الذكرى السنوية لوقف إطلاق النار: دروس الأمس وتحديات الغد

هل ستحمل الأيام القادمة التزاماً كاملاً من جميع الأطراف يضمن الاستقرار، أم انهياراً كاملاً لوقف إطلاق النار وعودة إلى الميدان؟

  •  المقاومة التزمت بوقف إطلاق النار، لكن التزام الطرف الآخر ما زال قاصراً.
    المقاومة التزمت بوقف إطلاق النار، لكن التزام الطرف الآخر ما زال قاصراً.

منذ عام مضى، خمدت نيران الحرب التي أُشعلت على لبنان عام 2024. ستة وستون يوماً من القصف الكثيف والرد المستميت، انتهت بدخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، ليطوي اللبنانيون صفحة من أقسى صفحات النزوح والوجع. واليوم، ونحن نحيي هذه الذكرى، لا يمكننا تجاوز تداعيات تلك المرحلة التي كشفت عن أعمق جراح الوطن وأصدق مواقف أبنائه.

لقد شهدت مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية أكبر عملية نزوح جماعي، إذ تجاوز عدد النازحين مليوناً ومئتي ألف مواطن. تحوّلت خريطة العيش إلى مخيم كبير، انتقل فيه أهلنا إلى مناطق لبنانية أخرى، حيث استقبلهم الكثيرون بمحبة وتضامن يذكر بمعدن اللبناني الأصيل. ولكن على الجانب الآخر، ظهر وجه الجشع القبيح، فارتفعت رسوم إيجارات الشقق إلى أربعة أو خمسة أضعاف، ودخلت أسعار السلع الغذائية والأساسية سوق المضاربة حتى وصل بعضها إلى عشرة أضعاف، في مشهد قاسٍ اختلطت فيه التضحية بالجريمة الاقتصادية.

في خضم هذا الفراغ، لم يشعر المواطن الجنوبي والبقاعي وأبناء الضاحية، أو ما يُعرف ببيئة المقاومة، بغياب الدولة والحكومة، رغم ما اعتادوه من تقصيرها "وليس كما يحصل معهم اليوم إذ إنهم يشعرون بغياب كامل للحكومة". ولكن هذا التقصير كان شاهداً على بزوغ شمس أبطال حقيقيين تصدوا للأزمة على مساحة كل الوطن.

في تلك الأيام والليالي، كنا ننتظر بفارغ الصبر أخبار بطولات رجال الدفاع المدني في كشافة الرسالة الإسلامية، الذين أقسموا أن لا يتركوا الميدان حتى يضع العدوان أوزاره. هؤلاء الأبطال، جنباً إلى جنب مع إخوتهم في حركة أمل والجمعيات الوطنية الأخرى، كانوا خط الدفاع الأول في عمق التدمير. في مواجهة أنباء تدمير الأبنية المستمر والخرائط التي يرسلها الناطق باسم العدو لإخلاء منازل ليتم محوها لاحقاً عن الخريطة، لم يتراجع هؤلاء عن خدمة أهلهم، بل كانوا مثالاً للتصدي المدني والتلاحم على أرض الواقع. هم حقاً أبناء الإمام موسى الصدر والزعيم الوطني الكبير الرئيس نبيه بري، الذين ترجموا قوله في أقسى الظروف.

أما رجال الله في الميدان، فقد أثبتوا أن شدة المعارك وقوة النار لا يمكنهما أن تكسرا إرادة المدافع عن حقه. العدو تفوق بالإمكانات والتكنولوجيا، لكنه لم ولن يتفوق بروح الدفاع عن الحق. فلبنان أرض يملكها مواطنوها، وهم من يدافعون عن أرضهم، وهم أصحاب الحق مهما كثرت التحليلات والافتراضات ومهما كانت النتائج مدمرة لبنية تحتية أو أبنية ومنازل.

في خضم هذا العصف، لا يمكننا أن ننسى الدور التاريخي الذي لعبه دولة الرئيس نبيه بري. كزعيم وطني تجاوز الحسابات الضيقة، خاض مفاوضات مع العالم باسم مواطنيه، نجح من خلالها في الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار المكوّن من ثلاثة عشر بنداً يمكن لجميع المواطنين الاطلاع عليها. لقد شكل دوره في تلك المرحلة بند ثقة وطنياً، إذ استطاع أن يوقف حرباً كبرى بجهد دبلوماسي موازٍ لجهد المقاومة في الميدان.

بعد مرور عام، يمكننا القول إن المقاومة التزمت بوقف إطلاق النار، لكن التزام الطرف الآخر ما زال قاصراً. إذ إن كيان الاحتلال لم يلتزم بنص الاتفاق ولا بسنده الدولي الأساسي، وهو القرار 1701. والسؤال الذي يبقى اليوم برسم المجتمع الدولي والأيام القادمة:

هل ستحمل الأيام القادمة التزاماً كاملاً من جميع الأطراف يضمن الاستقرار، أم انهياراً كاملاً لوقف إطلاق النار وعودة إلى الميدان؟