العراق وسط التنافس التركي- الإيراني
ينقسم العراقيون، ومنهم القريبون من تركيا، حول المشروع السككي، إذ يرى البعض فيه مصلحة لإيران على حساب العراق فيما يعدّه آخرون فرصة لتنشيط التجارة وتحسين العلاقات بين البلدين.
-
علاقة بغداد بكل من طهران وواشنطن فإنها تنتظر وضوح سياسة ترامب.
أربك التغيير المفاجئ في سوريا العراق، سواء على الصعيد الداخلي، أو على صعيد علاقة بغداد بكل من طهران وأنقرة، إذ أعادت بغداد فتح السفارة العراقية في دمشق، وأرسلت وفداً أمنياً برئاسة مدير جهاز الاستخبارات.
تسعى حكومة السوداني للوصول إلى تفاهمات ثنائية مع أنقرة على صعيد عدد من الملفات السياسية والاقتصادية، بما فيها طريق التنمية والمياه والشراكة الاقتصادية، لكن لبغداد رؤيتها المختلفة عن رؤية تركيا على صعيدي "حزب العمال الكردستاني" والإدارة الجديدة في سوريا.
أما علاقة بغداد بكل من طهران وواشنطن فإنها تنتظر وضوح سياسة ترامب، غير أن العراق يحرص أن تظل علاقته متوازنة بين الطرفين، وأن يكون وسيطاً أو ناقل رسائل أميناً وألا يكون طرفاً في أي مواجهة محتملة يمكن أن تؤثر في تحديد مستقبل العلاقة مع بغداد.
يتناغم العراق مع توجهات ترامب الاقتصادية والتجارية أكثر من الملف السياسي. وينطبق الأمر نفسه مع تركيا. وكان وزير الخارجية التركي قد أعلن خلال زيارته بغداد عن عزم بلاده ضم سوريا إلى مشروع طريق التنمية الذي يهدف إلى ربط دول الخليج بتركيا عبر العراق، وتتضمن هذه الخطة الطموحة إنشاء شريان جديد للبنية التحتية مواز لنهر الفرات، ما يمهد الطريق لتطورات اقتصادية وجيوسياسية. فهل سيتضارب هذا المشروع مع المشروع السككي العراقي -الإيراني؟ وهل أثرت المتغيرات في سوريا على المشروع، وما علاقة مشروع الفاو به، في ظل السعي التركي لحصد أكبر فائدة من المشاريع الجيواستراتيجية بعد التحوّل الذي قادته في سوريا؟
مشروع طريق التنمية هل يتضارب مع المشروع السككي
تلعب تركيا دوراً محورياً في مشروع طريق التنمية، إذ يمثل عملية بعيدة المدى لإعادة تصميم التدفقات التجارية والسياسية في المنطقة، من خلال ربط موانئ الخليج بالبحر الأبيض المتوسط عبر العراق وسوريا وتركيا. يمكن أن يتحوّل هذا الطريق إلى شريان نقل رئيسي للبضائع والطاقة والأشخاص، بالنسبة إلى أنقرة، وبذلك تعزز تركيا دورها كمركز محوري في الطرق الدولية.
إدراج سوريا في مشروع طريق التنمية يحمل بعداً سياسياً، إذ تحاول أنقرة تعزيز نفوذها في المناطق الشمالية من سوريا، حيث لديها وجود عسكري، كما أن بناء طريق مواز لنهر الفرات يمكن أن يضمن لتركيا سيطرة أكبر على موارد المياه في المنطقة. وكانت دول الخليج مثل قطر والإمارات العربية المتحدة قد أعربت عن اهتمامها بالمشاركة في التمويل. أما العراق، فسيتحوّل إلى نقطة عبور رئيسية بين الخليج والبحر الأبيض المتوسط، لكن هذا المشروع، يمكن أن يشكل تهديداً لنفوذ إيران في المنطقة، ويقلل من الوزن الاستراتيجي لممراتها التجارية تجاه العراق وسوريا، كذلك بالنسبة إلى الصين، التي روّجت لمبادرة "الحزام والطريق"، والتي يمكن أن تعدّ مشروع طريق التنمية تحدياً لطموحاتها في مجال البنية الأساسية.
يعدّ طريق التنمية رمزاً لمرحلة جديدة في المنافسة الجيوسياسية في الشرق الأوسط، يمكن أن يرسخ مكانة تركيا في مشروع يجمع بين الاقتصاد والسياسة، لكن تركيا ترى أن إيران تلعب دوراً محورياً في علاقتها مع العراق. وفيما تحاول أنقرة تشجيع العراق على المشاركة في ضرب "حزب العمل الكردستاني"، تتهم إيران بدعمه. تسعى تركيا عبر التعاون مع العراق إلى إضعاف نفوذ إيران، وتحاول عبر وزير خارجيتها، وفي سياق التنافس الإقليمي على النفوذ في المنطقة، أن تدعم علاقتها بالعراق الذي لا يريد أن يكون ساحة لصراعات القوى الإقليمية والدولية، بل الاستفادة من دوره كوسيط بينها.
المشروع السككي هل يفيد إيران أم العراق وإيران معاً؟
ينقسم العراقيون، ومنهم القريبون من تركيا، حول المشروع السككي، إذ يرى البعض فيه مصلحة لإيران على حساب العراق، فيما يعدّه آخرون فرصة لتنشيط التجارة وتحسين العلاقات بين البلدين.
ويمتد خط السكك الحديد من مدينة الشلامجة الإيرانية إلى مدينة البصرة العراقية بطول 32 كيلومتراً، بمسارين مقترحين؛ إما عبر الحدود السورية أو عبر مدينة البوكمال السورية، ويهدف إلى نقل 3 ملايين مسافر بين البلدين ونقل البضائع.
وضع رئيس الوزراء العراقي حجر الأساس للمشروع في أيلول/سبتمبر 2023. لكن تطورات الأوضاع السياسية في سوريا كانت أحد العوامل التي أثرت كثيراً في مشروع الربط السككي بين العراق وإيران. بعض الخبراء الاقتصاديين رأوا أن هذا المشروع قد انتهى بعد التغيرات السياسية في سوريا، ولم تعد إيران قادرة على تنفيذه وهي ستحتاج إلى تغيير إستراتيجيتها.
تطلبت المرحلة الأولى من المشروع خطاً سككياً مع العراق من خلال منفذين؛ إما عبر الشلامجة ومن ثم الارتباط بالشبكة العراقية للسكك الحديد، والثاني عبر خسروي خانقين في المنطقة الوسطى من العراق.الهدف النهائي كان توسيع شبكة السكك العراقية لتصل إلى ميناء طرطوس وميناء اللاذقية. يرى خبراء اقتصاديون أنه كان يمكن للعراق أن يستفيد من هذا الربط كونه ممراً بريّاً للبضائع الإيرانية والسورية والأوروبية، ولكن المنفعة الاقتصادية الكبرى كانت ستتحقق لو استغل العراق هذا الربط في إنشاء مصانع بالقرب من شبكة السكك لتصدير بضائعه عبر الموانئ السورية.
أما المحللون الاقتصاديون الإيرانيون فيؤكدون أن الهدف الرئيسي هو الربط التجاري لنقل البضائع، ما سيساعد إيران في إيصال بضائعها إلى الأسواق العراقية بسهولة وسرعة، وخفض تكلفتها، وزيادة تنافسيتها مقارنة بالسلع الأخرى.
ماذا عن مستقبل ميناء الفاو؟
هل يؤثر الربط السككي بالدول المجاورة، خصوصاً إيران والكويت وغيرهما، على مستقبل ميناء الفاو؟ ميناء الفاو يخدم تركيا وسوريا والأردن ولبنان وغيرها من الدول مروراً بالمناطق الشمالية والغربية، حيث يمكن للبضائع القادمة من الصين أو اليابان أو أي دولة أخرى أن تُفرغ بضائعها في الميناء ثم تنقل البضائع إلى أوروبا عبر تركيا. المتحدث باسم وزارة النقل العراقية، أكّد أن المشروع السككي إستراتيجي وسيسهم في زيادة الاقتصاد العراقي وتنويعه، بالإضافة إلى نقل أكثر من 5 ملايين زائر ومسافر سنوياً بين البلدين.
عقدت وزارة النقل العراقية اجتماعاً في 15 يناير/كانون الثاني الماضي مع اللجنة الخاصة بمشروع البصرة-شلامجة لنقل المسافرين والزائرين، وأكدت أن المشروع صديق للبيئة وسيخفف من حوادث الطرق بين البلدين الناتجة من استخدام الحافلات في طرق وعرة، وسيعزز السياحة بين البلدين. ويقول خبراء اقتصاديون ووزراء سابقون إن الهدف الرئيسي من الخط هو أن تستغل إيران موانئها على الخليج لتكون الممر المؤدي إلى "طريق التنمية" الذي ينوي العراق بناءه إلى الموانئ التركية على البحر المتوسط.
بينما ما يزال ميناء الفاو الكبير قيد الإنشاء، فإن موانئ إيران جاهزة للعمل. وسواء تعثر مشروع ميناء الفاو الكبير أو حتى لو تم إنجازه، فإن الموانئ الإيرانية سوف تكون شريكاً مباشراً.
الغاية من المشروع هي نقل المسافرين والبضائع، إذ إن هناك ممرين لطرق الحرير، أحدهما بحري والآخر بري، والبحري يمتد من شمال الصين إلى أوروبا وأفريقيا عبر البحر الأحمر، والطريق الآخر يمتد من الصين إلى موانئ إيران الجنوبية التي تتمتع بموقع جيوستراتيجي مهم، ومنها تشحن البضائع، أما الطريق البري فيمتد من جنوب الصين إلى كازاخستان ثم آسيا الوسطى ثم غرب إيران، ومن غرب إيران تتفرع ثلاثة طرق أحدها يذهب إلى إسطنبول ثم إلى أوروبا والآخر إلى أذربيجان.
أما الطريق الثالث الذي يهم العراق، فهو الذي يربط إيران بالعراق وسوريا، وهو الطريق الوحيد الذي يربط بطريق الحرير.
انطلق المشروع مؤخراً، ويشمل تسهيل نقل المسافرين إلى العراق، ما سيسمح لإيران بأن تكون في مركز تدفقات البضائع في الشرق والغرب والشمال والجنوب. ترى الحكومة العراقية أن المشروع يشكّل أحد مشاريع النقل المهمة في المنطقة، وسيسهم أيضاً في نقل الزائرين من بلدان وسط آسيا باتجاه العراق، ويشكّل مقدمة لمشاريع نقل إستراتيجية وتجارية ستربط العراق بدول الجوار.