم الشخصية، ورغبتهم بالعودة إلى بلادهم من عدمها.
خلال السنتين الماضيتين، تكثّفت الجهود السورية والدولية لإفراغ المخيم من عوائل التنظيم، ونجحت الوساطات السياسية بإعادة الآلاف إلى بلدانهم الأصلية في المنطقة وبعض الدول الأوروبية، وشكّل العائدون إلى العراق النسبة الأكبر من عوائل "داعش" في المخيم، إلا أن الكثير من الدول رفضت إعادة مواطنيها من "الهول"، نظراً لما يشكّله هؤلاء من خطر على أمنها.
بالمقابل، فإن نسبة كبيرة من العائلات داخل المخيم ترفض الخروج منه، برغم ورود أسمائها بقوائم الترحيل أكثر من مرة، وذلك خوفاً من الملاحقة الأمنية التي من الممكن أن تتعرّض لها في المستقبل، بناء على حجج عديدة، مثل: الارتباط بتنظيم إرهابي.
وفي هذا السياق تكشف خديجة -اسم مستعار- (45 عاماً) المنحدرة من مدينة الموصل العراقية، أنها لا تنوي العودة حالياً إلى بلدها، خوفاً من الملاحقة الأمنية والقضائية، كما جرى مع العديد المغادرين سابقاً، على حد وصفها.
وطالبت "خديجة" بضمانات دولية لجميع قاطني المخيم حتى يتمكنوا من العودة بسلام إلى بلدانهم، خاصّة أن جميع الموجودين في "الهول" من النساء والأطفال، ليس لهم علاقة بما كان يفعله عناصر التنظيم خلال الحرب.
على الأرض، لا يبدو الواقع مماثلاً تماماً لما تقوله "خديجة"، حيث تكشف المعلومات التي حصلت عليها الميادين نت أن دورات التشدد الديني لا تزال مستمرة داخل المخيم إلى اليوم، وتقوم بعض النساء من زوجات كبار عناصر التنظيم بتدريب الأطفال على أفكار "داعش" بشكلٍ سرّي، وهو ما يجعل إمكانية السيطرة على هذه العناصر في المستقبل أمراً مستحيلاً.
أمام هذا الواقع، لجأت المنظمات الإنسانية الدولية، التي لا تزال عاملة في شمال شرق سوريا إلى إعداد برامج توعوية وتأهيل تربوي للأطفال داخل المخيم، تضم دورات ترفيهية وثقافية ورياضية، بهدف جذب الأطفال وتنمية أفكارهم بعيداً من التطرف الديني، إلا أن تلك البرامج لاقت معارضة من بعض العوائل التي تريد البقاء منطوية على نفسها.
أم خالد -اسم مستعار- سيدة سورية خمسينية، من أهالي الرقة شمال شرق البلاد، نزحت مع أطفالها الثلاثة إلى مخيم الهول عام 2018، تكشف للميادين نت أنها تواظب على إرسال أولادها إلى البرامج التعليمية والترفيهية بهدف دمجهم مع أقرانهم، خاصّة أنهم لم يرتادوا المدارس منذ ولادتهم، وهم يعتمدون على المعلومات التي يحصلون عليها من البرامج الدولية.
تقول أم خالد للميادين نت: "الواقع في المخيم بات صعباً للغاية بعد تخفيض دعم المنظمات الدولية، إلا أن العودة إلى الرقة أصعب، حيث قُتِل زوجي الذي كان عنصراً في التنظيم، ودُمّر منزلنا بالكامل، لذلك لا يوجد حلّ إلا البقاء هنا، لكننا نطلب زيادة الدعم الإنساني لتأمين احتياجاتنا الأساسية".
إلى ذلك، أكد مصدر في الجمعيات الإنسانية للميادين نت، أن البرامج التعليمية والترفيهية نجحت خلال الفترة الماضية باستقطاب مئات الأطفال من عوائل تنظيم داعش، برغم التهديدات التي تعرّضوا لها لمنعهم من الاندماج في المجتمع، إلا أن اللقاءات المباشرة مع الأهالي والأطفال كان لها أثراً كبيراً في دعم تلك البرامج وتوسّعها.
هل توجد إمكانية لتفكيك المخيم؟
تكشف معلومات الميادين نت أن "الهول" تحوّل من مخيم صغير إلى مدينة متكاملة، تضم محالَّ تجارية وأسواق خضار وفواكه ومكاتب صغيرة لتصريف العملات الأجنبية، إضافة إلى وجود مهربين لتأمين مواد من خارج المخيم مثل الدواء والطعام وغيرها، خصوصاً بعد خفض الولايات المتحدة الأميركية دعمها المالي للمنظمات الدولية التي تقدم المساعدات الإنسانية لمخيمات شمال شرق سوريا.
وأمام ذلك، أطلقت "قوات سوريا الديمقراطية" نداءات عديدة للمجتمع الدولي من أجل المساعدة في إعادة عوائل تنظيم "داعش" إلى بلدانهم الأصلية وتفكيك المخيم خوفاً من تحوّله إلى مصدر للعناصر المتطرفة بما يعيد إحياء التنظيم مجدداً، إلا أن تلك النداءات لم تلقَ أيّ رد فعل واقعي، وبقيت استعادة الدول لمواطنيها في الحدود الدنيا.
وخلال الأعوام الماضية، كانت الحكومة العراقية هي الأكثر فعالية في ملف إعادة عوائل تنظيم "داعش" من مخيم "الهول"، حيث أطلقت بغداد بالتنسيق مع "قسد" برنامجاً بمعدل رحلتين شهرياً لاستعادة العوائل العراقية، وشهد العام الحالي خروج 8 رحلات من المخيم إلى الأراضي العراقية.
وفي ظل المعطيات الراهنة؛ لا يبدو أن إمكانية تفكيك مخيم "الهول" قابلة للتحقق قريباً، خاصّة أن جهات عديدة تستغلّ القضية كورقة للضغط والابتزاز السياسي، حالها كحال السجون المنتشرة شمال شرق سوريا، والتي تضم نحو 12 ألفاً من عناصر تنظيم "داعش" وكبار قادته، ما يجعل من الملف قضية سياسية إقليمية، لكن الأخطر من ذلك هو الوضع الاجتماعي المعقّد داخل المخيم، والذي ينذر بانفجارٍ أمني في المستقبل القريب، إذا لم تتحرك الجهات الفاعلة محلياً وإقليمياً ودولياً لإنهاء هذا الملف.