جردة حساب 2024 بين لبنان والإقليم
في لبنان، تتزايد التحدّيات السياسية والاقتصادية، ويبدو أنّ المستقبل القريب سيحمل مزيداً من الاستحقاقات التي ستحدّد مصير البلاد.
عام 2024 يمثّل فصلاً جديداً في تاريخ منطقة الشرق الأوسط، حيث شهدت المنطقة العديد من الأحداث السياسية والاقتصادية الهامّة التي تؤثّر على مصير دولها وشعوبها، كما شهدت المنطقة تصعيداً كبيراً في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
بعد عدة سنوات من الجمود في عملية السلام، استمرّت المواجهات العسكرية بين القوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية في غزة والضفة الغربية. وقد تسبّبت هذه المواجهات في سقوط العديد من الضحايا المدنيين، مما أثار غضباً واسعاً في العالم العربي والمجتمع الدولي.
المشهد السياسي في الإقليم
على المستوى السوري ورغم تراجع حدّة الحرب الأهلية بشكل نسبي مقارنة بالأعوام السابقة بعد سقوط نظام الأسد، إلا أن التوترات لا تزال قائمة في بعض المناطق مثل إدلب وشرق الفرات ومناطق الساحل، بالتزامن مع استمرار القوى الأجنبية في التدخّل بالشأن السوري، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا وتركيا، مما جعل مسار الحلّ السياسي أكثر تعقيداً. كما شهدت سوريا تدهوراً في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بسبب الحصار والعقوبات المستمرة.
أما بالنسبة للعلاقات السعودية الإيرانية فقد شهدت في العام 2024 تحسّناً ملحوظاً بعد سنوات من التوترات والصراعات الإقليمية. تمّ التوصّل إلى اتفاق غير رسمي بين الرياض وطهران بشأن تجنّب التصعيد العسكري في بعض المناطق مثل اليمن والعراق. هذا التحوّل قد يسهم في استقرار المنطقة ويخفّف من حدة التوترات بين الدول الخليجية وإيران، وقد يذهب بالمنطقة إلى مرحلة من الراحة والتضامن العربي الإسلامي.
في اليمن يتواصل الصراع بين "أنصار الله" الحوثيين والحكومة اليمنية. ذلك بالرغم من بعض المحاولات للتهدئة، إلا أن الوضع الإنساني في اليمن لا يزال كارثياً، مع آلاف الضحايا والملايين من النازحين.
في ظلّ استمرار الحرب الإجرامية على الشعب الفلسطيني منذ السابع من أكتوبر 2023 من دون أيّ محاولة جديّة لإيقافها وبعد سنوات من التأجيل، قد تشهد فلسطين في 2024 انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة. هذه الانتخابات ستكون حاسمة في تحديد مصير السلطة الفلسطينية والعلاقات مع كيان الاحتلال ، فضلاً عن تأثيرها على العلاقات بين حركتي فتح وحماس.
التحدّيات الاقتصادية في العديد من الدول
خلال العام 2024، عانت العديد من دول الشرق الأوسط من تحدّيات اقتصادية كبيرة، بما في ذلك التضخّم وارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة. الدول التي تأثّرت بشكل خاص هي مصر ولبنان وسوريا والعراق. كما تفاقمت الأزمات الاقتصادية بسبب تداعيات الحرب الأوكرانية وتراجع أسعار النفط في بعض الفترات.
لبنان خلال عام 2024
منذ عام 2022، يعاني لبنان من فراغ رئاسي بسبب عدم القدرة على التوصّل إلى توافق بين القوى السياسية المختلفة لاختيار رئيس جديد للجمهورية.
في عام 2024، استمرّ هذا الفراغ السياسي في التأثير على المؤسسات الحكومية والاقتصاد اللبناني. وقد عرقلت الانقسامات السياسية والتباينات بين الأحزاب اللبنانية والقوى الممثّلة في البرلمان أيّ تقدّم في عملية الانتخابات، وذلك بالتزامن مع استمرار مواجهة أزمة اقتصادية حادة، حيث تراجعت قيمة الليرة اللبنانية بشكل كبير مقابل الدولار الأميركي، مما أثّر بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطنين.
كما استمرّت الأزمات في قطاع الكهرباء والمياه، في وقت يعاني فيه اللبنانيون من مستويات عالية من البطالة والفقر. لم تنجح الحكومة الحالية في اتخاذ خطوات حاسمة لإجراء إصلاحات اقتصادية جذرية في ظلّ الانقسامات السياسية المستمرة، مع العلم أنها استطاعت أن تثبّت سعر صرف الدولار من خلال بعض القرارات والتي أتت بحلّ لمدة محدودة بانتظار العلاج الاقتصادي الحقيقي الذي يعيد لليرة اللبنانية قيمتها.
وبالرغم من الأزمات السياسية والاقتصادية التي مرّت بها البلاد إلا أنه يُسجّل للحكومة اللبنانية استطاعتها بسط استقرار نسبيّ في الأمن مقارنة بجيرانها، مع وجود مخاوف من تدهور الوضع الأمني بسبب الأزمات الحاصلة في البلاد. كما أن التوترات الطائفية تظلّ تشكّل تهديداً في ظلّ غياب توافق سياسي قوي يحصّن البلاد من المشاريع التقسيمية التي يمكن أن تكون مادة لأيّ خلاف سياسي قد يولد مستقبلاً.
من أبرز الاستحقاقات التي تنتظر لبنان في 2024 هو الاستحقاق الرئاسي. الانتخابات الرئاسية اللبنانية قد تكون نقطة تحوّل في المستقبل السياسي للبلاد، إذ قد تؤدّي إلى تشكيل حكومة جديدة قادرة على اتخاذ قرارات هامة في مجال الإصلاح الاقتصادي وتخفيف التوترات السياسية، وتنفيذ عمليات إعادة إعمار أربع محافظات لبنانية جرى تدميرها بشكل إجرامي خلال الحرب التي شنّها العدو الإسرائيلي على لبنان بين الثامن من شهر تشرين الأول/أكتوبر 2023 والسادس والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2024، والتي أودت بحياة الآلاف من اللبنانيين ودمّرت الآلاف من الوحدات السكنية في محافظات النبطية والجنوب والبقاع وبعلبك الهرمل ومدينة بيروت وضاحيتها الجنوبية، حيث قدّرت هيئات حكومية أنّ عمليّة إعادة الإعمار قد تصل إلى 15 مليار دولار.
التهديدات الأمنية
على مستوى مكافحة الإرهاب لا تزال الجماعات الإرهابية مثل "داعش" والقاعدة تشكّل تهديداً في العديد من دول المنطقة، وخاصة في العراق وسوريا. من المتوقّع أن تستمرّ جهود التحالفات الدولية والإقليمية لمكافحة الإرهاب، وهو ما قد يشكّل أحد الاستحقاقات الأمنية الكبرى في السنوات المقبلة.
التعاون الاقتصادي الإقليمي
مع استقرار بعض دول المنطقة، قد تشهد 2024 المزيد من التعاون الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول أخرى مثل مصر والأردن، كما جرى تفعيل الرزنامة الزراعية بين لبنان ومصر ولبنان الأردن ولبنان والعراق، ممّا يسجّل نمواً في الاقتصاد الزراعي اللبناني وهي تُسجّل ضمن خانة إنجازات الحكومة اللبنانية للخروج من الاقتصادي الريعي إلى المنتج. هذا التعاون قد يكون حافزاً لتخفيف الأزمات الاقتصادية في بعض الدول المتضرّرة.
من الواضح أن منطقة الشرق الأوسط تمرّ بفترة من التحوّلات الكبيرة التي تشمل الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية. في لبنان، تتزايد التحدّيات السياسية والاقتصادية، ويبدو أنّ المستقبل القريب سيحمل مزيداً من الاستحقاقات التي ستحدّد مصير البلاد. أما على مستوى المنطقة، فإنّ التحدّيات الكبرى مثل القضية الفلسطينية، الأزمة السورية، والتحوّلات في العلاقات الإقليمية ستظلّ تشكّل محاور أساسية في تحديد ملامح الشرق الأوسط في عام 2024 وما بعده.