الحرب الإيرانية الإسرائيلية... ضغط نفسي وإعلامي أم واقع محتوم؟
تستند إيران في طاولة المحادثات إلى الردع كأداة تفاوض، فالجاهزية العسكرية والتهديد بالردّ الحازم، يذكّر واشنطن وحلفاءها بأنّ البديل عن التفاوض ليس بالضرورة "صفقة أفضل" لـ "إسرائيل".
-
تستند إيران في طاولة المحادثات إلى الردع كأداة تفاوض (أرشيف).
يتواصل الخطاب الإعلامي الممزوج بالتسريبات المكثّفة والتحليلات العسكرية من وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية، ومعه تتصاعد نبرة التهديدات الإسرائيلية بشنّ هجوم عسكري ضدّ المنشآت النووية الإيرانية، مشهد يدفع للتوقّف عند خلفيّاته وأهدافه متعدّدة الأوجه:
الهدف الأول:
حرب نفسية على الشعب الإيراني ونخبته السياسية
الهدف الثاني:
حرب إعلامية على الرأي العامّ العالمي
الهدف الثالث:
حرب دبلوماسية على صنّاع القرار في واشنطن وحلفائها.
"التاريخ يعيد نفسه"
من يراجع التاريخ الإيراني المعاصر سيقرأ هذه التهديدات المتواصلة بنحو صحيح ويضع الأمور في نطاقها من دون تهويل أو تقليل من شأنها، فالحرب النفسية هذه ليست جديدة، وإيران تخطّت سابقاتها، وهي اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، مستعدّة لردّ مدوٍ وحاسم في حال وقوع أيّ عدوان بحسب ما يعلنه قادتها السياسيون والعسكريون باستمرار.
فهذه ليست المرة الأولى التي ترفع فيها "إسرائيل" سقف التهديدات العسكرية ضدّ البرنامج النووي الإيراني،فالعقد الماضي شهد أيضاً موجات متكرّرة من التصريحات المتوعّدة، والتسريبات عن خطط هجومية، وتمارين عسكرية تحاكي سيناريوهات الحرب، والآن تعيد "تل أبيب" المسار نفسه عبر سياسة الضغوط بهدف إثارة الخوف داخل إيران لدفعها إلى التراجع أو تقديم تنازلات، كما أنها وعبر هذا الضخّ الإعلامي المتواصل منذ بدء المحادثات النووية غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة تحاول "إسرائيل" ترسيخ ما يسمّى "إيران فوبيا"، وتثبيت رؤيتها عالمياً حول ما تدّعيه عن "الخطر الوجودي للبرنامج النووي الإيراني"،وبذلك هي تبرّر مسبقاً سياساتها العدائية تجاه طهران، وتعطي نفسها الحقّ والإذن في تنفيذ أيّ عمل عدائي مستقبلي ضدّ إيران.
"تهديد يقابله تهديد"
استمرار أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بتكرار سيناريو "ضرب إيران" يهدف بشكل لا ريب فيه إلى بثّ الهلع وتضخيم "قدرة إسرائيل" العسكرية وقدرتها على شنّ ضربات "خاطفة" و"ناجحة" في إيران حتى من دون التنسيق مع واشنطن، وبالتالي زرع الشكوك حول قدرة إيران على حماية منشآتها النووية أمام "الجيش" الإسرائيلي، إلّا أنّ للإيرانيين كلاماً مختلفاً تماماً، فبعد نحو خمسة عقود من التجربة والصمود نجحت إيران في تجاوز ذروات التهديد الإسرائيلية والأميركية وانتقلت من مرحلة الدفاع إلى الهجوم الدفاعي الرادع، فطهران أدركت أنّ الردع الفعّال لا يكمن فقط في الدفاع، بل في القدرة على الردّ بثمن باهظ ومؤلم.
فالقيادة الإيرانية وعلى رأسها حرس الثورة أعلنت بشكل متكرّر وصريح عن استعدادها الكامل للردّ "الساحق" و"المدمّر" على أيّ عدوان إسرائيلي أو أميركي، وهذه ليست مجرّد خطابات إعلامية، فهي تستند إلى قدرات ملموسة تمّ اختبار أجزاء منها، فإيران استطاعت بناء ترسانة صاروخية باليستية دقيقة تمكّنها من ضرب "إسرائيل" والقواعد الأميركية الحيوية في المنطقة، ومصالحها، وهذا ما أثبتته عملياً عبر ضرب قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق بعد اغتيال الشهيد قاسم سليماني، وعمليتي الوعد الصادق واحد واثنين اللتين استهدفت بهما العمق الإسرائيلي بنجاح وفشل الدفاعات الأميركية والإسرائيلية في منع الهجوم.
"مناعة نفسيّة"
في دوائر الإعلام والسياسة الإيرانية تشكّلت لدى المسؤولين الإيرانيين ما يمكن وصفها "بالمناعة النفسية" فبعد عقود من العقوبات والحرب النفسية والتهديدات، طوّر ت إيران درجة عالية من المناعة ضد الضغوط، فهم يرون التهديدات الإسرائيلية المتكرّرة جزءاً من محاولة مستمرة لزعزعة الاستقرار وليس بالضرورة مقدّمة لهجوم حقيقي، خاصة في ظلّ التكلفة الباهظة التي يدركها جيداً مسؤولو الإدارة الأميركية و"إسرائيل".
"سياسة الضغوط وتأثيرها على المفاوضات"
تدرك طهران أنّ الضغط الإسرائيلي العسكري والإعلامي، يهدف إلى دفعها لموقف أضعف على طاولة المفاوضات الحالية مع واشنطن برعاية عمانية، فالهدف هو إجبارها على تقديم تنازلات أكبر في برنامجها النووي ( كتجميد التخصيب أو التخلّي عنه نهائياً) مقابل رفع العقوبات، إلّا أنّ القيادة الإيرانية ترفض إطلاقاً مبدأ التنازل عن حقوقها المشروعة، ومن هذا المنطلق تؤكّد طهران أنها ثابتة على موقفها المبدئي في عدم التخلّي عن حقّها في تخصيب اليورانيوم أو فتح المجال لإدخال قضايا أخرى إلى المحادثات.
تستند إيران في طاولة المحادثات إلى الردع كأداة تفاوض، فالجاهزية العسكرية والتهديد بالردّ الحازم، يذكّر واشنطن وحلفاءها بأنّ البديل عن التفاوض ليس بالضرورة "صفقة أفضل" لـ "إسرائيل"، بل قد يكون حرباً إقليمية مدمّرة تكلّف الولايات المتحدة وحلفاءها غالياً، بمعنى آخر، "الردع يحمي طاولة المفاوضات الإيرانية".