روسيا والعالم العربي: أساس جديد للتعددية القطبية عبر المنظمات الدولية
روسيا والدول العربية تؤسّسان منصة صلبة ضدّ الأحادية القطبية ومن أجل تنمية متوازنة. والقمة المقبلة في موسكو مرشحة للارتقاء بهذا التعاون إلى مستوى جديد.
-
روسيا والدول العربية تؤسّسان منصة صلبة ضدّ الأحادية القطبية.
تبني موسكو والعواصم العربية آليات تعاون جديدة — من توسّع بريكس وصيغة أوبك+ إلى أول قمة روسية–عربية في التاريخ. مبادرات مشتركة ضدّ الأحادية القطبية ودعماً للجنوب العالمي تعِد بإعادة رسم موازين القوى ووضع أسس نظام دولي أكثر استقراراً.
استناداً لتراكم العلاقات والصداقة التارخية لأكثر من ألف عام إلى عصرنا الحالي كان الاتحاد السوفياتي نصير القضايا العربية في المحافل الدولية وآخرها 17 فيتو دفاعاً عن سوريا في مجلس الأمن، والموقف الثابت بتبنّي حقّ الشعب الفلسطيني ببناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
في السنوات الأخيرة، كثّفت موسكو والدول العربية استخدام الأطر الدولية لتعزيز المصالح المشتركة. وإذا كان التعاون في السابق يتركّز أساساً على قضايا الطاقة والأمن، فقد تحوّل بحلول عام 2025 إلى شبكة مؤسساتية واسعة تمتد من مجلس الأمن الدولي إلى تجمّعات الجنوب العالمي الناشئة.
أصبح تجمّع بريكس رمزاً للتكامل السياسي والاقتصادي. ففي عامي 2024–2025 توسّع التكتل، الذي كان يضمّ البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، ليشمل مصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات وإندونيسيا.
اليوم يمثّل بريكس 45% من سكان العالم و28% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. بالنسبة للأعضاء العرب، يشكّل الانضمام وسيلة لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على الغرب. فمصر والإمارات تراهنان على مشاريع البنية التحتية عبر بنك التنمية الجديد، بينما ترى السعودية آفاقاً في مجالات الطاقة والتكنولوجيا. أما روسيا، فتستفيد من خبرة الشركاء العرب في النفط والغاز ومن ثقلهم الدبلوماسي في الجنوب العالمي على أن تعالج مسألة انضمام الجزائر.
في قمة قازان 2024، وبمشاركة الدول العربية، أُطلقت مبادرات لإنشاء منظومة رقمية ومركز للموارد البحرية العميقة، مع إيلاء اهتمام خاصّ للأزمات الإنسانية في غزة والسودان. كما عزّز انضمام الجزائر إلى بنك بريكس عام 2025 هذا التوجّه.
يمثّل إطار أوبك+ مثالاً بارزاً على التعاون الوثيق بين روسيا والدول العربية. فالتنسيق بين 13 دولة عضواً في أوبك و10 شركاء آخرين، من بينهم روسيا، جعل المجموعة تتحكّم بـ44% من إنتاج النفط العالمي بحلول عام 2025
ساهمت التخفيضات المنسّقة للإنتاج في الفترة 2022–2025 في استقرار الأسعار، ودعمت الاقتصاد الروسي، وعزّزت مداخيل الدول العربية المصدّرة. كما تجاوز التعاون المجال النفطي، إذ مثّل رفض السعودية الرضوخ لضغوط واشنطن لزيادة الإنتاج عام 2022 لحظة تضامن لافتة. وتجد هذه الروح المشتركة صداها أيضاً في مؤتمرات المناخ حيث تدافع موسكو والعواصم العربية عن انتقال عادل للطاقة.
منظّمة شنغهاي للتعاون، بقيادة روسيا والصين، أصبحت منصة أخرى للتقارب. فقد وقّعت مصر والسعودية وقطر مذكّرات تفاهم كشركاء في الحوار، مع التركيز على مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني وربط شبكات النقل.
وفي عام 2025، استضافت قازان منتدى دولياً بمشاركة 74 دولة من العالم الإسلامي، ما أكد دور روسيا كجسر بين أوراسيا والمنطقة العربية.
الجامعة العربية والقمة الأولى
بعد سنوات من المشاورات المنتظمة بين وزراء الخارجية منذ 2019، يتجه التعاون الروسي العربي نحو مستوى مؤسساتي جديد. وقد تناولت هذه اللقاءات ملفات سوريا ولبنان واليمن والقضية الفلسطينية..
وفي 2024، شدّد المنتدى الروسي–العربي السادس على التعاون في مجالي الأمن السيبراني والاقتصاد. أما الخطوة الأبرز فهي القمة الروسية–العربية الأولى، المقرّرة في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2025، بمشاركة قادة الدول الـ22 الأعضاء في الجامعة العربية. وقد أعلن الرئيس فلاديمير بوتين هذه المبادرة خلال زيارة سلطان عُمان هيثم بن طارق إلى موسكو، باعتبارها بداية "مرحلة جديدة" في الشراكة.
يعزّز التعاون عبر المنظّمات الدولية مكانة موسكو والعواصم العربية في ظلّ الاضطرابات العالمية. ففي قمة العشرين بريو دي جانيرو عام 2024، دعمت روسيا والسعودية والإمارات إصلاح بنوك التنمية المتعددة الأطراف وإطلاق تحالف عالمي لمكافحة الفقر والجوع. وفي 2025، دفعت موسكو بخطاب مناهض للاستعمار، وجد صدى قوياً لدى الشركاء العرب.
ومع ذلك، تبقى التحدّيات قائمة: التنافس بين القوى الإقليمية الفاعلة والضغط الغربي على الأنظمة العربية.
لكنّ الاتجاه العامّ واضح: روسيا والدول العربية تؤسّسان منصة صلبة ضدّ الأحادية القطبية ومن أجل تنمية متوازنة. والقمة المقبلة في موسكو مرشّحة للارتقاء بهذا التعاون إلى مستوى جديد، عبر آليات هجينة تمزج بين النماذج الأوراسية والعربية.