حكومة نتنياهو بين نارين؛ معارضي الصفقة ورافضي التجنيد، فهل تصمد؟
لم يكد نتنياهو ينتهي من تهدئة مخاوف شركائه في اليمين الصهيوني على خلفية مفاوضات الهدنة، حتى ثار غضب شركائه المتدينين الحريديم على خلفية أزمة قانون التملص من التجنيد.
-
من المرجح أن يستمر نتنياهو بالدفع في اتجاه إنجاز صفقة التبادل.
سارع نتنياهو بعد عودته من واشنطن مباشرة إلى الاجتماع بشريكيه المتطرفين في الائتلاف؛ بن غفير وسموتريتش كلٌ على حِدة، لطمأنتهما بشأن نواياه ولمنعهما من الانسحاب من الحكومة على خلفية معارضتهما الشديدة لصفقة التبادل التي يعدّانها "صفقة استسلام". بدا نتنياهو بعد الاجتماع أقل قلقاً على سلامة الائتلاف، وأكثر مرونة وميلاً لتحقيق اختراق في مفاوضات الهدنة.
ويبدو أن هذا "الاطمئنان" انعكس على مخرجات اجتماع الكابينت ليل الأحد، إذ أفادت مصادر حضرت الاجتماع أن نتنياهو يُظهرُ استعداده لإبداء مرونة بشأن الانسحاب من محور موراغ، الذي يمتد بين رفح وخان يونس، ما يمهد الطريق لتقديم خرائط مُحدثة لانتشار "جيش" الاحتلال في القطاع، غير تلك التي رفضتها حماس، ويسمح بالوصول إلى صيغٍ توافقية تتيح الإعلان عن التوصل إلى اتفاق.
يدرك نتنياهو أن شريكيه المتطرفين، اللذين سبق أن عارضا صفقات التبادل مرتين، سيعارضانها هذه المرة أيضاً، مع امتناعهما حتى اللحظة عن التهديد بالانسحاب من الحكومة أو تفكيك الائتلاف على خلفية اتفاق الهدنة الذي يبدو أنه سيحظى بأغلبية في الكنيست وفي الحكومة من دون أصوات بن غفير وسموتريتش وحزبيهما.
لم يكد نتنياهو ينتهي من تهدئة مخاوف شركائه في اليمين الصهيوني على خلفية مفاوضات الهدنة، حتى ثار غضب شركائه المتدينين الحريديم على خلفية أزمة قانون التملص من التجنيد الذي وعدهم نتنياهو بتمريره منذ شهور ولم يفعل.
فقد أعلن حزبا "شاس" و "يهدوت هتوراة" الممثلين لليهود الحريديم في كنيست الاحتلال، أنهما يستعدان للانسحاب من الحكومة والائتلاف؛ نظراً لعدم إحراز تقدم في مشروع قانون يُنظّم إعفاء طلاب المدارس الدينية الحريدية من التجنيد الإجباري. ويبدو، هذه المرة، أن رئيس حزب "شاس" أريه درعي، الذي امتنع عن خطوات مماثلة سابقاً، يقود شخصياً المساعي لانسحابٍ مشترك لجميع ممثلي اليهود المتدينين من الحكومة.
ينفد صبر الحريديم، وتشهد قواعد أتباعهم إحباطاً وغضباً شديدين بسبب عدم إحراز تقدم في مشروع قانون ينظم تملص طلاب المدارس الدينية من الخدمة في "جيش" الاحتلال، نتيجة تلكؤ نتنياهو وادلشتاين عن اتخاذ خطوات عملية لتمرير القانون في الكنيست.
ويبدو أن الحاخامات أوعزوا هذه المرة إلى القيادة السياسية بمنح نتنياهو فرصة أخيرة مدتها أربعٌ وعشرون ساعة لإحراز تقدم في مشروع القانون، وفي حال تعذّر طرحه فمن المتوقع اتخاذ قرارات حاسمة تُفضي إلى الاستقالة من الائتلاف، وهي خطوة ستقود إلى حلّ الكنيست"، حيث "لم يترك نتنياهو خياراً آخر" وفق ما صرح به قادة الحريديم.
أما أريه درعي، زعيم "شاس"، الذي يقود هذا الحراك، فيعلم أن مشروع قانون التجنيد يتضمن تعديلات لن تُقرّها الهيئات الحاخامية العليا في حزبه، ولذلك يُحاول جاهداً منع إقرار القانون ويفضل الترويج للاستقالة من الحكومة على تمرير القانون بصيغته الحالية. وحتى لا يُتهم درعي بأنه هو المتسبب في حلّ حكومة اليمين، يدفع بحزب "يهدوت هتوراة" إلى الاستقالة أولاً، ليتبعه حزب "شاس" لاحقاً.
ومع أن حزبَي "شاس" و "يهدوت هتوراة" لا يُعلنان عن نيتهما حلّ الكنيست في الوقت الحالي، بل الانسحاب من الحكومة والائتلاف في المرحلة الأولى، إلا أن نتنياهو سارع، على إثر تهديداتهما، إلى لقاء رئيس لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست، يولي إدلشتاين، وطالبه بتقديم مسودة قانون بسرعة، وتعهد بتقديمها بحلول نهاية الأسبوع.
بالنسبة إلى إدلشتاين، الذي يقال بأنه يُكنّ كُرهاً لنتنياهو، يجد نفسه اليوم بين مطرقة الحريديم الذين يطالبونه بتقديم قانون للتهرب من الخدمة العسكرية، وسندان ممثلي جنود الاحتياط وأعضاء الكنيست من المعارضة والائتلاف، الذين يطالبون بقانون تجنيد حقيقي يُلزم الحريديم بالتجنيد. يدّعي أعضاء الكنيست الحريديم أنهم يتعرضون للخداع، ولا يعتقدون بأن نتنياهو سيفي بوعوده ويُقر قانون التجنيد في الدورة الحالية للكنيست، لذلك فإنهم لا يستبعدون احتمال الانسحاب من الحكومة من دون إسقاط الائتلاف، كما فعل بن غفير في أعقاب الهدنة السابقة، والعودة فقط في حال طرحِ قانون التجنيد للتصويت، بمعنى أنهم سيحاولون تشريع قانون التجنيد خارج الحكومة عبر الضغط السياسي.
تُدرك الأحزاب الحريدية أن إعادة تقديم مشروع قانون لحل الكنيست أصبح مستحيلاً قانونياً وعملياً، بسبب التصويت عليه وإسقاطه قبل شهر حيث لا يُتيح القانون الاسرائيلي التصويت عليه مرة أخرى إلا بعد مضي 6 أشهر على آخر تصويت، وأن خيار الأحزاب الحريدية الوحيد المتبقي للضغط على نتنياهو هو الانسحاب من الحكومة، خصوصاً بعد أن امتنع أعضاء الكتلتين عن التصويت مع الائتلاف على مشاريع القوانين التي طرحها، ما اضطر الائتلاف إلى سحب جميع مشاريع قوانينه التي كان من المفترض التصويت عليها في الجلسة العامة، من دون أن تدفع هذه المقاطعة نتنياهو إلى عرض المشروع للتصويت.
ومع ذلك، من المتوقع أن يلتقي إدلشتاين، بعد الاجتماع مع رئيس الوزراء نتنياهو، ممثلي الحريديم لمحاولة التوصل إلى تفاهمات يبدو أنها ستكون صعبة في هذه المرحلة، خصوصاً أنه لن يكون من الممكن إقرار القانون خلال الدورة الصيفية الحالية، وسيتم تأجيل التشريع لأشهر عدة إلى ما بعد العطلة الصيفية للكنيست. زد على ذلك أن "الجيش" الإسرائيلي أعلن الأسبوع الماضي أن الشرطة العسكرية ستبدأ في غضون أسبوعين حملةً تشمل اعتقالات لتنفيذ أوامر التجنيد التي أُرسلت إلى عشرات آلاف الشبان الحريديم، وفي حال نُفّذ هذا الأمر واعتقل "طالب واحد من طلاب المدارس الدينية"، وفق تحذير قادة الحريديم، فإنهم سيستقيلون فوراً من الحكومة.
يتزامن هذا الحراك مع ما نقلته مصادر عبرية من أن سكرتير مجلس الوزراء، يوسي فوكس، طالب اليوم، الاثنين، قضاة المحكمة العليا خلال جلسة استماع سرية بالسماح لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتعيين رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) حتى خلال فترة الانتخابات، ما يقرأ كمؤشر على أن نتنياهو يستعد لاحتمال تقديم موعد الانتخابات في ظل الأزمة الائتلافية.
ولو افترضنا جدلاً إمكان انهيار حكومة نتنياهو بسبب المواقف المتشددة لبن غفير وسموتريتش من الصفقة، أو بسبب انسحاب الأحزاب الحريدية على خلفية أزمة قانون التجنيد، فإن "إسرائيل"، على أي حال، على وشك الدخول في عام انتخابي، ونتنياهو عملياً يمهد الطريق لانتخابات مبكرة ويخوض بالفعل حملة انتخابية، ويبدي ثقة من أنه سيحقق إنجازاً كبيراً لحزب الليكود في الانتخابات بما يضمن له العودة لرئاسة الحكومة مجدداً.
لذا، من المرجح أن يستمر نتنياهو بالدفع في اتجاه إنجاز صفقة التبادل، في مرحلتها الأولى على الأقل، بغض النظر عن وضع حكومته التي يبدو أنها ستصمد إلى ما بعد عطلة الكنيست الحالية. وليس من الواضح ما إذا كان نتنياهو، الذي عادة ما يؤجل قراراته حتى اللحظة الأخيرة، سيختار الاستجابة لرغبة الولايات المتحدة في المضي في الهدنة للوصول إلى ترتيبات تُفضي إلى نهاية الحرب، مع اقتراب نهاية فترة وقف إطلاق النار، في حال حدث، أم أنه سيجد ذريعة لإقناع ترامب بضرورة العودة إلى القتال واستمرار الحرب.