ابتكارات "لصناعة المستقبل" في الجامعة اللبنانية

لبنان يكتب مأثرة التكنولوجيا للمرة الرابعة عبر "المباراة الوطنية الرابعة للروبوت والذكاء الاصطناعي"، وهكذا تتحوّل أزمات الوطن إلى خوارزميات إبداع.

  • ابتكارات
    مشاريع واعدة للطلاب في المدارس والجامعات

في مشهد يُعيد تعريف معنى الصمود اللبناني، تحوّلت قاعات الجامعة اللبنانية في الفنار إلى مختبرات لصناعة المستقبل.

 "المباراة الوطنية الرابعة للروبوت والذكاء الاصطناعي" لم تكن مجرّد حدث أكاديمي، بل إعلان ثورة حقيقية: الشباب اللبناني يرفض الاستسلام، ويختار أن يُعلّم الآلات كيف تفكّر بعقولٍ عربية.

عندما يصبح الإبداع تقليداً

4 سنوات، 4 دورات، وحلم واحد يكبر مع كلّ نسخة. هذه المباراة لم تعد تجربة طارئة، بل هي تقليد سنوي يرسّخ مكانة لبنان كحاضنة للعقول المبدعة في قلب منطقة تعصف بها الصراعات. تحت شعار "إرادةٌ واقتدار، عزيمةٌ وإصرار"، جمعت عشرات المشاريع التي تروي قصصاً لا تُنسى.

من جامعة هايغازيان، سيّارة ذاتية القيادة تقول للعالم إن الطلاب اللبنانيين لا يكتفون بالنظر إلى التقنيات المستوردة، بل يصنعونها بأيديهم. وإلى جانبها، روبوت لتنقية الهواء من الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا - كأنّ الشباب يقولون: "سنُنظف هواء بلدنا حتى لو اضطررنا لصنع الحلول بأنفسنا".

وفي زاوية أخرى، طلاب ثانوية المصطفى يُحللون أعقد التقنيات بهندسة عكسية لجهاز "البيجر" تُدهش الخبراء، فيما تُقدّم مؤسسات الإمام الصدر هدية للغة العربية: نموذج ذكاء اصطناعي يقرأ الكتب ويفهم التراث ويبني معرفته باللغة الأم - الذكاء الاصطناعي ينطق بالضاد أخيراً، بينما قدّم طلاب المدرسة الكبرى اللبنانية-الفرنسية نموذجاً تسويقياً فنياً باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي. 

حماية رسمية للعقول المبدعة

افتتحت الأستاذة كارلا وهبي، ممثّلة الدكتور وسام العميل، رئيس مصلحة حماية الملكية الفكرية في وزارة الاقتصاد، المباراة بتأكيد التزام الدولة اللبنانية بحماية حقوق المبدعين الشباب. هذا التأكيد ليس مجرد بروتوكول رسمي، بل رسالة طمأنة حقيقية: إبداعاتكم محمية قانونياً، والدولة تقف حارساً أميناً على أحلامكم التقنية.

الأرقام تحكي قصة إيمان حقيقي. الدكتور أحمد دكور، مدير الجامعة الأميركية للثقافة والتعليم، لم يكتفِ بالكلمات المشجّعة، بل قدّم دعماً استثنائياً تمثّل في 22 منحة جامعية بقيمة تفوق 20 ألف دولار أميركي. ليس فقط كجوائز، بل كاستثمار في عقول ستُشكّل مستقبل المنطقة، والتزم برعاية ومؤازرة المباراة في عام 2026، ضماناً لاستمرارية هذا التقليد الإبداعي.

هذا الدعم يُترجم رؤية بعيدة المدى: نحن لا نواجه أزمة اقتصادية فحسب، بل نُعيد بناء اقتصاد المعرفة من جذوره.

من ملاحم المقاومة إلى ملاحم الإبداع

في لحظة شاعرية عميقة الدلالة، نسج الدكتور مصطفى بيرم، وزير العمل السابق، خيوطاً من نور بين ذاكرتين مضيئتين في تاريخ لبنان، فقال: "إنّ الإرادة التي حرّرت جنوبنا الحبيب في  25 أيار عام 2000، هي ذاتها الإرادة التي تُحرّر اليوم عقول شبابنا من أسر المستحيل. فالشعب الذي كتب ملحمة المقاومة بدماء أبنائه الطاهرة، يكتب اليوم ملحمة الإبداع بعرق جباههم الشريفة".

وأضاف بيرم: "من تحرير الأرض إلى تحرير العقل، من النضال بالسلاح إلى النضال بالعلم، خط مستقيم يصل بين أمس البطولة وغد الإبداع. نحن لا نصنع روبوتات فحسب، بل نصنع مستقبلاً يليق بتضحيات الشهداء وأحلام الأجيال".

شهادة أكاديمية على النهضة

البروفيسور وسيم جابر، رئيس المباراة، أكد أنّ "مستوى المشاريع يُضاهي أرقى المعايير العالمية"، مضيفاً: "أنتم جميعاً رابحون، أنتم وجه لبنان الحضاري ورافعة نهضته". كلمات لا تحمل مجاملة، بل تشخيصاً دقيقاً لواقع يُعيد تشكيل صورة الوطن.

هذه النسخة الرابعة من المباراة ليست مجرّد حدث في التقويم الأكاديمي، بل شاهد تاريخي على ولادة لبنان الرقمي. الوطن الذي أهدى البشرية الأبجدية الأولى، يُهديها اليوم لغة المستقبل: الذكاء الاصطناعي بنكهة لبنانية أصيلة.

إنها ثورة صامتة تُحدث ضجيجاً في عالم التكنولوجيا، ثورة تقول للعالم: لبنان هنا، يفكّر ويُبدع ويبتكر، ومستقبله يُكتب بأيدي أبنائه الذين يحملون الوطن في قلوبهم، والكود في عقولهم.

اخترنا لك