تحالف أميركا و "إسرائيل"... تأثيره على شعوب منطقة "الشرق الأوسط"
اهتمام واشنطن بـ "إسرائيل" هو نتاج تفاعل معقد بين المصالح الاستراتيجية والسياسية الداخلية. هذه العلاقة المتينة، أصبحت جزءًا لا يتجزأ من السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.
-
اهتمام أميركا بـ "إسرائيل" - دوافع متعددة.
تُعد العلاقة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" من أكثر العلاقات الثنائية تعقيدًا وحساسية في منطقة الشرق الأوسط، بل وفي السياسة الدولية عمومًا. هي شراكة استراتيجية وسياسية واقتصادية وثقافية عميقة الجذور، وقد أثارت على مر عقود تساؤلات وجدلاً واسعًا حول أسبابها، ودوافعها وتأثيراتها العميقة على شعوب منطقة الشرق الأوسط.
ولفهم أبعاد الاهتمام الأميركي بـ "إسرائيل"، لا بد من الغوص في التاريخ وتتبّع مسار هذه العلاقة المعقدة.
الجذور التاريخية
يمكن تتبّع بدايات الاهتمام الأميركي بفكرة إنشاء وطن لليهود في "فلسطين" في أوائل القرن العشرين، حيث بدأت الحركة الصهيونية في كسب تأييد بعض الشخصيات والمجموعات في الولايات المتحدة. ومع تصاعد "الاضطهاد النازي لليهود" في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، زاد التعاطف الأميركي مع فكرة إقامة "دولة يهودية" (غير مشروعة) على أرض فلسطين وعلى حساب شعبها.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ومع تصاعد النفوذ الأميركي عالميًا، لعبت واشنطن دورًا حاسمًا في قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين عام 1947. ورغم تحفظ إدارة الرئيس الأميركي آنذاك "هاري إس. ترومان" في البداية، إلا أن الضغوط الداخلية والخارجية دفعته إلى الاعتراف بـ "دولة إسرائيل" الوليدة بعد إعلان "قيامها" عام 1948، لتكون بذلك أول دولة تعترف بها. واتخذ "ترومان" قرار الاعتراف بعد دقائق قليلة من "إعلان قيامها". وتأثر قراره بعوامل أخرى، بما في ذلك "التعاطف الإنساني" مع الناجين من "الهولوكوست" والرغبة في كسب تأييد الناخبين اليهود في الانتخابات المقبلة.
في السنوات الأولى لقيام "إسرائيل"، كانت العلاقة مع الولايات المتحدة فاترة نسبيًا، بسبب سعي الأخيرة إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع الدول العربية الغنية بالنفط. ويمكن القول إن طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة والدول العربية النفطية بعد عام 1948 كانت معقدة ومتناقضة، وشهدت العلاقات توترًا وتدهورًا على خلفية الاعتراف الأميركي بإ"إسرائيل"، لكن المصالح النفطية المشتركة والاعتماد المتبادل حالا دون القطيعة الكاملة.
وقد سعت الولايات المتحدة للحفاظ على مصالحها النفطية مع محاولة ترميم العلاقات وتقديم تطمينات للدول العربية، لكن الشكوك وعدم الثقة ظلّا قائمين لفترة طويلة. ورغم ذلك، بدأت العلاقة بين أميركا و"إسرائيل" في التوطد تدريجيًا، خاصة بعد حرب 1967 (حرب الأيام الستة)، التي رسّخت صورة "إسرائيل" كقوة إقليمية قادرة على مواجهة النفوذ السوفياتي المتزايد في المنطقة.
اهتمام أميركا بـ "إسرائيل" - دوافع متعددة
يمكن تلخيص الأسباب الرئيسية لاهتمام الولايات المتحدة بـ"إسرائيل" في عدة نقاط متداخلة:
1- المصالح الاستراتيجية:
خلال فترة الحرب الباردة، نظرت الولايات المتحدة إلى "إسرائيل" كحليف استراتيجي مهم في مواجهة التوسع الشيوعي والنفوذ السوفياتي في الشرق الأوسط. كانت "إسرائيل" تُعتبر قوة عسكرية قادرةً على ردع الأنظمة العربية المدعومة من الاتحاد السوفياتي، وحماية المصالح الأميركية في المنطقة، بما في ذلك أمن إمدادات النفط.
وحتى ما بعد انتهاء الحرب الباردة، استمرت الولايات المتحدة في اعتبار "إسرائيل" ركيزة للاستقرار و "مكافحة الإرهاب"، كما زعمت، في منطقة مضطربة. موقع "إسرائيل" الجغرافي على أرض فلسطين المحتلة وقدراتها العسكرية المتقدمة يجعلانها شريكًا قيمًا في أي استراتيجية أميركية إقليمية.
2- العوامل السياسية الداخلية:
تلعب السياسة الداخلية الأميركية دورًا مهماً في دعم العلاقة مع "إسرائيل" .. هناك جماعات ضغط قوية ومؤثرة، مثل "اللجنة الأميركية للشؤون العامة الإسرائيلية" (AIPAC)، تأسست عام 1954، وهي بمنزلة "لوبي" يستخدمه يهود أميركا في العاصمة «واشنطن». تعمل بنشاط على تعزيز الدعم السياسي والاقتصادي لـ "إسرائيل" في الكونغرس والإدارة الأميركية.
إضافة إلى ذلك، يحظى دعم "إسرائيل" بتأييد واسع النطاق بين قطاعات كبيرة من الرأي العام الأميركي، خاصة بين المسيحيين الإنجيليين الذين يرون في قيام "إسرائيل" تحقيقًا لنبوءات دينية. هذا الدعم الشعبي والسياسي يجعل من الصعب على أي إدارة أميركية الابتعاد عن دعم "إسرائيل".
3- العوامل الثقافية والقيم المشتركة:
غالبًا ما يجري تصوير "إسرائيل" في الولايات المتحدة كـ "دولة ديمقراطية" وحيدة في محيطها العربي، تشارك الولايات المتحدة قيم الديمقراطية وحكم القانون وحقوق الإنسان. هذه الصورة تعزز التعاطف والتأييد لـ "إسرائيل" في الأوساط الأميركية، وتجعل من السهل تبرير الدعم لها.
4- العوامل الاقتصادية والعسكرية:
على الرغم من أن المصالح الاقتصادية المباشرة للولايات المتحدة في "إسرائيل" ليست بمستوى حجم مصالحها في الدول العربية النفطية، إلا أن هناك تعاونًا اقتصاديًا وعسكريًا مهمًا وكبيرًا.
تقدم الولايات المتحدة لـ"إسرائيل" مساعدات عسكرية سنوية ضخمة، ما يجعلها أكبر متلقٍّ للمساعدات الأميركية في تاريخها على حساب الشعب الأميركي.
يعزز الدعم العسكري قدرات "إسرائيل" الدفاعية والهجومية ويجعلها تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا والأسلحة الأميركية، ما يخلق رابطًا اقتصاديًا وعسكريًا قويًا.
بحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" نقلاً عن تقرير لمشروع تكاليف الحرب التابع لجامعة "براون" الأميركية والذي نُشر في أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، فإن "إسرائيل" هي أكبر متلقٍ للمساعدات العسكرية الأميركية في التاريخ، وقد حصلت على 251.2 مليار دولار من الدولارات المعدلة بحسب التضخم منذ عام 1959.
وبحسب التقرير، فقد بلغ إجمالي المساعدات العسكرية الأميركية لـ"إسرائيل" 17.9 مليار دولار أميركي، خلال عام واحد فقط منذ بدء «معركة طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وحتى 7 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
إضافة إلى ذلك، هناك تعاون في مجالات البحث والتطوير التكنولوجي بينهما، ففي سياق التميز العالمي، تجسّد "إسرائيل" قمة الريادة في مضمار البحث والتطوير، إذ تتبوأ الصدارة بلا منازع في مؤشرين جوهريين: نسبة الإنفاق المخصص للبحث العلمي والتطوير قياسًا إلى الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك كثافة النخبة الهندسية والعلمية نسبة إلى تعداد السكان.
وعلاوة على ذلك، تتبوأ مراكز متقدمة في سجلات براءات الاختراع ومؤشرات الابتكار النوعي. وبنظرة استشرافية نحو آفاق المستقبل الرقمي، تتفرد "إسرائيل" بمركز الصدارة في كثافة الشركات الناشئة العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي قياسًا بعدد السكان.
وقد استبصرت كبريات الشركات التكنولوجية الأميركية بهذا الدور الطليعي، فبادرت إلى تأسيس ما يربو على 300 مركز للبحث والتطوير في "إسرائيل"، إقرارًا منها بالعمق المعرفي والقدرة الابتكارية الفائقة.
وتتضافر الشراكات الوثيقة بين الشركات الإسرائيلية والأميركية في إثراء التبادل التكنولوجي الخلاق، مُسفرة عن إيجاد عشرات الآلاف من فرص العمل النوعية في الولايات المتحدة، وهو ما أشار إليه قامة الابتكار بيل غيتس في عام 2006، مؤكدًا الأهمية القصوى للزخم الابتكاري المنطلق من "إسرائيل" لمستقبل صناعة التكنولوجيا العالمية. والجدير بالذكر، أن "إسرائيل" تحتضن أكبر مركز تطوير لعملاق صناعة المعالجات Intel على مستوى العالم، وقد اضطلعت بدور محوري في إرساء دعائم التقنيات العالمية للشركة، حيث طُورت أجيال متقدمة من معالجات Intel® Core™، كالسابع والثامن، بجهود وإسهامات جوهرية انطلقت من المراكز البحثية الإسرائيلية.
تأثير العلاقة الأميركية الإسرائيلية على شعوب المنطقة
لا يمكن الإنكار أن العلاقة الوثيقة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" لها تأثيرات عميقة ومتشعبة على شعوب منطقة "الشرق الأوسط" بشكل عام وعلى الشعب الفلسطيني المضطهد بشكل خاص، وغالبًا ما تكون هذه التأثيرات سلبية ومثيرة للجدل:
1- الصراع الفلسطيني الإسرائيلي:
يعتبر الدعم الأميركي المستمر لـ"إسرائيل"، والذي غالبًا ما يُنظر إليه على أنه دعم غير مشروط، أحد العوامل الرئيسية في استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من دون حل عادل ودائم. ويرى كثيرون في المنطقة أن الولايات المتحدة تنحاز بشكل كبير إلى جانب "إسرائيل" وتتجاهل الحقوق الفلسطينية المشروعة، ما يقوّض جهود "السلام" ويزيد من حالة الاحتقان واليأس.
2- عدم الاستقرار الإقليمي:
يُنظر إلى الدعم الأميركي لـ"إسرائيل" على أنه عامل مسهِم في عدم الاستقرار الإقليمي، بل ويفاقم الصراعات. ويعتبر البعض أنه يشجع على تبني سياسات أكثر تشددًا تجاه محيطها.
3- تأجيج المشاعر المعادية للولايات المتحدة:
يرى الكثيرون في المنطقة أن الولايات المتحدة تتبنى معايير مزدوجة في تعاملها مع قضايا الشرق الأوسط، حيث تدعم "إسرائيل" بقوة، بينما تنتقد دولًا أخرى في المنطقة. وهو ما يخلق شعورًا بالظلم والغضب، ويسهم في تنامي المشاعر المعادية للولايات المتحدة وسياساتها في المنطقة.
4- تأثير على العلاقات العربية الأميركية:
أثر الدعم الأميركي لـ"إسرائيل" سلبًا على علاقات الولايات المتحدة مع العديد من الدول العربية وشعوبها. وغالبًا ما يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها منحازة وغير قادرة على لعب دور الوسيط النزيه في الصراعات الإقليمية، ومنها «جامعة الدول العربية» و «مجلس التعاون الخليجي» في بياناتهما الختامية وقراراتهما المختلفة، دائمًا ما تدعو الدول الأعضاء الولايات المتحدة إلى مراجعة مواقفها المنحازة لـ"إسرائيل"، وتأكيد ضرورة إنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة، بما في ذلك حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة. وقد صدر العديد من البيانات التي ترفض التهجير القسري للفلسطينيين وتطالب المجتمع الدولي بالضغط على "إسرائيل" لوقف أعمالها الأحادية.
5- تأثير على "جهود السلام":
يرى الكثيرون أن الدعم الأميركي غير المشروط لـ"إسرائيل" يعيق "جهود السلام" في المنطقة، حيث يجعل "إسرائيل" أقل استعدادًا لتقديم تنازلات ضرورية لتحقيق حل عادل وشامل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حتى وفق مبادرة السلام العربية المقرة عام 2002 في قمة بيروت.
واشنطن في الشرق الأوسط
إن اهتمام الولايات المتحدة بـ "إسرائيل" هو نتاج تفاعل معقد بين المصالح الاستراتيجية والسياسية الداخلية والثقافية والاقتصادية. هذه العلاقة المتينة، التي تطورت على مر عقود من الزمن، أصبحت جزءًا لا يتجزأ من السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل التأثيرات العميقة لهذه العلاقة على شعوب المنطقة، والتي غالبًا ما تتسم بالاستياء والإحباط بسبب انحياز أميركا لـ"إسرائيل" على حساب الحقوق العربية والفلسطينية. فهم هذه الديناميكية المعقدة ضروري لتحليل الأحداث الجارية في الشرق الأوسط وتوقع مساراتها المستقبلية، ولا سيما بعد حرب 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 التي اتصفت بالنازية، والمستمرة حتى يومنا هذا.
ففي هذا العالم العجيب، تتجلّى "عظمة" العم سام كبؤرة إشعاع مظلم، تستمد وهجها من احتراق الآخرين. أما بنو يعرب، فقد آثروا دور المتفرج الصامت على مسرح الأحداث الدامي في فلسطين ولبنان وسوريا واليمن، يلفهم خزي التقاعس كثوب بالٍ. ويا للعار المضاعف! أن نرتضي لأنفسنا موقع الأذيال، نقتات على فتات موائدهم المسمومة. لقد اختزلوا معادلة الوجود في منطق أعرج: فلتفْنَ البقية الباقية كي تنعم "النخبة" بالخلود المزعوم.