"يوم القدس" على درب السيد نصر الله: غياب قائد المقاومة وحضور الرسالة

من خلال الاحتفال بيوم القدس، يجب على الشعوب أن تظل حاملة للواء المقاومة، متذكّرة أن الجهاد الأكبر ليس فقط في ساحات القتال، بل في الحفاظ على قضية القدس كقضية محورية في كل قلب عربي وإسلامي.

  • يوم القدس العالمي (أرشيف).
    يوم القدس العالمي (أرشيف).

في ظلّ استشهاد السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، الذي لطالما كان الصوت المدوّي في وجه الاحتلال الإسرائيلي، يمثّل "يوم القدس" لهذا العام لحظة فارقة في تاريخ المقاومة وحركة التحرير الفلسطينية. "يوم القدس"، الذي يتمّ الاحتفال به سنوياً في آخر يوم جمعة من شهر رمضان، يعدّ من أبرز المحطات التي تُكرّس فيها الأمة الإسلامية والعربية دعماً للمقدّسات الفلسطينية وعلى رأسها القدس الشريف، وللشعب الفلسطيني في نضاله المستمر ضدّ الاحتلال الإسرائيلي.

 ولكن مع غياب السيد نصر الله هذا العام، تتخذ المناسبة بعداً جديداً يعكس التحدّي المستمر في مواجهة الاحتلال وتمسّك الأمة برسالة المقاومة.

السيد حسن نصر الله، الذي لطالما كان رمزاً للمقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، غيابه في هذا اليوم لا يعني سوى أن المقاومة مستمرة وأن رسالته لا تموت، بل إنها تتجدّد في كل لحظة وفي كل زاوية من زوايا فلسطين والشرق الأوسط. منذ اللحظة الأولى لاستشهاد السيد نصر الله، كانت الأعين تتجه نحو "يوم القدس" هذا العام بقلوب مثقلة، ولكن مع يقين راسخ أنّ رسالته باقية وأنّ درب المقاومة سيستمر. ومع أنّ غيابه كان حدثاً مؤلماً، إلا أن الكلمات التي تركها والرسائل التي حملتها مقاومته ما زالت حية في قلوب العرب والمسلمين في كل مكان.

كان السيد نصر الله دائماً في طليعة المدافعين عن قضية القدس، وكان في كل مناسبة يرسل رسائل تحفيزية وشجاعة للشعوب العربية والإسلامية لتوحيد صفوفهم ودعم حقوق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال. في خطاباته العديدة، كان يؤكد أن القدس ليست مجرد مدينة، بل هي القضية التي تجمع الأمة الإسلامية بأسرها، وأن تحريرها هو مسؤولية مشتركة لا تتحقّق إلا بوحدة الشعوب والأنظمة، وأن الطريق إلى القدس يمرّ عبر التضحية والجهاد. في هذا السياق، أصبح خطاب السيد نصر الله أحد الدعائم الرئيسية في تجديد الأمل لدى الفلسطينيين والعرب في حرية القدس والضفة الغربية.

غالباً ما كانت كلماته تصل إلى شريحة واسعة من الأمة العربية والإسلامية، حيث كان ينادي بالوحدة العربية لمواجهة التحديات الكبرى. لم يكن حديثه مجرد كلمات، بل كان فعلاً يؤمن به ويطبّق مبادئه في ساحة المعركة. فقد استطاع عبر خطاباته الحماسية أن يزرع الأمل في نفوس الملايين، ويشعل جذوة المقاومة في قلوب أبناء الأمة. غيابه، رغم حزنه، لم يكن ليؤثّر في سير المسيرة، بل أصبح دافعاً للتمسّك بالقيم والمبادئ التي طالما نادى بها.

اليوم، وفي ظلّ غياب السيد نصر الله، يمكن القول إن "يوم القدس" لا يزال يحمل الرسالة نفسها التي كان يبثّها في كلّ خطاباته ولقاءاته. ورغم أنّ جسده غاب عنا، فإنّ فلسفته في مقاومة الظلم والاحتلال وحماية المقدّسات قد رسخت في وجدان الأمة الإسلامية. في هذا اليوم، تتجدّد العزيمة في قلوب المقاومين ويزداد الأمل في تحرير القدس وكل الأراضي الفلسطينية. فحتى وإن غاب القائد، تظل المقاومة نبراساً يتوارثه الأجيال.

"يوم القدس" ليس مجرّد ذكرى، بل هو دعوة للاتحاد والنضال، للوقوف في وجه الظلم ومقاومة الاحتلال الذي يسعى لطمس الهوية الفلسطينية. في هذا اليوم، لا تقتصر الدعوات على ذكرى القدس فحسب، بل تصبح دعوة قوية لتأكيد أنّ فلسطين هي قضية العرب والمسلمين الأولى، وأنّ تحريرها يحتاج إلى دعم مستمر من الشعوب كافة في كلّ الأوقات. ومن خلال هذه المناسبة، يجدّد الملايين من أبناء الأمة الإسلامية ولاءهم لقضية القدس ويدعمون نضال الشعب الفلسطيني في معركته ضد الاحتلال الإسرائيلي.

في ظل هذا الغياب، تبرز الحاجة إلى تكريم السيد نصر الله عبر الأفعال وليس الأقوال فقط. فكما كان هو دوماً حريصاً على توجيه البوصلة نحو فلسطين، يجب أن تظل فلسطين في قلوبنا وعقولنا. وفي هذا اليوم، يجب على الأمة العربية والإسلامية أن تظلّ متحدة في دعم قضية القدس وتحرير فلسطين، وأن تواصل دعمها للمقاومة في جميع أشكالها، من داخل الأراضي الفلسطينية أو عبر دعم حركات المقاومة في الخارج.

من خلال الاحتفال بيوم القدس، يجب على الشعوب أن تظل حاملة للواء المقاومة، متذكّرة أن الجهاد الأكبر ليس فقط في ساحات القتال، بل في الحفاظ على قضية القدس كقضية محورية في كل قلب عربي وإسلامي. كما يجب على القيادات السياسية والروحية في المنطقة أن تستحضر رسالة السيد نصر الله في دعم القضية الفلسطينية وتأكيد ضرورة تحرير القدس بكلّ الوسائل المتاحة. فالتحدّي اليوم أمام الأمة يتمثّل في اتخاذ مواقف صادقة ومؤثّرة على أرض الواقع، من خلال دعم المواقف السياسية المناصرة للحقوق الفلسطينية، والمساهمة في تقديم الدعم العسكري والإنساني للشعب الفلسطيني.

لا يمكن أن نغفل عن حضور الرسالة التي تركها السيد نصر الله والتي لا تزال حيّة في كلمات المقاومين وأفعالهم. إنّ غيابه لا يعني انطفاء نور المقاومة، بل على العكس، هو دعوة للمضي قدماً في الطريق نفسه الذي رسمه بصوته وبسالته. وعلى الأمة اليوم أن تحمل شعلة المقاومة وتواصل الضغط على الاحتلال الإسرائيلي، لأنّ هذه هي الطريقة الوحيدة لتكريم السيد نصر الله. يجب على الأمة أن تواصل العمل والتخطيط على جميع الأصعدة لتحرير فلسطين وإعادة القدس إلى أحضان الأمة الإسلامية.

لقد كان السيد نصر الله عنواناً للوحدة العربية والإسلامية في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وكان دائماً يردّد أنّ معركة القدس هي معركة الأمة بأسرها. هذا "اليوم" هو اختبار لكلّ واحد منا لكي يثبت التزامه بالقضية الفلسطينية ويسعى بجدية إلى جعل القدس عاصمة حرّة للمستقبل. التزامنا اليوم يجب أن يكون بوحدة الصفوف وتعزيز التعاون بين الحركات المقاومة وكلّ فئات المجتمع العربي والإسلامي من أجل قضية القدس، وهو ما كان السيد نصر الله يؤكّده دائماً.

رغم غياب السيد نصر الله، إلا أنّ "يوم القدس" يبقى موعداً سنوياً يجسّد إصرار الأمة على الوقوف إلى جانب القدس وفلسطين. إن الرسالة التي تركها السيد نصر الله تتطلّب منا جميعاً أن نواصل الطريق الذي بدأه وأن نضع قضية القدس على رأس أولوياتنا. لن يكون غياب شخصية واحدة حاجزاً أمام استمرار نضال الأمة، بل هو دعوة لتجديد العهد والالتزام بالمقاومة ضدّ الاحتلال في كلّ زمان ومكان.