ليست حادثة معزولة... بل هي صرخة للإنسانية في وجه الظلم والطغيان

مبادرة "إلياس رودريغيز" خطوة في الاتجاه الصحيح لمحاصرة جرائم الاحتلال بمبادرات فردية من أحرار الإنسانية في أي مكان ومن أي موقع توجد فيه تمثيليات للدولة المارقة؟

  • قضية فلسطين وجرائم الإبادة في حق الغزيين العزل المحاصرين هي قضية إنسانية بامتياز.
    قضية فلسطين وجرائم الإبادة في حق الغزيين العزل المحاصرين هي قضية إنسانية بامتياز.

في واشنطن، أو لنقل في أكثر الأماكن أمناً في العالم لدبلوماسيي "الدولة العبرية"، يشهر سلاحه من مسافة قريبة، ويطلق أكثر من عشر طلقات ليستهدف موظفين في السفارة "الإسرائيلية "، بالقرب من فعالية في المتحف اليهودي ثم يهتف "الحرية لفلسطين".

لم يقع الحادث في إحدى عواصم الدول العربية، أو في إحدى العواصم الأوروبية حيث يوجد العرب بكثافة، ممن يعلنون العداء لدولة الاحتلال ويدينون جرائمها ضد الإنسانية التي ترتكبها في حق الفلسطينيين، بل وقعت في بلد الراعي الرسمي لدولة الإجرام والإبادة، والمبيّض الأول لما ترتكبه يومياً من فظاعات ومحارق، في استهتار بكل بالقوانين والمواثيق الدولية، في منطقة تُعدّ مساحة تحرك ونشاط لأعتى الأجهزة الاستخبارية والأمنية خبرة وحيطة . 

لم يكن ل" إلياس رودريغيز" منفذ العملية أي سجل إجرامي، أو انتماء لأي منظمة تصنفها الاستخبارات الأميركية إرهابية أو متطرفة، فعل ما فعله من أجل غزة، فقط لكونه إنساناً، وأراد أن ينتصر لحق الإنسان في الحياة.

الحادثة ليست عرضية، ليست إجرامية، ليست معزولة، هي ناقوس خطر يدق ليتهدد عروش الجبابرة، هي مؤشر على انتفاض الإنسانية على عجز الأنظمة، أو تخاذلها في الانتصار للقضايا الانسانية العادلة، وعلى إفلاس المنظومة السياسية والقانونية والأخلاقية التي تحكم العالم اليوم بمنطق الانتصار للقوي دائماً، وللمصالح أولاً.

ما فعله رودريغز من إقدام على إطلاق النار بدم بارد، وما أعقبه من رد فعل، بانتظار وصول قوى الأمن، مُظهِراً استعداده للاعتقال والعقاب، يؤكد أن ما أقدم عليه يجسد صرخة انتصار للإنسانية، برفض الصمت أمام تواصل آلة التقتيل الصهيونية في استهداف الأبرياء من الأطفال والنساء كل يوم، وتلويح نتنياهو بأن العملية العسكرية في غزة ستتواصل، صرخة للإعلان عن رفض جرائم التجويع والتعطيش والحرمان من الحق في الدواء والنفاذ إلى العلاج، التي طبّع العالم معها، لتبقى أطنان المساعدات مكدسة في العريش، من دون أن يستطيع هذا العالم بمنظماته ومؤسساته وشتى جيوشه وحكوماته، أن يتدخل ليفرض كسر الحصار بإدخال المساعدات الإغاثية اللازمة .

 لمن يتلقف الرسالة، ويستشرف المستقبل، لن تكون عملية استهداف الدبلوماسيين الأخيرة، إلا مقدمة لمواجهة جديدة ضد جرائم الاحتلال، مواجهة مفتوحة وقودها منسوب اليأس لدى أحرار الإنسانية من إمكانية وقف المجازر بحق الغزيين العزل، ومحركها الاقتناع بإفلاس المنظومة التي تحكم العالم اليوم بمعايير الكيل بمكيالين، لتفتح الطريق أمام الدولة المارقة لارتكاب المزيد من جرائمها بدعوى حماية أمنها القومي .

وعليه قد تكون مبادرة "إلياس رودريغيز" بتقديري خطوة في الاتجاه الصحيح لمحاصرة جرائم الاحتلال بمبادرات فردية من أحرار الإنسانية في أي مكان ومن أي موقع توجد فيه تمثيليات للدولة المارقة، أو مصالح اقتصادية أو استثمارات أو غيرها، فالاقتناع بصعوبة وقف الظلم بالوسائل والآليات القانونية لن يترك أمام أحرار الإنسانية إلا الأساليب الثورية من جنس الفعل نفسه، لردع المحتل عن جرائمه وفرض معادلات جديدة في المواجهة.

قضية فلسطين، وجرائم الإبادة في حق الغزيين العزل المحاصرين، هي قضية إنسانية بامتياز، إن استعصى حلها أممياً عبر المؤسسات، فقد تكون للإنسانية الكلمة العليا في الانتصار فيها للحق الفلسطيني عبر جعل هذ العدو محاصراً مطارداً منبوذاً.