القضية الفلسطينية وسيناريو التصفية.. هل تشكّل بعض الأصوات بداية ليّ ذراع حماس؟
من الصعوبة طرح فكرة استسلام حماس كعامل أساسي لوقف الحرب ذلك أن الحركة أثبتت أن قدراتها القتالية لم تصل لمستوى التهالك والمحدودية وأن مستوى القتال المعنوي والمادي ما زال في معدلات جيدة.
-
قطاع غزة الذي دمّره الاحتلال (أرشيف).
في مشهدٍ لم يكن عادياً ولم تتناقل مثله وسائل الإعلام من قبل، كان لافتاً الأصوات الشعبية من بيت لاهيا ضد حركة حماس، التي أطلقها العشرات من أبناء القطاع مطالبين بخروج الحركة.
هنا يتداخل المشهد كثيراً وتتشابك فيه جملة من العوامل والظروف والحيثيات أقلّها ما بات يشعر به الشعب الغزاوي الذي تعرّض لصنوف واسعة من التدمير والقتل الممنهج فاق توصيف الإبادة الجماعية على مدى خمسة عشر شهراً وبات الطلب الأوحد للجمهور بكليته وغالبيته هو وقف الحرب ودخول المساعدات الإنسانية ناهيك عن غياب تام للإرادة العربية الفاعلة وكذلك الإرادة الدولية في الضغط على الإسرائيلي خلال شهور الحرب.
كان لافتاً منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار والبدء بتطبيق المرحلة الأولى، التفاف القاعدة الشعبية بنسبة كبيرة حول الفصائل الفلسطينية وتكريس صورة الدعم والاحتضان والتفاعل الشعبي مع الفصائل كافة وتحديداً حماس، لكنّ تجدّد الحرب والغارات الإسرائيلية على القطاع كان ربما العامل الأساس في قتل الأمل لدى القاعدة الشعبية في غزة التي استبشرت خيراً من الاتفاق في إنهاء معاناتها التي تفوق الوصف، فكان التظاهر وإطلاق الهتافات سبيلاً وردة فعل طبيعية عند البعض الذي سئم مشاهد القتل والخراب وانعدام الحياة.
الأميركي وتجدّد الحرب
تجدّد الغارات والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يأتي في سياق نقطتين رئيستين:
- تخريب قنوات الاتصال السياسي بين الولايات المتحدة وحماس المرتبط أساساً بخطاب سياسي أميركي لا يوغل فيه ترامب في الحدة والشدة الذي سمعه زيلنسكي ولم يسمع مثله نتنياهو على قاعدة "أنت ديكتاتور ودمّرت شعبك".
- خلط الأوراق في محاولة لإثبات الذات الإسرائيلية التي جلدتها تقارير استخباراتية إسرائيلية وحمّلت نتنياهو مسؤولية الفشل السياسي والميداني بعد 7 أكتوبر .
الموقف العربي والفجوة الكبيرة مع حماس والإسرائيلي
شكّل موقف قمة فلسطين التي انعقدت في مصر محطة لإبراز موقف عربي ضد التهجير ولدعم إعادة الإعمار مع التشديد على سلطة إدارية تقنية تدير القطاع تعمل تحت إشراف السلطة الفلسطينية، ما يعني بالضرورة تصادماً أوله مع حركة حماس والفصائل التي قاتلت وصمدت خلال شهور الحرب ثم وجدت نفسها خارج إطار السلطة التي ستدير القطاع، وكذلك تصادماً مع الإسرائيلي نفسه الذي طرح وزير حربه كاتس سيناريو وضع القطاع بعد إخلائه تحت سلطة تتبع لوزارة الحرب الإسرائيلية.
هنا قد تكون المبادرة الفلسطينية التي طرحتها القاهرة ووافقت عليها حماس بإطلاق دفعة من الرهائن مقابل البدء بالمرحلة الثانية من الاتفاق ، ربما محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من انهيار دائم للاتفاق برمّته .
استسلام حماس هو الحلّ؟
من الصعوبة بمكان طرح فكرة استسلام حماس كعامل أساسي لوقف الحرب وذلك أن الحركة وفي التحليل الميداني أثبتت أن قدراتها القتالية لم تصل إلى مستوى التهالك والمحدودية وأن مستوى القتال المعنوي والمادي ما زال في معدلات جيدة، ولا سيما أن الحركة موجودة بعد كل شهور الحرب، وقد فتح معها ترامب قنوات اتصال سياسي ما يدلل على قوة الحركة، فواشنطن وتحديداً ترامب لا يمكن أن يفاوض الضعيف.
وثانياً في العمق، وفي أصل السردية والثقافة الصهيونية لا يمكن أن تكون فكرة اقتلاع حماس هي وحدها الحاضرة والأخيرة في عقل نتنياهو، فما بعد غزة لا يمكن للعقلية والذهنية الإسرائيلية أن تقف عند حدود غزة، ولعل كلمة نتنياهو المتلفزة في 25.10.2023 أي بعد نحو أسبوعين فقط على هجوم السابع من أكتوبر، وحديثه أنهم سيحقّقون نبوءة إشعياء في غزة وأن الإسرائيليين هم أبناء النور والفلسطينيين هم أبناء الظلام، بالإضافة إلى تذكيره بما فعله عماليق وضرورة مقاتلتهم، وعماليق في الثقافة الصهيونية وفي سفر صموئيل الأول هم العرب وهم ذروة الشرّ الجسدي والروحي بحسب العقيدة الصهيونية، كلّ ذلك يؤكد أن نهاية القصة والحرب في غزة لن تكون نهاية الملف عند الإسرائيلي بل بداية لحرب جديدة.
كلّ المؤشرات تدلل بشدة على أنّ القضية الفلسطينية اليوم هي في مراحل حرجة جداً من تاريخها، وفي محطة هي الأخطر على مدى سنوات الاشتباك السياسي والميداني مع "إسرائيل"، ولا سيما بعد تطوّرات كبيرة حدثت خلال الفترة الماضية، وجّه فيها الإسرائيلي ضربة قوية لحزب الله، وفي مشهد يبدو فيه الإيراني منكفئاً ولا سيما بعد سقوط نظام الأسد وتفضيل طهران الانكفاء كثمن سياسي لعدم انتقال النار إلى أراضيها، كلّ ذلك يترك الفلسطينيين وحيدين في معركة هي الأقسى والأشدّ، لكن كما يُقال إنه من باطن الشرّ يُولد الخير، فثمة أوراق قوة وتعويل، أوّلها الانتماء الفلسطيني والإدراك المتقدّم لتبعات وأبعاد الصراع، وربما مفاجآت وصراعات في جغرافيات أخرى في المنطقة قد تقلب الميزان وتكرّس صورة مختلفة كلياً.