التدخل الأميركي المباشر في الحرب على إيران: دوافع وأهداف

يمكن اعتبار النتيجة غير المرضية للهجوم الإسرائيلي والرد الإيراني دافعاً لتغيير إستراتيجية الولايات المتحدة في إدارة المعركة.

0:00
  •  إدارة ترامب هي العقل المدبر لمخطط ضرب إيران.
    إدارة ترامب هي العقل المدبر لمخطط ضرب إيران.

لم يعد من الممكن مقاربة العدوان الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد الضربة الأميركية للمنشآت النووية الإيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان وفق السياقات نفسها التي كانت صالحة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على إيران يوم 13 حزيران/يونيو.

فالموقف الأميركي الذي عبّر عنه ترامب في اليوم الأول للضربة، لناحية الثقة بالآلة الحربية الإسرائيلية وعدم الحاجة إلى المشاركة الأميركية المباشرة، بالإضافة إلى الثقة المفرطة التي أبداها لناحية حجم الضربة الأولى التي تلقتها إيران ويقينه بعدم قدرتها على المواجهة ودعوته لها للاستسلام غير المشروط، فقد قيمته بعد الوابل الصاروخي الإيراني الذي بدأ يسقط على "تل أبيب" ومدن الكيان الأخرى، بعد أقل من 18 ساعة من بدء الهجوم، مع الإشارة إلى فاعلية هذه الضربات ودقتها بما أكّد امتلاك الجمهورية الإسلامية لمعطيات دقيقة عن الداخل الإسرائيلي، بالإضافة إلى فشل منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي الأميركي المشترك في مواجهة ترسانة مخيفة من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة. 

فالمسار الأميركي - الإسرائيلي الذي أمكن من خلاله توصيف الهجوم الأول كان يفترض توجيه ضربة سريعة قاسمة تتخطى مجرد إرباك القيادة الإيرانية لتؤدي إلى إخضاعه أو إسقاطه بسرعة قياسية.

فمن خلال حجم الهجوم والأهداف، التي لم تكن محصورة بالمنشآت النووية بل تعدّتها لتطال مراكز القيادة والسيطرة والاغتيال الممنهج للقادة العسكريين والأمنيين من دون أن ننسى تعطيل الدفاع الجوي باستخدام وسائل جمعت بين قصف بواسطة الطائرات والمسيرات والصواريخ وبين تحريك مجموعات كبيرة على الأرض جرى تدريبها وتجهيزها وتنظيمها في الداخل الإيراني، بحيث تؤدي دوراً حاسماً في إثارة الفوضى وضمان إرباك الدولة الإيرانية، يمكن التقدير أن الأهداف الأميركية- الإسرائيلية لا ترتبط فقط بالحؤول دون امتلاك إيران قنبلة نووية، إذ يمكن تحقيق هذا الهدف من خلال اتفاق تقني تتكفل الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتنفيذه وإنما تتعداها لدفع الجمهورية الإسلامية إلى الاستسلام والخضوع للمشروع الأميركي- الإسرائيلي في المنطقة تحت تهديد تضييق الخناق العسكري والأمني عليها بما قد يؤدي إلى تحضير أرضية تساعد، إذا فشل الخيار العسكري المباشر، في تحضير الظروف التي قد تساعد في تحقيق هدف إسقاط النظام لاحقاً.

بحسب المعطيات الميدانية، لم تؤدِ الضربة الأولى إلى تحقيق الغايات المرجوة أميركياً وإسرائيلياً، إذ نجحت الجمهورية الإسلامية في استعادة توازنها بعد نحو 12 ساعة، وبدأت ردها الممنهج بكلمة وجّهها المرشد الأعلى للشعب الإيراني ثم تلاها بدء عمليات إطلاق الصواريخ على الكيان الإسرائيلي وفق بنك أهداف محدد يدلل على جهد استخباري دقيق.

وإذا كان الكيان الإسرائيلي أراد تحقيق أهدافه من خلال ضربة سريعة ومفاجئة يمكن بعدها الاعتماد على الإرباك الإيراني والهشاشة المفترضة في ردّه من أجل الدفع لتكريس واقع مناسب عنوانه استسلام الجمهورية الإسلامية، فإن الجانب الإيراني قد أظهر تماسكاً دلل على توقعه لهذا الهجوم، وأرسل إشارات أوحت إلى تخطيطه المسبق للرد على الضربات من خلال العمل سريعاً على إعادة ملء المراكز التي شغرت بسبب الاستهدافات الأمنية، وإظهار جهوزية وتخطيط لحرب استنزاف طويلة هدفها إغراق الكيان في دوامة من الصواريخ، وإظهار قدرة غير عادية على استيعاب الضربات التي يتلقاه في المقابل.

وعليه، أظهرت المواجهة التي استمرت 12 يوماً عجزاً إسرائيلياً مزدوجاً؛ إذ مع الفشل الإسرائيلي في تنفيذ مخطط إسقاط النظام أو استسلامه، لم يكن يتوقع مدى سرعة الجانب الإيراني في استعادة تماسكه وذهابه لتنفيذ عملية دفاعية منظمة ظهرت على أنها نتاج تخطيط مسبق بالتوازي مع صدمته من القدرة التدميرية للصواريخ والمسيرات الإيرانية، وعدم فاعلية الدفاعات الجوية في تحييد خطرها.

وإذا ربطنا هذا الواقع بإستراتيجية "الجيش" الإسرائيلي في إدارة معاركه، والتي بات من الممكن تعريفها بالقدرة على الحسم السريع وحصر ساحة العمليات في أراضي العدو وعدم الغرق في استنزاف يطال أراضي الكيان لفترة طويلة، فإن الحرب الحالية مع الجمهورية الإسلامية ستشكل فشلاً ذريعاً للتطبيق العملي لهذه الإستراتيجية التي تبناها وعمل عليها منذ عام 2015.

فعلى الرغم من الإنجازات التي ادّعى الكيان الإسرائيلي تحقيقها لناحية الضربات الدقيقة التي اعتقد أنها ستكون كفيلة بإخضاع النظام وانتزاع أدوات القوة التي يمتلكها، خصوصاً لناحية تركيزه على إطباق هيمنته على الأجواء الإيرانية وادّعاء تدميره الجزء الأكبر من منصات الإطلاق والمخازن والقدرات التصنيعية للصواريخ، أبدت الجمهورية الإسلامية صلابة وقدرة على امتصاص الضربات عكستا قوة النظام وقدرته على تحويل المعركة من معركة خاطفة إلى معركة استنزاف أدخلت الكيان في دائرة الخوف من فشل قادته في بلورة إستراتيجية للخروج من المعركة، وبالتالي فقدانه زمام المبادرة في تقرير المسار المناسب، إن كان على مستوى إستمرار المعركة أو إنهائها، فقد ظهر واضحاً أن المستوى العسكري الإيراني قد بدأ منذ الأيام الأولى للعدوان باختبار مناورات إطلاق صواريخ جرى التحضير لها مسبقاً بما يؤكد إصراره على إدارة المعركة بالطريقة التي تناسبه.

 وعليه، يمكن اعتبار النتيجة غير المرضية للهجوم الإسرائيلي والرد الإيراني دافعاً لتغيير إستراتيجية الولايات المتحدة في إدارة المعركة. فإذا كان التحليل السائد يفترض إدارة الولايات المتحدة لهذه المعركة من ناحية المساعدة الفاعلة في جمع المعلومات وإقامة جسر جوي لإمداد الكيان بما يحتاجه من ذخيرة وتأمين الحماية للكيان عبر دمج الدفاعات الجوية الأميركية المتمركزة في العراق والأردن ودول الخليج، وكذلك تلك التي تم استقدامها على متن البوارج إلى شرق المتوسط والبحر الأحمر، فإن ذلك كان يفترض تقدير الولايات المتحدة أن ذلك كافٍ لتحقيق أهداف الحرب على الجمهورية الإسلامية.

وعليه، بعد أن لمست الولايات المتحدة تمكن الجمهورية الإسلامية من امتصاص صدمة الضربة الأولى وشعور الكيان بأنه قد أُدخل في حرب استنزاف غير محددة زمنياً، ذهبت الولايات المتحدة في اتجاه محاولة أخذ المعركة إلى بُعد مختلف من خلال دخولها المباشر في عملية هجومية استخدمت فيها درّة قدراتها التدميرية عدّت بعدها أن مهمة تدمير البرنامج النووي الإيراني قد أُنجزت، وأن الظروف الحالية باتت مناسبة لوقف الحرب.

في هذا الإطار، يمكن بالاستناد إلى تقييم أولي للمخابرات الأميركية كشفت عنه الـ"سي إن إن"، حيث خلص إلى أن الضربات قد أخرت البرنامج لبضعة أشهر فقط، وأن الإعلان عن تحقيق الأهداف من الحرب على إيران ليس حقيقة إستراتيجية، وإنما مجرد رغبة أو إعلان يستهدف وقف المعركة.

وحتى لا نغوص في الفرضيات التي تحاول سبر حقيقة من تمكن من جر الآخر إلى هذه المغامرة، رغم إيماني بأن إدارة ترامب هي العقل المدبر لمخطط ضرب إيران، فإن السيناريو الذي انتهت المعركة وفقه يؤكد تقاطع كل من نتنياهو وترامب حول الأهداف نفسها والخلاصات نفسها، إذ يمكن اعتبار التدخل الأميركي الهجومي محاولة لتقييد آليات الإستراتيجية الإيرانية لإدارة المعركة بمجموعة من المحاذير التي عبّرت من خلالها الولايات المتحدة باستعدادها لتصعيد من دون أفق من أجل دفع إيران إلى القبول بوقف إطلاق النار والتقليل من قيمة الإنجاز الإيراني، وذلك عبر الدخول في مواجهة بين سرديات متناقضة في تقديرها لنتائج المعركة وتجنيب الجانب الإسرائيلي مرارة الاعتراف بالفشل في تحقيق الأهداف التي أعلنها نتنياهو يوم 13 حزيران/يونيو.

"إسرائيل" تشن عدواناً على الجمهورية الإسلامية في إيران فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو يستهدف منشآت نووية وقادة عسكريين، إيران ترد بإطلاق مئات المسيرات والصواريخ التي تستهدف مطارات الاحتلال ومنشآته العسكرية.