الرياضة الفلسطينية بعد عامين من الإبادة: من حلم المنافسة إلى صراع البقاء

الرياضة الفلسطينية تحوّلت من مساحة حلم إلى مساحة دمار، وسط عدوان دمّر المنشآت وصمت دولي يكرّس الازدواجية.

0:00
  • الرياضة الفلسطينية بعد عامين من الإبادة: من حلم المنافسة إلى صراع البقاء
    الرياضة الفلسطينية بعد عامين من الإبادة: من حلم المنافسة إلى صراع البقاء

في صباحٍ كان يُفترض أن يكون عادياً في حياة الرياضيين الفلسطينيين، استيقظت غزة على صوت الطائرات، لا صافرات البداية. في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، تغيّر كل شيء. لم تعد الرياضة مجرد مساحة للفرح أو التنافس، بل تحوّلت إلى ساحة دمار.

قبل هذا التاريخ، كانت الرياضة الفلسطينية تتنفس رغم الحصار. ملاعب تُبنى بصبر، أكاديميات تنشأ في الظل، واتحاد كرة قدم يحاول أن يثبت وجوده في المحافل الدولية. اللاعبون كانوا يحلمون، يركضون، يسجلون، ويغنّون للنصر حتى لو كان موقتاً. كانت غزة تحتضن دورياً محلياً، وكانت الضفة تتباهى بمنتخب وطني يشارك في التصفيات الآسيوية. لم تكن الظروف مثالية، لكنها كانت كافية لتصنع قصة.

لكن بعد 7 تشرين الأول، لم يعد هناك دوري. لم تعد هناك ملاعب. لم يعد هناك جمهور. العدوان الإسرائيلي دمّر أكثر من 288 منشأة رياضية، وقتل أكثر من 785 رياضياً وإدارياً، بينهم 437 لاعب كرة قدم. ملعب اليرموك، الذي كان يحتضن المباريات، تحوّل إلى مركز اعتقال. مبنى الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم أصبح مأوى للنازحين. واللاعبون؟ بعضهم استشهد، بعضهم نزح، وبعضهم باع حذاءه ليعيش.

اللاعب الفلسطيني في مواجهة الإبادة

  • الرياضة الفلسطينية بعد عامين من الإبادة: من حلم المنافسة إلى صراع البقاء
    أنهت الإصابة مسيرة ماجد أبو لبن الكروية (ويب)

حمادة حمد، حارس أهلي بيت حانون، كان يستعد لمباراة في دوري الدرجة الثانية. في فجر 8 تشرين الأول، اضطر للنزوح مع أسرته سيراً على الأقدام. لم يحمل معه سوى هاتفه وهويته. راتبه الشهري البسيط توقّف، فاضطر لإطلاق حملة تبرعات لعلاج والده. أما ماجد أبو لبن، لاعب شباب جباليا، فأصيب برصاص قنّاص أثناء محاولته الحصول على مساعدات غذائية.

الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم تحوّل من جهة تنظيمية إلى هيئة إغاثة. سوزان شلبي، نائبة رئيس الاتحاد، قالتها بوضوح: "نفعل أقصى ما يمكن لتقديم الدعم لعناصر اللعبة ممن تضرروا من حرب الإبادة". لكن الدعم لا يكفي. الفيفا لم يوقف الاتحاد الإسرائيلي. الاتحادات الآسيوية لم تتحرك. واللاعبون في غزة يواجهون الجوع، القصف، والانهيار النفسي.

ما بعد 7 تشرين الأول ليس مجرد مرحلة جديدة، بل هو فصل دامٍ في تاريخ الرياضة الفلسطينية. فصلٌ كُتب بالدم، لا بالحبر. فصلٌ يقول إن الرياضة ليست بمنأى عن السياسة، وإن الملاعب قد تتحوّل إلى ساحات حرب، وإن اللاعب قد يصبح شهيداً قبل أن يُصبح نجماً.

المدرجات تتكلم… فماذا عن الجهات الكروية؟

  • الرياضة الفلسطينية بعد عامين من الإبادة: من حلم المنافسة إلى صراع البقاء
    رفعت جماهير أتلتيك بيلباو لافتة تضامن مع فلسطين (رويترز)

قبل الحرب، كانت فلسطين تُذكر في بعض المناسبات، تُرفع أعلامها في مباريات عربية، وتُغنّى لها في بعض المدرجات. لكن الحضور كان رمزياً، محدوداً، لا يتجاوز لحظات عاطفية في مباريات إقليمية.

اليوم، تغيّر المشهد. فلسطين أصبحت على كل لسان، في كل مدرج، وعلى كل قميص. في ملاعب أوروبا، تُرفع الأعلام الفلسطينية جنباً إلى جنب مع لافتات "أوقفوا القتل"، "الحرية لغزة"، و"العدالة لفلسطين". في ألمانيا، توقفت مباريات بسبب اقتحام الجماهير أرض الملعب تضامناً. في إبريطانيا، رفع المشجعون شعارات مؤيدة لغزة. في فرنسا، أُضيئت شاشات الملاعب برسائل تضامن، رغم الرقابة السياسية.

حتى المدربين لم يصمتوا. جينارو غاتوزو، مدرب منتخب إيطاليا، قالها بوضوح: "ما يحدث للأطفال في غزة يمزّق القلب". المنتخب الإسباني لوّح بالانسحاب من كأس العالم إذا استمرت المجازر.

الرياضة لم تعد محايدة. المدرجات تحولت إلى منابر. فلسطين لم تعد مجرد قضية سياسية، بل تحوّلت إلى وجدان رياضي عالمي.

ازدواجية المعايير: حين يصمت الفيفا

  • الرياضة الفلسطينية بعد عامين من الإبادة: من حلم المنافسة إلى صراع البقاء
    تم حظر روسيا من كل البطولات الدولية (ويب)

في شباط/فبراير 2022، وبعد أيام فقط من بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، سارع الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) والاتحاد الأوروبي (يويفا) إلى حظر روسيا من كل البطولات الدولية. القرار كان حاسماً، شاملاً، وامتد إلى رياضات أخرى كألعاب القوى، التنس، السباحة وكرة السلة.

لكن في حالة "إسرائيل"، ورغم التقارير الأممية، والمطالبات الحقوقية، والنداءات الرياضية، لم يصدر أي تحرك رسمي لعزلها رياضياً. لا تعليق عضوية، لا تجميد مشاركات، لا حتى بيان إدانة. وكأن الدم الفلسطيني لا يكفي.

تقرير نُشر في أيلول/سبتمبر الماضي كشف أن الولايات المتحدة على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية في تصريح لـBBC Sport قال: "سنعمل بشكل كامل على وقف أي جهد لحظر منتخب إسرائيل من كأس العالم"، في إشارة إلى البطولة التي تستضيفها الولايات المتحدة إلى جانب المكسيك وكندا العام المقبل.

أبلغت الفيفا بأنها "لن تسمح" بعزل "إسرائيل" رياضياً، وستقف سداً منيعاً أمام أي قرار من هذا النوع. وهنا تتجلّى الازدواجية: الجاني يُحمى، والمظلوم يُترك للنسيان.

الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم قدّم عشرات الملفات، وثّق الانتهاكات، طالب بتجميد عضوية "إسرائيل"، لكن الرد كان الصمت. لا حياة لمن تنادي. وكأن الرياضة تُدار بمنطق القوة، لا العدالة.

فإلى متى تبقى الرياضة رهينة للسياسة الانتقائية؟ إلى متى يُحاسب طرف ويُعفى آخر؟ وإلى متى يبقى اللاعب الفلسطيني بين أنقاض ملعبه، ينتظر قراراً لا يأتي، وعدالة لا تُمارس، وضميراً لا يستيقظ؟

اخترنا لك