كيف تُعيد "إسرائيل" صياغة سرديّة التفوّق العسكري في الحرب على إيران؟
يبدو أن خطاب التفوق العسكري الإسرائيلي ما بعد 7 أكتوبر والمواجهة مع إيران لن يكون نسخة طبق الأصل من الخطاب السابق، بل سيُعاد تشكيله ليصبح أكثر حذراً، وواقعية، وتكنولوجية.
-
صدمة المواجهة مع إيران: كسر الوهم وفقدان الأمان (أرشيف).
منذ السّابع من أكتوبر 2023، تعرّضت العقيدة الأمنيّة الإسرائيليّة التقليدية التي قامت على "الرّدع"، و"الإنذار المبكر"، و"الحسم السّريع"، لزلزال عنيف. لقد كشف الهجوم المفاجئ الذي شنّته حماس عن فشل استخباري وعملياتي غير مسبوق، وألحق خسائر بشريّة وماديّة هزّت ثقة الجمهور الإسرائيلي.
تأتي هذه الصّدمة لتتزامن مع المواجهة الأخيرة مع إيران، والتي أظهرت هشاشة "المركز الآمن" الذي لطالما اعتقد الإسرائيليون أنه حصن منيع. فكيف ستسعى "إسرائيل" لإعادة بناء سردية تفوقها العسكري أمام جمهورها الذي لم يعد يثق تماماً بقدرة "جدارها الحديدي" على حمايته؟
انهيار السردية القائمة: أسطورة القوة التي لا تُقهر
قبل 7 أكتوبر، كانت "إسرائيل" تروّج نفسها كقوة إقليميّة لا تُقهر، تمتلك جيشاً متطوراً وقدرات استخبارية لا مثيل لها. كانت منظومة "القبّة الحديديّة" تُصوَّر على أنها درع منيع، في حين أن سياسة "إدارة الصّراع" كانت تهدف إلى إبقاء الأوضاع تحت السيطرة.
لكن هجوم 7 أكتوبر كشف عن هشاشة هذه السّردية، عندما تمكّنت مجموعة من المقاتلين من حماس من اختراق التّحصينات الحدوديّة والوصول إلى قواعد عسكرية ومستوطنات. هذا الفشل المدوي أثار صدمة عميقة لدى الجمهور الإسرائيلي، وفتح باباً واسعاً من التساؤلات حول فعالية الجيش والقيادة.
ملامح السّردية الجديدة: استراتيجيات إعادة البناء
لإعادة بناء سرديّة التفوّق العسكري، تسعى "إسرائيل" إلى اتباع عدة استراتيجيات:
تأكيد القوة التدميرية: تحاول "إسرائيل" استعادة مفهوم "الردع" عبر استخدام قوتها التدميرية الهائلة في قطاع غزة، وإظهار قدرتها على إلحاق دمار كبير بخصومها. هذا يهدف إلى إظهار أن قوتها لا تزال قادرة على تحقيق أهدافها بالقوة العسكرية.
التركيز على التكنولوجيا المتقدمة: ستركز السّردية الجديدة بشكل كبير على التكنولوجيا العسكرية المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي والطائرات من دون طيار. ستُقدم هذه التكنولوجيا على أنها الحل لتجنب إخفاقات الماضي وضمان التفوق في المستقبل.
تغيير مفهوم "النصر": بدلاً من الحديث عن "نصر حاسم" و"القضاء التام" على حماس، قد يتم تبني مفهوم أكثر واقعية للنصر، مثل "تدهور القدرات العسكرية لحماس". هذا التغيير في الخطاب يهدف إلى خفض سقف التوقعات وتجنب تكرار فشل تحقيق "النصر المطلق".
تعزيز حرب الوعي: ستكثف "إسرائيل" جهودها في الحرب النفسية والإعلامية، لتُظهر الجيش الإسرائيلي على أنه جيش "أخلاقي" وفعال، بينما تُصور المقاومة على أنها منظمات إرهابية.
إعادة هيكلة المؤسسة الأمنية: ستصاحب هذه السردية خطوات عملية مثل إجراء تحقيقات داخلية، وتغييرات في القيادة، وزيادة الميزانية العسكرية، بهدف استعادة ثقة الجمهور.
صدمة المواجهة مع إيران: كسر الوهم وفقدان الأمان
في سياق تداعيات المواجهة مع إيران، اهتزت أسطورة التفوق الإسرائيلي مرة أخرى. لقد شكلت الضربات الأخيرة على العمق الإسرائيلي صدمة عميقة في وعي الجمهور، كاشفة عن هشاشة لم يكن يعتاد عليها الإسرائيليون. لم يعد "المركز الآمن" مجرد حقيقة مسلّم بها.
هذه الصدمة قد تكون نقطة تحول حقيقية لدى الجمهور الإسرائيلي. هل ستؤدي إلى تحول جذري في وعي الجمهور أم أنها مجرد انتكاسة مؤقتة؟
تفاعل الجمهور الإسرائيلي مع الصدمة: بين القلق والاستقطاب
يشهد الجمهور الإسرائيلي تفاعلاً معقداً ومتعدد الأوجه مع التطورات الأخيرة، تراوح بين الصدمة العميقة وفقدان الوهم، وصولاً إلى البحث عن المسؤول. لقد اهتز الشعور بالأمان المطلق الذي كان جزءاً من الهوية الإسرائيلية، ما أدى إلى قلق متزايد وتراجع سريع في الثقة بالمؤسسات الأمنية والسياسية. ويشير بعض التقارير إلى ارتفاع أعداد الإسرائيليين الذين يفكرون في الهجرة، وهو ما يتناقض مع صورة "إسرائيل" كملجأ آمن. وتزداد حدة الاستقطاب السياسي في ظل الأزمة، حيث ينقسم الجمهور إلى عدة تيارات:
تيار يطالب بالتغيير الجذري: يرى في الأزمة فرصة لإعادة تقييم السياسات والدعوة إلى نهج أكثر واقعية. تيار يطالب بالتشدد والانتقام: يدعو إلى رد عسكري قوي وحاسم، ويعتبر أي تراجع ضعفاً غير مقبول. وتيار آخر يتهرب من المسؤولية: يميل القادة السياسيون والإعلاميون إلى إلقاء اللوم على الآخرين لزيادة الانقسام المجتمعي.
هل هو تحوّل أم مجرّد تكيّف؟
إن التفاعل الديناميكي للجمهور الإسرائيلي مع هذه الأزمات سيكون له تأثير كبير على المشهد السياسي الداخلي. هل ستؤدي هذه التغييرات إلى تحول حقيقي في السياسات، أم سيتمكن النظام من "امتصاص الصدمة" وإعادة إنتاج السرديات القديمة في ثوب جديد؟
يبدو أن خطاب التفوق العسكري الإسرائيلي ما بعد 7 أكتوبر والمواجهة مع إيران لن يكون نسخة طبق الأصل من الخطاب السابق، بل سيُعاد تشكيله ليصبح أكثر حذراً، وواقعية، وتكنولوجية. ومع ذلك، ستظل هذه السردية موضع شك وتحدٍّ، لا فقط من الخصوم، بل لدى الجمهور الإسرائيلي نفسه.