أقدم مما ترويه الكتب.. الذكاء الاصطناعي يحدد تاريخ مخطوطات البحر الميت بدقة
دراسة جديدة تكشف أنّ مخطوطات البحر الميت التي عثر عليها هي أقدم مما كان يُظن.. التحليل الجديد جمع بين تأريخ الكربون المشع، والذكاء الاصطناعي للوصول إلى تاريخ دقيق للمخطوطات.. كيف؟
-
مخطوطات البحر الميت عمرها أكثر من 2000 عام وتحتوي على بعض أقدم النصوص المعروفة من الكتاب المقدس العبري
كشفت دراسة جديدة أنّ الكثير من مخطوطات البحر الميت، التي تُعتبر أحد أبرز اكتشافات التاريخ الأثرية، أقدم ربما ممّا اعتُقد سابقاً.
وذكر ميلادن بوبوفيتش، المؤلف الرئيسي للتقرير الذي نُشر في مجلة "PLOS One"، أنّ التحليل الجديد جمع بين تأريخ الكربون المشع، والذكاء الاصطناعي، كاشفاً أنّ بعض المخطوطات الكتابية تعود إلى حوالى 2300 عام، وهي الفترة التي عاش فيها المؤلفون.
وكان البدو الرعاة قد اكتشفوا المخطوطات صدفةً في برية الخليل، بالقرب من البحر الميت، في عام 1947. ومن ثم استعاد علماء الآثار آلاف القطع التي تنتمي إلى مئات المخطوطات من 11 كهفاً، جميعها قرب موقع خربة قمران بالضفة الغربية المحتلة.
1️⃣
— kosovi (@nimses1010) May 14, 2024
مخطوطة نحاسية من مخطوطات البحر الميت التي تم العثور عليها في الكهف رقم 3 بالقرب من خربة قمران ،ولكنها تختلف بشكل كبير عن غيرها. هذه المخطوطة مكتوبة على معدن النحاس الممزوج بحوالي 1٪ من القصدير
تصف نص المخطوطة النحاسية كميات هائلة من الكنوز المدفونة في البحر الميت ... pic.twitter.com/Z4heddLgf5
3️⃣
— kosovi (@nimses1010) May 14, 2024
عام 1952 تم العثور على مخطوطة نحاسية في الكهف رقم 3 في خربة قمران على شواطئ البحر الميت، وهي واحدة من المخطوطات القليلة التي تم اكتشافها في المكان الذي كانت فيه منذ ما يقرب من 2000 عام. pic.twitter.com/IcvwGojMdA
وأوضح بوبوفيتش، الذي يشغل أيضاً منصب عميد كلية الدين والثقافة والمجتمع في جامعة غرونينغن بهولندا، أنّ "مخطوطات البحر الميت كانت في غاية الأهمية عندما تمّ اكتشافها، لأنها غيّرت تماماً الطريقة التي نفكر بها حول اليهودية القديمة والمسيحية المبكرة".
وأضاف: "بين حوالى ألف مخطوطة، يوجد أكثر من 200 أسميناها مخطوطات العهد القديم، وهي أقدم النسخ التي نمتلكها من الكتاب المقدّس العبري.. لقد قدمت لنا الكثير من المعلومات حول شكل النص في ذلك الوقت".
لم يُعثر على أي تاريخ مكتوب على مخطوطات البحر الميت. لكن من خلال علم الخط القديم، (وهو دراسة فك رموز الكتابات والمخطوطات القديمة)، كان العلماء يعتقدون أنّ المخطوطات تعود لما بين القرن الثالث قبل الميلاد والقرن الثاني بعد الميلاد.
وأشار بوبوفيتش إلى أنّه "من خلال مشروعنا، اضطررنا لتحديد تاريخ بعض المخطوطات في نهاية القرن الرابع قبل الميلاد"، ما يعني أنّ أقدم المخطوطات قد تكون أقدم بـ100 عام ممّا اعتُقد سابقاً.
وتابع: "هذا أمر مثير حقاً لأنه يفتح أمامنا إمكانيات جديدة للتفكير في كيفية كتابة هذه النصوص وكيفية انتقالها إلى مستخدمين وقُرّاء آخرين، خارج إطار مؤلفيها الأصليين ودوائرهم الاجتماعية".
ووفقاً لمؤلفي التقرير، لن تُلهم هذه الاكتشافات المزيد من الدراسات فحسب، بل ستؤثر على آلية إعادة بناء التاريخ، وتفتح أيضًا آفاقًا جديدة في تحليل المخطوطات التاريخية.
اكتشاف غيّر فهمنا لتاريخ الأديان إلى الأبد!
— leechgate (@leechgate_co_cc) June 10, 2025
مخطوطات البحر الميت.. ليست مجرد لفائف قديمة، بل هي آلة زمن حقيقية أعادتنا إلى العالم الذي وُلدت فيه المسيحية.
ما هي أهميتها؟ وماذا كشفت عن أصل الكتاب المقدس ومفهوم "ابن الإنسان" الغامض؟ تابعوا الثريد 👇#مخطوطات_البحر_الميت #تاريخ #آثار pic.twitter.com/K1tttOc4qw
تحديد عمر مخطوطات البحر الميت
كانت التقديرات السابقة لعمر المخطوطات قد استندت إلى تأريخ الكربون المشع، الذي أُجري في تسعينيات القرن الماضي.
وقام الكيميائي ويلارد ليبي بتطوير الطريقة المستخدمة لتحديد عمر المواد العضوية، بأواخر الأربعينيات في جامعة شيكاغو الأميركية.
تُعرف هذه الطريقة أيضاً بتأريخ الكربون 14. إذ يحدّد التحليل الكيميائي عيّنة، مثل حفرية أو مخطوطة، وكمية ذرات الكربون 14 التي تحتوي عليها.
يمكن من خلال النظر في كمية ما تبقى من هذا العنصر تحديد عمر العينة العضوية بدقة نسبية تصل إلى حوالى 60,000 سنة.
مخطوطات البحر الميت: كنز من أعماق التاريخ المقدّس
— Nabil E. Makari (@NabilMakari2) May 5, 2025
في عام 1947، وبينما كان أحد الرعاة البدو من قبيلة التعمري يرعى أغنامه قرب خربة قُمران، الواقعة على الضفة الغربية للبحر الميت، اكتشف بالصدفة شيئًا لم يكن يتخيّله أحد: جِرارًا فخارية في كهف مهجور تحتوي على لفائف جلدية قديمة. هذا… pic.twitter.com/HTOIIHO7G9
وفي هذا الإطار، أوضح بوبوفيتش أنّ "المشكلة في الاختبارات السابقة على المخطوطات أنها لم تأخذ في الاعتبار مسألة زيت الخروع، وهو اختراع حديث، استخدمه العلماء الأصليون في الخمسينيات لجعل النص أكثر وضوحاً. لكنه ملوّث حديث، ما يؤدي إلى تحريف نتائج تأريخ الكربون على نحو يوجهها نحو تاريخ حديث أكثر".
خطوة هامة للأمام
بدأ فريق الدراسة باستخدام تأريخ الكربون المشع الجديد، حيث طبقوا تقنيات حديثة على 30 مخطوطة، وكشفت النتائج أنّ غالبيتها أقدم ممّا كان يُعتقد سابقاً.
الذكاء الاصطناعي يعيد رسم تاريخ مخطوطات البحر الميت ويكشف عن أصول أقدم للنصوص الدينية - https://t.co/74KV3rSWfH @articlophile
— Articlophile (@articlophile) June 10, 2025
ثم استخدم الباحثون صوراً عالية الدقة لهذه المخطوطات التي تمّ تأريخها حديثاً لتدريب الذكاء الاصطناعي الذي طوروه، وأطلقوا عليه اسم "إينوخ" نسبة إلى شخصية "إينوخ" التوراتية الذي كان والد متوشالح.
قدم العلماء لـ"إينوخ" المزيد من المخطوطات التي تمّ تأريخها بالكربون، وتوقّع الذكاء الاصطناعي بشكل صحيح عمر المخطوطات في 85% من الحالات، وفقاً لما ذكره بوبوفيتش، الذي قال: "في عدد من الحالات، قدم إينوخ حتى نطاقاً زمنياً أضيق للمخطوطات مقارنةً بما فعله تأريخ الكربون 14".
بعد ذلك، قدم بوبوفيتش وزملاؤه لـ"إينوخ" المزيد من الصور لـ135 مخطوطة من مخطوطات البحر الميت التي لم يتم تأريخها بالكربون، وطلبوا من الذكاء الاصطناعي تقدير عمرها. قيّم العلماء النتائج باعتبارها "واقعية" أو "غير واقعية"، بناءً على خبرتهم في علم الخطوط القديمة، ووجدوا أنّ "إينوخ" قدم نتائج واقعية في 79% من العيّنات.
ووُجد أنّ بعض المخطوطات في الدراسة أقدم بما يتراوح بين 50 و 100 سنة ممّا كان يُعتقد سابقاً.
رأى بوبوفيتش أنه قد يُستعاض عن تأريخ الكربون 14 بالذكاء الاصطناعي، كطريقة لتحديد عمر المخطوطات.
هنا وإذا دفع الفريق قدماً في تطوير "إينوخ"، يعتقد بوبوفيتش أنه يمكن استخدامه لتقييم النصوص مثل السريانية، والعربية، واليونانية، واللاتينية.
وفي تعليق على الجوانب الحسابية للدراسة، قال برينت سيلز، أستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة "كنتاكي" الأميركية، إنّ "النهج الذي اتبعه المؤلفون يبدو دقيقاً، حتى وإن كانت أحجام العيّنات صغيرة".
وأشار إلى أنه "قد يكون من المبكر استخدام الذكاء الاصطناعي لاستبدال تأريخ الكربون بشكل كامل".