"أشرف الناس" في ضيافة "السيّد"، الأحبة في حضرة "الحبيب"

منذ ساعات الصباح الباكر، بدأت قوافل المحبين و"عشّاق السيّد"، تتدفّق إلى المرقد على طريق المطار، حيث تُمنّي النفس بحجز مقعد إلى جانب ضريح "الحبيب" أو في حضرته، يقول أحد الزائرين.

  • لم يكن يوم السابع والعشرين من شهر أيلول يوماً عادياً عند جمهور وبيئة المقاومة (أرشيف).
    لم يكن يوم السابع والعشرين من شهر أيلول يوماً عادياً عند جمهور وبيئة المقاومة (أرشيف).

لم يكن يوم السابع والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر 2025، يوماً عادياً عند جمهور وبيئة المقاومة. ففي هذا اليوم، تصادف الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد الأمينين العامّين السابقين لحزب الله، السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين. وعليه، كلّ ما سبق هذا اليوم من تاريخ الاستشهاد وحتى هذا التاريخ، من محطات وأحداث استثنائية، تستحضره الذاكرة على شكل صور وكلمات ومواقف، وبطرق متنوّعة ومتعدّدة، وكلّها تؤدّي إلى ما مفاده، أنّ القائد الملهم، الغائب بجسده، حاضر في قلوب ووجدان ووعي هذا الجيل أكثر من أيّ وقت مضى.

منذ ساعات الصباح الباكر، بدأت قوافل المحبين و"عشّاق السيّد"، تتدفّق إلى المرقد على طريق المطار، حيث تُمنّي النفس بحجز مقعد إلى جانب ضريح "الحبيب" أو في حضرته، يقول أحد الزائرين.

البوابة الرئيسية مقفلة لأسباب مرتبطة بالاستعدادات لإحياء المناسبة الاستثنائية، والتي ستبدأ عند الرابعة والنصف بعد الظهر، وموعد فتح الباب الرئيسي عند الثانية ظهراً، هكذا يوضح أحد أفراد اللجنة المنظّمة.

يُطلّ "معاليه" مع اثنين من مرافقيه، يريد أن يقرأ الفاتحة قبل أن يذهب إلى الوزارة، تُفتح له البوابة فيكون له ما أراد. وبعدها تأتي العائلة التي تريد أن تلقي نظرة على الضريح قبل موعد الذهاب إلى المطار، فتُمنح الاستثناء أيضاً. وفي هذه الأثناء، تتزايد الوفود المزدحمة عند الباب الرئيسي، فيأتي الإذن بالدخول على دفعات، على قاعدة الدخول المؤقت، إفساحاً في المجال أمام الجميع ومنعاً للازدحام. ولكن، من الذي ستساعده قدماه على مغادرة الضريح والعودة إلى الخارج؟!

وما هي إلا دقائق، حتى امتلأت الباحة الداخلية ـــــ حول الضريح ـــــ بالزوّار والضيوف. ومن بعيد، بدأت تُسمع شعارات بأصوات مرتفعة، وما هي إلا ثوانٍ، حتى يطلّ وفد من تجمّع الشهيد القائد أبو مهدي المهندس، يضمّ شباناً وشيوخ عشائر وقبائل من العراق، تتقدّمهم صورة للسيّد، يهتفون بهتافات مؤيّدة للمقاومة وقائدها الشهيد، ومندّدة بأميركا و"إسرائيل"، ثم يُتلى بيان باسم الوفد يستذكر فيه مآثر السيد وإنجازاته، ويؤكّدون فيه دعم المقاومة في لبنان في وجه أعدائها.

ومع اقتراب الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر، كانت جميع التحضيرات قد اكتملت؛ وصول الحضور الرسمي والشعبي، الساحات والأماكن المخصّصة لمحبّي السيّد وجمهور المقاومة امتلأت عن بكرة أبيها بالمحبّين، ولا سيما إلى جوار الضريح، حيث تمّ تخصيص المكان لعوائل الشهداء والجرحى الذين أُعدّ لهم استقبال يليق بهم من قبل لجنة خاصة.

وقبل هذه اللحظات، وخلالها، وبعدها، وفي كلّ مرة كان يسمع فيها صوت السيّد عبر مكبّرات الصوت، كانت مشاعر العزّ والفخر بالقائد الغائب الحاضر، تمتزج بمشاعر الشوق والحنين والفقد، فتارة ترتفع القبضات مع صيحات "لبيك يا نصر الله"، وأخرى تنهمر الدموع حباً وشوقاً وحنيناً.

الانتقال سيراً على الأقدام، كان أسرع الطرق للوصول الى مكان الحادثة الجلل في حارة حريك، ولكنه لم يكن بالأمر السهل كما هو المتوقّع، حيث الطرقات ما بين المكانين تغصّ بالحشود والوفود.

أمّا الحديث عن المضائف (ولا سيّما العراقية والايرانية منها، فضلاً عن اللبنانية) فقصة أخرى؛ كرم الضيافة، الاندفاع والحماس، بلغ حدّ رجاء المارّة أن يتناولوا ولو قطرة ماء (عن روح السيّد)، الكلّ في خدمة زوّار المرقد، كباراً، صغاراً، ورجال دين...

.... وفي مكان الاستشهاد، ومع اقتراب الوقت من الساعة السادسة والدقيقة الواحدة والعشرين، وما إن أنهى الأمين العامّ لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم كلمته التي كانت تُبثّ عبر مكبّرات الصوت، حتى ارتفعت القبضات والصيحات والهتافات باسم "السيّد"، وشعار "إنّا على العهد يا نصر الله"، وعادت الصور في الأذهان إلى التوقيت ذاته من العام السابق، كلّ على طريقته، لتستحضر معها، صدمة ومشاعر تلك اللحظات الصعبة والمؤلمة.

ذهول، صمت، تأمّل، نظرات إلى مكان الحدث الجلل، وعيون امتلأت بالدموع، وأشياء أخرى يصعب وصفها بكلمات محدودة... إنها لحظة العروج، كأنّها الآن!