ناصر اللحام كما عرفته: قامة إعلامية لا تُهادن الاحتلال
لن يكسر الاعتقال إرادة ناصر اللحام، ولن تُسكت الزنازين صوته. بل ستزيده هذه المحنة صلابة وشموخاً، وسترفعه مكانة في وجدان شعبه، كأيقونة إعلامية صادقة الكلمة.
-
ناصر اللحام من الإعلاميين القلائل الذين نجحوا في التوفيق بين الفكر والمهنية.
تعرفت إلى الدكتور ناصر اللحام بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006، حيث استضافني في أحد البرامج عبر شاشة قناة "فلسطين".
منذ اللحظة الأولى، شعرت أنني أمام صحفي من طراز مختلف؛ مثقف بعمق، متزن في طرحه، لا تحكمه الحسابات الفئوية أو الحزبية، بل ينطلق من رؤية وطنية شاملة، تُعلي من شأن الكلمة وتُحسن قراءة المشهد بتعقيداته وتشابكاته.
توطدت علاقتي به بعد ذلك، وبدأت أرسل إليه مقالاتي الأسبوعية التي تعبّر عن رؤيتي كإسلامي محسوب على حركة حماس، وكانت هذه المقالات تجد طريقها إلى النشر على منصة وكالة "معاً" الإخبارية، من دون أي تحفظ أو تدخل. لم يرفض لي مقالاً قط، بل ظلّ على الدوام مؤمناً بأهمية إتاحة الرأي الآخر، وبأن تنوّع الأصوات هو ما يمنح الإعلام صدقيته ورصانته.
وفوق ذلك، كانت قناة "معاً" تفتح فضاءها الإعلامي لإجراء مقابلات معي من حين إلى آخر، في وقتٍ كانت هذه القناة تُعدّ محلية بامتياز، لا تكاد تُقارن بحضور قنوات عملاقة أخرى. لكن الحقيقة أن الحضور الإعلامي الطاغي للدكتور ناصر اللحام، ووعيه العميق بالسياسة الإسرائيلية وبالصحافة العبرية، هو ما منح القناة بعداً أوسع، وجعلها تحظى بمتابعة تتجاوز الطابع المحلي والرسمي.
كان د. ناصر اللحام، وما يزال، من الإعلاميين القلائل الذين نجحوا في التوفيق بين الفكر والمهنية، بين الصدق والانفتاح، وبين التزامه بقضية وطنه وانفتاحه على مختلف تياراته الدينية والسياسية. ولهذا، لم يكن مستغرباً أن تلفت تجربته الأنظار، فكان التعاقد مع فضائية "الميادين" خطوة طبيعية لرجل يملك القدرة على تقديم قراءة تحليلية معمقة لمشهد الصراع السياسي والديني في "إسرائيل"، ويعرف جيداً كيف يلتقط الثغرات ويكشف زيف الادعاءات.
ولعلّ هذا ما أثار غضب المؤسسة الإسرائيلية، فكان استهدافه المتكرر في الإعلام العبري، ثم اعتقاله الأخير من منزله في بلدة الدوحة قضاء بيت لحم، من دون تهمة واضحة، سوى كونه صحفياً حرّاً، يفضح إرهاب الاحتلال وجرائم المستوطنين، ويقف شاهداً صادقاً على مذبحة مستمرة بحق شعبه في غزة والضفة.
ورغم أن "إسرائيل" لطالما تغنت بديمقراطيتها وحرية الصحافة، فإن اعتقال د. ناصر اللحام – كما مئات الصحفيين الذين اغتيلوا أو أُسروا خلال العدوان على غزة – يفضح زيف هذه الادعاءات، ويكشف الوجه القبيح لـ"دولة" تسعى بكل ما تملك من أدوات البطش والتضليل لتغييب الصورة والكلمة، وإسكات الصوت الفلسطيني الذي يروي الحقيقة للعالم.
في هذا السياق، يبرز الدور الحيوي للمؤسسات الدولية المعنية بحرية الصحافة، مثل "مراسلون بلا حدود" (RSF)، و"لجنة حماية الصحفيين" (CPJ)، وArticle 19، و"الاتحاد الدولي للصحفيين" (IFJ).
هذه الجهات، التي طالما وقفت ضد القمع والتكميم في أماكن عدة من العالم، مطالَبة اليوم بتحمّل مسؤوليتها الأخلاقية والمهنية تجاه الصحفيين الفلسطينيين، وفي مقدمتهم د. ناصر اللحام. اعتقاله لا يستهدفه كشخص، بل يمثل عدواناً على حرية التعبير والرأي، وعلى صورة فلسطين التي تفتش عن حقها في أن تُروى للعالم بألسنة أبنائها، لا بأبواق الاحتلال.
ختاماً… لن يكسر الاعتقال إرادة د. ناصر اللحام، ولن تُسكت الزنازين صوته. بل ستزيده هذه المحنة صلابة وشموخاً، وسترفعه مكانة في وجدان شعبه، كأيقونة إعلامية صادقة الكلمة، ثابتة على الحق، لا تخشى في وطنيتها لومة لائم.
الحرية للإعلامي الفلسطيني د. ناصر اللحام.