"ناسا" تواجه تخفيضات حادة في ميزانيتها بعد خلاف ترامب وماسك
تهديد ترامب بسحب العقود الفيدرالية مع شركة "سبايس إكس" حيث تعتمد "ناسا" وعلم الفضاء واستكشافه على التخطيط والتعاون طويل الأمد بين الحكومة والشركات والمؤسسات الأكاديمية يثير المخاوف.. ما القصة؟
-
تشمل المشاريع المهددة بالإلغاء عشرات المهام الكوكبية التي هي بالفعل في الفضاء
أدّى الخلاف بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومستشاره السابق الملياردير إيلون ماسك، حول مشروع قانون إنفاق كبير إلى تفاقم الغموض بشأن مستقبل ميزانية وكالة الفضاء الأميركية "ناسا"، التي تواجه تخفيضات كبيرة.
ونشرت الوكالة الأميركية طلب ميزانيتها للكونغرس، والذي من شأنه خفض تمويل المشاريع العلمية بما يقارب النصف. وهناك أربعون مهمة علمية قيد التطوير أو في الفضاء بالفعل، على وشك الإلغاء.
وهدد ترامب ماسك بسحب العقود الفيدرالية مع شركة "سبايس إكس"، حيث تعتمد "ناسا" على أسطول صواريخ (فالكون 9) التابع للشركة لإعادة تزويد محطة الفضاء الدولية بالطاقم والإمدادات. كما تتوقع وكالة الفضاء استخدام صاروخ (ستارشيب) لإرسال رواد فضاء إلى القمر، وفي النهاية إلى المريخ بعد تطويره.
عالم الفضاء في الجامعة المفتوحة، الدكتور سيميون باربر، يقول إنّ "حالة عدم اليقين تُلقي بظلالها المُخيفة على برنامج الفضاء البشري".
ويضيف أنّ "النقاشات المُثيرة للدهشة والقرارات المُتسرّعة والانعطافات التي شهدناها الأسبوع الماضي تُقوّض الأسس التي نبني عليها طموحاتنا".
ويتابع: "يعتمد علم الفضاء واستكشافه على التخطيط والتعاون طويل الأمد بين الحكومة والشركات والمؤسسات الأكاديمية"، بحسب باربر.
#Ax4, @Axiom_Space's next mission to the @Space_Station, will send mission commander Peggy Whitson and astronauts from India, Poland, and Hungary to low Earth orbit for two weeks of science and outreach. Watch the launch live here with us on X. https://t.co/fXOzfLeVb5 pic.twitter.com/HgeLausaif
— NASA (@NASA) June 4, 2025
اقرأ أيضاً: "التلغراف": إيلون ماسك أراد البقاء في البيت الأبيض لكن طلبه رُفض
التخفيضات أكبر أزمة لبرامج الفضاء الأميركي
إلى جانب الخلاف بين ترامب وماسك، ثمّة مخاوف أيضاً بشأن التخفيضات الكبيرة التي طلبها البيت الأبيض في ميزانية ناسا. تمّ تخصيص إجراءات تقشف لجميع القطاعات، باستثناء برنامج إرسال رواد فضاء إلى كوكب المريخ، الذي حصل على دعم إضافي قدره 100 مليون دولار.
بحسب كيسي دريير، رئيس السياسات الفضائية في "الجمعية الكوكبية" ومقرها باسادينا، والتي تروج لاستكشاف الفضاء، فإنّ التخفيضات المحتملة تمثل "أكبر أزمة واجهها برنامج الفضاء الأميركي على الإطلاق".
من جانبها، قالت وكالة "ناسا" إنّ طلبها لتقليص ميزانيتها الإجمالية بنحو الربع "يأتي في إطار مواءمة برامجها العلمية والتكنولوجية مع المهام الأساسية لاستكشاف القمر والمريخ".
يقول الدكتور آدم بيكر، محلل شؤون الفضاء في جامعة كرانفيلد، في تصريح لـ"بي بي سي" إنه إذا تمت الموافقة على هذه المقترحات من قبل الكونغرس، فإنّ ذلك سيؤدي إلى تحول جذري في تركيز وكالة "ناسا".
-
وكالة "ناسا"
ويضيف: "ترامب يعيد توجيه ناسا نحو هدفين رئيسيين: إنزال رواد فضاء على سطح القمر قبل الصينيين، وزرع علم الولايات المتحدة على كوكب المريخ. وكل ما عدا ذلك يأتي في المرتبة الثانية".
كما يقول مؤيدو هذه المقترحات إنّ ميزانية البيت الأبيض منحت "ناسا" هدفاً واضحاً لأول مرة منذ أيام هبوط "أبولو" على القمر في الستينيات والسبعينيات، حين كان الهدف هو التفوّق على الاتحاد السوفييتي في الوصول إلى القمر.
أما منتقدو "ناسا"، فيرون أنها منذ ذلك الحين "تحولت إلى بيروقراطية ضخمة ومشتتة، تتجاوز ميزانياتها بشكل روتيني في مهمات الفضاء، مما يؤدي إلى هدر أموال دافعي الضرائب".
ويُعد أحد أبرز الأمثلة على ذلك صاروخ "ناسا" الجديد ضمن خططها لإعادة رواد الفضاء الأميركيين إلى القمر، وهو نظام الإطلاق الفضائي (إس إل إس)، حيث تأخر تطويره، وارتفعت تكاليفه بشكل كبير ليصل إلى 4.1 مليار دولار لكل عملية إطلاق.
مستقبل صاروخ "ستار شيب"
في المقابل، تُقدَّر تكلفة إطلاق نظام الصواريخ المكافئ الذي تطوره شركة "سبيس إكس" — ستارشيب — بنحو 100 مليون دولار لكل عملية إطلاق، نظراً لتصميمه القابل لإعادة الاستخدام.
وتعِد شركة "بلو أوريجن" الفضائية، التابعة لجيف بيزوس، بتحقيق وفورات مماثلة من خلال صاروخها المقترح "نيو غلين".
وليس من المستغرب أن يتم التخلص التدريجي من نظام الإطلاق الفضائي (إس إل إس) بموجب مقترحات البيت الأبيض، على أمل أن يتمكن "ستارشيب" و"نيو غلين" من أخذ مكانه.
لكن تجدر الإشارة إلى أن عمليات الإطلاق التجريبية الثلاث الأخيرة لـ"ستارشيب" لم تُكلل بالنجاح، كما أنّ "بلو أوريجن" بدأت مؤخراً فقط في اختبار صاروخها المخصص للمهام القمرية.
يقول الدكتور باربر: "القلق هو أنّ ناسا قد تقفز من المقلاة إلى النار"، بحسب تعبيره، مضيفاً: "تطوير البدائل لنظام (إس إل إس) يتم تمويله من قبل إيلون ماسك وجيف بيزوس. وإذا فقد أحدهما حماسه لهذا المشروع، وطلبت شركتا "سبيس إكس" أو "بلو أوريجن "مزيداً من الأموال لاستكمال تطوير أنظمتهما، فلن يكون أمام الكونغرس خيار سوى تلبية تلك الطلبات".
-
احتمال إلغاء نحو 40 مهمة فضائية تهدف إلى استكشاف كواكب أخرى ومراقبة تأثير تغيّر المناخ على الأرض من الفضاء يثير القلق
"ناسا" تسجل إنجازاً جديداً بوصول مسبار "باركر" إلى أقرب نقطة من الشمس
ما يثير القلق بشكل أكبر، بحسب باربر، احتمال إلغاء نحو 40 مهمة فضائية تهدف إلى استكشاف كواكب أخرى ومراقبة تأثير تغيّر المناخ على الأرض من الفضاء، والتي يشمل العديد منها تعاوناً مع شركاء دوليين.
يقول باربر: "أعتقد أنه من المحزن جداً أنّ ما استغرق وقتاً طويلاً لبنائه يمكن هدمه بهذه السرعة، وكأنها ضربة بكرة هدم، من دون وجود خطة لإعادة البناء بعد ذلك".
وتشمل المشاريع المهددة بالإلغاء عشرات المهام الكوكبية التي هي بالفعل في الفضاء، والتي تمّ دفع معظم تكاليف تطويرها وإطلاقها مسبقاً، بينما توفر المقترحات الحالية وفورات مالية محدودة نسبياً عبر تقليص نفقات تشغيلها. وهناك شراكتان مهمتان مع وكالة الفضاء الأوروبية (إي إس أيه) تواجهان الخطر أيضاً: خطة طموحة لإعادة عينات من الصخور المريخية التي جمعها مسبار "بيرسيفيرنس" التابع لناسا إلى الأرض، ومهمة إرسال العربة الجوالة الأوروبية "روزاليند فرانكلين" إلى الكوكب الأحمر للبحث عن آثار لحياة سابقة.
أوروبا الخاسر الأكبر
ويبدو أنّ الجانب السلبي هو لأوروبا وأكبر على المدى القصير. فإلى جانب مصير عربة المريخ وعودة العينات، تواجه وكالة الفضاء الأوروبية خطر تقليص وصولها إلى محطة الفضاء الدولية في حال إيقافها، كما أنّ خفض ميزانية "ناسا" قد يؤدي إلى إلغاء مساهماتها الكبيرة في مشروع "بوابة القمر" — محطة الفضاء متعددة الجنسيات المزمع إنشاؤها في مدار القمر.
في استراتيجيتها التي نُشرت مؤخراً، أعلنت وكالة الفضاء الأوروبية (إي إس أيه) أنها "ستسعى إلى بناء قدرات فضائية أكثر استقلالية، مع الاستمرار في كونها شريكاً موثوقاً وقوياً وجاذباً لوكالات الفضاء حول العالم"، في إشارة ضمنية إلى استعدادها للمضي قدماً سواء بالتعاون مع "ناسا" أو بدونها.
كما يقول بيكر إنّ العديد من برامج مراقبة الأرض الحالية والمقترحة تواجه أيضاً خطر الإلغاء، مضيفاً في تصريحه لـ"ـبي بي سي": "برامج مراقبة الأرض هذه هي بمثابة طائر الكناري في منجم الفحم".
ويضيف" "قدرتنا على التنبؤ بتأثيرات تغير المناخ والحد منها قد تنخفض بشكل كبير.. إيقاف هذا النظام المبكر للإنذار يُعد احتمالًا مخيفاً"، بحسب بيكر.
وحتى الآن، لم تتم الموافقة على مقترحات الميزانية من قبل الكونغرس. ووفقاً لكيسي دريير من الجمعية الكوكبية، فقد أخبره عدد من أعضاء الحزب الجمهوري، في أحاديث خاصة مع جماعات الضغط، بأنهم مستعدون للتصويت ضد هذه التخفيضات.
لكّن دريير أعرب عن قلقه من أنّ حالة الجمود السياسي قد تؤدي إلى عدم إقرار أي ميزانية على الإطلاق، مما قد يؤدي إلى تطبيق ميزانية البيت الأبيض المُخفضة كحل مؤقت، يصعب لاحقاً التراجع عنه.
كما يرى أنّ "إيقاف المهمات الفضائية يعني عملياً القضاء عليها، إذ يصعب، إن لم يكن مستحيلاً، إعادة تشغيلها من جديد".