المشهد الإسرائيلي إذا نجح نتنياهو في السيطرة على الشاباك والقضاء

يبالغ نتنياهو في التعبير عن غطرسته وإنجازاته الأمنية في الحرب مع غزة ولبنان وإيران والأهم في سقوط النظام في سوريا، وهنا يمكن فهم اندفاعات نتنياهو ضد رئيس الشاباك والمستشارة القضائية للحكومة.

0:00
  • يصف الإعلام الإسرائيلي مساعي نتنياهوفي تصفية خصومه بعملية تنظيف للأمعاء الداخلية.
    الإعلام يصف مساعي نتنياهوفي تصفية خصومه بعملية تنظيف للأمعاء الداخلية.

يصف الإعلام الإسرائيلي مساعي نتنياهو المتواصلة في تصفية خصومه داخل مؤسسات الكيان الإسرائيلي بعملية تنظيف للأمعاء الداخلية، هذا التنظيف مع ما يواكبه من عسر هضم واختلالات في الإخراج، يجعل حركة المشي على حدّ السيف أكثر دقة وخطورة، على الرغم من كل النجاحات الداخلية التي حققها نتنياهو منذ بداية الحرب، وآخرها تمرير موازنة "الدولة" الأضخم عسكرياً مع ما تحمله من عجز مالي يثقل كاهلها، ونتنياهو يندفع بشكل غير محسوب نحو تصفية المؤسستين الأمنية والقضائية من معارضي سياساته.

بين عملية التنظيف والعملية الجراحية فاصل دقيق ممهور بالدم، وهنا يقف الشارع الإسرائيلي كوعاء لهذا المخاض الذي قد ينزف إذا تجاوزت عملية التنظيف طابعها القانوني ودخلت حالة من الجراحة العميقة، وهو ما قد يظهر عند أول عملية اغتيال سياسي أو مقتل متظاهر في الشارع، إذ نجح نتنياهو حتى الآن في الحيلولة دون ذلك، خاصة مع الثورة القضائية التي سبقت "طوفان الأقصى"، أو عملية إتمام السيطرة على حزب الليكود عند إقصاء وزير الدفاع السابق يوآف غالانت، ما سمح بالسيطرة على المؤسسة العسكرية، مع تصعيد الضغط على رئيس الأركان هرتسي هليفي، وهو الضغط الذي دفعه إلى الاستقالة مؤخراً.

جاء نشر رئيس أركان "جيش" الاحتلال الجديد إيال زمير صورته مع رئيس الشاباك رونين بار لحظة تجديد الحرب على غزة، في الوقت ذاته الذي تصادق فيه الحكومة وبالإجماع على إقالته، ما يشير إلى توجهات مقلقة لنتنياهو تجاه "الجيش" الذي ظن أنه حسمه لصالح مخططاته، ما دفع وزير الدفاع الحالي يسرائيل كاتس، وهو العبد المطيع لنتنياهو، إلى دعوة زمير إلى اجتماع عاجل لحلّ ما وُصف بالخلافات داخل "الجيش".

يبالغ نتنياهو في التعبير عن غطرسته وإنجازاته الأمنية في الحرب مع غزة ولبنان وإيران، والأهم في سقوط نظام الأسد في سوريا، وهنا يمكن فهم اندفاعات نتنياهو الخطيرة ضد رئيس الشاباك رونين بار، وضد المستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف ميارا، وبينهما تداخل، خاصة مع وضع الأخيرة والمحكمة العليا عقبات أمام إقالة بار حتى تم تجميد القرار، في وقت يصرّ نتنياهو على تمرير الإقالة متجاوزاً أوامر المحكمة العليا، عندما وضع جدولاً للقاء المرشحين لخلافة بار، على الرغم من العقبات القانونية التي تحول دون تمرير إقالة المستشارة القضائية أيضاً.

يستغل نتنياهو ملفيّ الحرب والإقالات بحيث يواجه كل منهما الآخر، فهو يتذرع بالحرب لتخفيف حدّة معارضة الشارع للإقالات، لأن أولوية الشارع تكمن في تجاوز الأزمات الأمنية والخروج من عقدة السابع من أكتوبر، ويتذرع بالإقالات لضمان تحقيق أهداف الحرب بتحقيق النصر المطلق، على اعتبار أن هؤلاء الخصوم يشكلون كوابح أمام الحكومة في تحقيق مساعيها، ما يشغل الشارع الإسرائيلي عما ينتظره من مخاطر.

تتمحور مخاطر نجاح نتنياهو في تصفية خصومه وفق ثلاثة مسارات رئيسة، هي:

أولاً: انكفاء روح المشروع الصهيوني، في وقت يتوجب على "دولة" الاحتلال الإسرائيلي تجديد روح الحركة الصهيونية، باعتبارها قارب إنقاذ الكيان في أزماته الاستراتيجية، والكيان بعد السابع من أكتوبر ما زال في خضم هزيع عصبي، لا يمكنه الخروج منه بسلام إلا عبر تجديد مكوناته الأيديولوجية والسياسية المكثفة بالمشروع الصهيوني، فهل يمكن لهذا الكيان الدخول في هذا التجديد الروحي بمجرد استحضار نتنياهو نموذج ملهمه الفكري زئيف جابوتنسكي المتوفى قبل قيام "الدولة"، أو عبر إطلاق عمليات عسكرية تحمل مسمى مشروع جابوتنسكي بالسور الحديدي في الضفة الغربية، بهدف إفقاد الفلسطينيين الأمل بأي طموح سياسي؟

التجديد الروحي والفكري يأتي من خلال مسار تعزيز القيم وتطويرها، وهنا المقصود القيم الدستورية والروحية التي قامت عليها "دولة" الاحتلال، وأهمها:

1- قيمة الإنسان اليهودي، وقد تم طمسها عبر تهوين وجود الأسرى الإسرائيليين في غزة بالعشرات ومقتل بعضهم، وفي خسارة الجنود في المعارك، حيث باتت هذه الخسارة التي تجاوزت 16 ألف جندي بين قتيل ومعوق، مجرد رقم مستساغ في خطط نتنياهو ومغامراته التي باتت تخالفه فيها أغلبية الشارع الإسرائيلي، لذا هو يهرب من المطالبة بالانتخابات، رغم أنه كررها خمس مرات خلال أربع سنوات، حتى حاز على الأغلبية ليرفضها الآن، رغم التطورات الهائلة في حال الكيان الإسرائيلي.

2- هيبة القضاء واستقلاله عن السلطة التنفيذية، وقد استهل نتنياهو حكمه الراهن بمحاولة تفكيك منظومة القضاء، وهو الآن يقف مباشرة في وجه المحكمة العليا وهي تجمّد قرار عزل رئيس الشاباك، كما يقرر عزل المستشارة القضائية لأنها تدقق في قانونية قرارات حكومته وتتصدى للعبث بالقانون.

3- محورية رأي المؤسستين الأمنية والعسكرية في شؤون الحرب، وقد اعتادت الحكومات طوال عمر الكيان الإصغاء إلى رأي أهل الاختصاص في هاتين المؤسستين، ولكن نتنياهو وحكومته يقفون في وجههما مع سعي حثيث لتهميش مواقفهما رغم اتصالها بحالة الحرب.

ثانياً: طمس قيم "الدولة" الديمقراطية والليبرالية، وهي القيم التي ميزت كيان الاحتلال عن محيطه الشرق أوسطي، وجعلته في مصاف الدول الأوروبية، خاصة مع قدرة الكيان طوال العقود السابقة على التوفيق بين التأصيل الديني اليهودي، وبين الحكم العلماني المساير للحضارة الغربية في التناوب على السلطة، مع الحرية السياسية الداخلية وحرية الرأي والإعلام، في وقت يأخذ نتنياهو مشروع "الدولة" خلف تهريج بن غفير الديني وتطرف سموتريتش السياسي، بموازاة التدين النمطي المغلق للحريديم الرافضين للتجنيد لأجل العزلة في دراسة التوراة، وذلك بدعم من حزبين رئيسين في حكومة نتنياهو وهما شاس وديجل هتوراه.

وهنا، يمكن تفسير خطط نتنياهو في سن قوانين تقيّد عمل وسائل الإعلام، ما يعني شطب العديد من المؤسسات الإعلامية الكبرى، ولعل قرارات الحكومة الأخيرة كلها بالإجماع، على غير عادة حكومات الاحتلال، تؤكد وجهة الدولة نحو الاستبداد إن لم يكن الملكية الشمولية، في وقت بات حزب الليكود خالياً من وجهات نظر متعددة، وليس فيه شخصية موازية لنتنياهو أو تأتي خلفه تباعاً.

ثالثاً: تعريض "الدولة" لخطر وجودي، فإن غلبة شعور الغطرسة في ظل حروب متلاحقة متوازية، مع انشقاقات داخلية لا يتم الالتفات لها أو مراعاتها، وإصرار رئيس الحكومة على تمرير قراراته من دون مراجعة، ما يحول دون توفر كوابح الحماية الدولية وخاصة الأميركية، والتي تبقى مظلة الحصن الحصين للكيان الإسرائيلي، خاصة مع تصاعد هذه المخاطر في ظل الحرب وانفتاحها الإضافي داخل العمق السوري المغري بالفراغ، وربما مع إيران واليمن.

 وهنا، فإن الدولة العميقة في أميركا و "إسرائيل" وهي تستشعر هذه المخاطر الوجودية، قد تجد نفسها مضطرة لوقف نتنياهو عند حدّه، وتحول دون هذه الاندفاعات المتصاعدة عبر توفير مظلة حماية لحكومته، والأهم ضبط حالة التوتر العصبي في الشارع الإسرائيلي ما يحفظ قدرته على احتواء المخاطر الأمنية دون مزيد من الحروب.