أهداف الشرع من المجازر بحق العلويين
أسباب كثيرة دعت أحمد الشرع إلى توجيه حملة ضد منطقة الساحل السوري، والتي تبيّن أنه كان يعدّ لها قبل تعرض قوات تابعة له لكمين على يد من اتهمهم بأنهم يتبعون للنظام السابق.
-
أسباب كثيرة دعت أحمد الشرع إلى توجيه حملة ضد منطقة الساحل السوري.
تتواصل المذابح بحق أهل الساحل السوري، وخصوصاً العلويين منهم، على يد قوات النظام الجديد في دمشق، وإن كان هذا يحصل بعيداً من التغطية الإعلامية بعدما تنبّهت الجماعات المسلّحة المنضوية تحت مظلة "هيئة تحرير الشام" إلى الإدانة الواسعة التي تعرّضت لها من قبل الدول الغربية، والضرر الذي لحق بصورة النظام الجديد الذي عمل في أسابيعه الأولى في السلطة على تقديم نفسه بمظهر الإسلام المعتدل الذي يريد اعتماد نموذج سنغافورة.
أسباب الحملة ضد العلويين
أسباب كثيرة دعت أحمد الشرع إلى توجيه حملة ضد منطقة الساحل السوري، والتي تبيّن أنه كان يعدّ لها قبل تعرض قوات تابعة له لكمين على يد من اتهمهم بأنهم يتبعون للنظام السابق. فقد أشارت وثائق بريطانية إلى أنه بدأ بالتخطيط لهذه الحملة منذ بداية شهر شباط/ فبراير الماضي.
أما السبب الأول فهو التشفي من العلويين في إطار حقد طائفي على هذه الفئة من المجتمع السوري يعود إلى العهود العثمانية الأولى. أما السبب الثاني فيكمن في حاجة الشرع إلى تحويل انتباه الجماعات المنضوية تحت قيادته عن إخلاله بوعوده بإقامة نظام "الخلافة الإسلامية" ومعاييره الشرعية وتبنّيه نهجاً "غربياً" في الحكم عبر الإعلان عن نفسه رئيساً للجمهورية.
والجدير ذكره أن عدداً من قادة الفصائل المؤيدة للجولاني كان قد جاهر بنقده له متّهماً إياه بأنه أخلف بوعوده، وأن عدداً من هؤلاء لقي حتفه في طريق عودته من اجتماع مع الجولاني على يد الطيران الحربي الأميركي. لذا، فإن مجازر الساحل جاءت لإحداث حالة استقطاب وشد عصب الجماعات المؤيدة للجولاني تحت قيادته مجدداً "عبر اختراع عدو خارجي" ومؤامرة قيل إنها تستهدف الحكم الجديد.
ولقد أراد أحمد الشرع أيضاً عبر مجازر الساحل توجيه رسالة إلى كل من الكرد في شمال شرق سوريا المنضوين تحت لواء "قوات سوريا الديمقرطية -قسد" والجماعات الدرزية المسلحة بقيادة الشيخ الهجري بوجوب انصياعهم لإرادته. أما توجيه حملة قاسية ضد العلويين فكانت لمعرفة الشرع أن هؤلاء سلّموا سلاحهم في إطار التسوية وعهد الأمان الذي كان قد أعطاه لهم. وبالتالي، فإن حملة ضد أهل الساحل كان سيكتب لها "النجاح" من منظار الجولاني في تحقيق حالة الصدمة والرعب المطلوبة لتطويع أهل الساحل، وأيضا لترويع الكرد والدروز.
موقف الكرد والدروز
لوهلة، بدا أن الكرد انصاعوا للأمر الواقع، ما دفع بقائد "قسد" مظلوم عبدي إلى التوجّه إلى دمشق لتوقيع اتفاق مع الشرع يقبل بموجبه بدمج "قسد" بالجيش السوري الجديد. لكنّ هذا النجاح كان قصير الإجل، إذ ما لبثت "قسد" أن تراجعت عن الاتفاق بعد تصديق الشرع على الإعلان الدستوري الذي يشدّد فيه على مركزية الدولة، وينصّب نفسه رئيساً مدى الحياة. والسبب الرئيسي بالنسبة إلى الكرد هو خوفهم من تعرضهم للغدر على يد الشرع كما حصل مع العلويين، ما جعلهم يتمسكون بالحفاظ على سلاحهم، علماً أن القوات التركية الداعمة للشرع تواصل حملتها العسكرية ضدهم.
أما بالنسبة إلى الدروز، فقد أدّت مجازر الساحل إلى دفعهم أكثر إلى أحضان "إسرائيل"، وتجلى ذلك في الزيارة التي قام بها وفد كبير من مشايخ الطائفة الدرزية إلى فلسطين المحتلة، بالتوازي مع توجيه الوزير السابق وئام وهاب حملة شتائم ضد الشرع "الذي فاق بإجرامه إجرام نظام بشار الأسد"، على حد تعبيره.
ولقد لاقى هذا التوجّه استحساناً لدى القيادة الصهيونية التي تسعى إلى تقسيم سوريا إلى كيانات طائفية، فكان إعلان رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو أنه "سيحمي دروز سوريا من الجماعات الإرهابية المدعومة من الشرع"، كما كان إعلان وزيره يتسلئيل سموتريتش عن إجراءات لدمج الدروز والشركس السوريين في منظومة العمل الإسرائيلية. وقد صادق نتنياهو، ووزير ماليته بتسلئيل سموتريتش يوم الأحد الواقع فيه 16 – 3 – 2025 على خطة شاملة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعين الدرزي والشركسي، في الجولان السوري المحتل.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن نتنياهو قوله إن حكومته "ملتزمة أمام الدروز في إسرائيل وفي المنطقة، خصوصاً في سوريا، وتمكينهم داخل المجتمع الإسرائيلي"، مشيراً إلى أن "إسرائيل تحارب على 7 جبهات وعازمة على تحقيق النصر." أما سموتريتش فأعلن أنه "سيتم تخصيص ميزانية قدرها 3.9 مليار شيكل، منها ميزانية إضافية قدرها 2.6 مليار شيكل، بهدف توفير استجابة واسعة وشاملة لاحتياجات السكان الدروز."
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أصدر تصاريح عمل للدروز السوريين، للعمل في هضبة الجولان السورية المحتلة، وقال إن "الحكومة الإسرائيلية توافق الآن على خطة مساعدة غير مسبوقة للمجتمعات الدرزية والشركسية"، مؤكداً أن "إسرائيل ستحمي الدروز في سوريا من أي تهديد، وستواصل تعزيزهم وكذلك الدفاع عنهم ضد كل أشكال الإرهاب." والجدير ذكره أن كاتس كان قد شنّ هجوماً حاداً على أحمد الشرع، متهماً إيّاه بالإرهاب، وقال ما حرفيته إن "الجولاني خلع الجلابية وارتدى بدلة وقدّم نفسه بوجه معتدل، والآن أزال القناع وكشف عن وجهه الحقيقي، إرهابي جهادي من مدرسة القاعدة يرتكب فظائع بحق السكان المدنيين."
ماذا عن دروز لبنان؟
اندفاعة جزء من دروز سوريا إلى أحضان الكيان الصهيوني دفعت بالزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط إلى التحفز والتحرك. فخلال القرن العشرين، انقسم الدروز بين ثلاثة تيارات وفقاً للبلدان التي توزّعوا عليها. بالنسبة إلى دروز سوريا، فإن هواهم كان قومياً عربياً سورياً مع اتجاه لتوثيق علاقاتهم بهاشميي العراق والأردن، في ظل علاقات ملتبسة مع الدولة المركزية في دمشق منذ عهد الانتداب إلى عهود الاستقلال الأولى لم تحل إلا في ظل حافظ الأسد.
أما بالنسبة إلى فلسطين المحتلة، فقد اتجهت قيادة الطائفة الدرزية إلى الاندماج بـ"الدولة" الصهيونية فكان منهم قادة أحزاب وقيادات عسكرية بارزة. وبالنسبة إلى دروز لبنان، فقد سعوا إلى تحسين موقعهم في بلد قائم على الطائفية كانت نواته الأولى الإمارة الدرزية التي خسرها الدروز لصالح صعود المتصرفية، ومن ثم الجمهورية اللبنانية بغلبة مارونية، سنية، فشيعية.
أما وقد قامت "إسرائيل" بتوسيع المنطقة التي تحتلها في جنوب سوريا وباتت على مقربة من جبل العرب، فإن جنبلاط بات يخشى من أن يصبح دروز سوريا تحت المظلة الإسرائيلية كما دروز فلسطين المحتلة، ما سيجعله معزولاً في المنطقة ذات الغالبية الدرزية في جنوب جبل لبنان، بل وسيلحقه بالزعامة الدرزية المتمثلة بموفق طريف، المدعوم من "إسرائيل"، ما يهمش زعامته التي حافظت على استقلاليتها على مدى القرون الثلاثة الماضية.
هذا يفسر إحياء وليد جنبلاط الذكرى الـ 48 لاغتيال والده كمال جنبلاط بحضور رئيس مجلس النواب نبيه بري ونائب رئيس المجلس السياسي لحزب الله الحاج محمود قماطي وتركيزه في خطابه على استحضار ميراث الزعيم العربي وقائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش.