ترؤس مدني للوفد اللبناني المشارك في الميكانيزم: بين إشكالية السيادة والحرب النفسية

القرار اللبناني يفتقر إلى الشفافية لناحية الهدف من ضمّ عنصر مدني إلى الوفد المفاوض؛ إذ إن القول إن القرار يستهدف الدفاع عن سيادة لبنان لا يتفق مع ما هو معروف من إملاءات فرضتها أورتاغوس.

0:00
  • تجربة إتفاق 17 أيار وما تلاها من إنتفاضة في 6 شباط ما زالت حاضرة في الوجدان اللبناني.
    تجربة اتفاق 17 أيار وما تلاها من انتفاضة في 6 شباط ما زالت حاضرة في الوجدان اللبناني.

بعد مسار طويل من الضغوط العسكرية والسياسية والإعلامية، التي تقاطعت من أجلها منظومة القوى اللبنانية المناوئة للمقاومة مع تلك التي تمثلها الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي بالإضافة إلى مجموعة أخرى من القوى الإقليمية والدولية، رضخت الدولة اللبنانية للمطلب الأميركي بتعيين مدني لرئاسة الوفد اللبناني المكلف بمتابعة المسار التقني المتعلق بوقف الأعمال العدائية الذي أقرّه اتفاق 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024.

وإذا كان من الممكن لرئيس الجمهورية أن يقدم تبريراً لهذا القرار بالاستناد إلى الواقعية في التعاطي مع الضغوط والتهديدات الإسرائيلية والأميركية، بالإضافة إلى إخراج قراره على أنه ثمرة لتواصل مع الرئاستين الثانية والثالثة، فإن ذلك لن يقدم للقرار أي قيمة مضافة في موضوع شرعيته أو مدى فائدته، وسيبقي من حق أي مراقب أن يسأل عن الآلية والكيفية والسقف الذي سيلتزم به لبنان في هذا المسار، خصوصاً أن هذا الالتزام لم يقابله من الجانب الأميركي أو الإسرائيلي أي التزام أو تعهد أو ضمانة بتحقيق أدنى متطلبات أو حقوق لبنان في هذا الملف.

وعليه،  يجب عدم التركيز على فكرة تعيين مدني للمشاركة في عملية التفاوض مع الإسرائيلي فقط، رغم أنها نقلت التفاوض بحكم الأمر الواقع من المربع التقني والأمني إلى المربع السياسي مع ما يعنيه هذا الانتقال من محاذير قد تضع لبنان على فالق انقسام داخلي قد يطيح بالسلم الأهلي في أي لحظة، إذ إن التجارب السابقة في هذا المجال ما زالت تؤثر في الانقسام المجتمعي.

فتجربة اتفاق 17 أيار وما تلاها من انتفاضة في 6 شباط لا تزال حاضرة في الوجدان اللبناني، وتقدم دليلاً على مدى تأثر السلم الأهلي بالانقسام المجتمعي اللبناني والتباعد في الرؤى الوطنية.

في هذا الإطار، يفرض المسار الذي أدى بالدولة اللبنانية إلى اتخاذ هذا القرار نفسه بقوة مع ما يعنيه هذا الواقع أيضاً من ضرورة تحليل ما يمكن أن ينجر إليه لبنان خلال جولات التفاوض، إذ إن تخطي هذا المسار التفاوضي لما يشكل جزءاً من ذاكرة البيئة المقاومة في لبنان، وقفزه فوق ثوابت الرؤى والأطماع الإسرائيلية في الجنوب اللبناني وكذلك على مستوى تشكيل السلطة في لبنان قد يدفع إلى توترات داخلية غير مضبوطة.

فمنذ اتفاق 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 الذي كان من المفترض أن ينهي العدوان على لبنان، ظهر واضحاً أن المسار الأميركي -الإسرائيلي لكيفية التعاطي مع الواقع اللبناني لا يلتزم بالاتفاق المذكور، ويتعاطى مع آلية الميكانيزم على أنها مجرد آلية هدفها المساعدة في تحقيق الأهداف التي لم تحققها الحرب على لبنان.

فإذا كان تعريف الميكانيزم واتفاق 27 تشرين الثاني/نوفمبر ينحصر في الترجمة اللبنانية تطبيقاً للقرار 1701 في منطقة جنوب الليطاني، بما يعني وقف الأعمال العدائية ونشر الجيش اللبناني في الجنوب من دون أن ننسى إطلاق سراح الأسرى وخروج "جيش" الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية، فإنها تظهر وفق الترجمة الأميركية- الإسرائيلية على أنها ستلعب دوراً في قيادة الجهود المشتركة الأميركية- الإسرائيلية من أجل تحوّل لبنان إلى باحة خلفية تخدم الأمن الإسرائيلي، وبالتالي ستلعب دور الموجّه للدولة اللبنانية في عملية نزع سلاح المقاومة ومحاولة تغيير التوجه الفكري لبيئة المقاومة من خلال التهديد والوعيد وممارسة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والسياسية عليها.

في الأول من آب/أغسطس الماضي، حين ألقى رئيس الجمهورية كلمة بمناسبة عيد الجيش، ظهر واضحاً مدى تصلب الرئاسة الأولى خلف حقوق لبنان السيادية، إذ طرح خطة من نقاط عدة أظهرت توازناً وتمسكاً بإستراتيجية تعتمد على الالتزام بخطوات متبادلة تكون بمنزلة مدخل لتنفيذ اتفاق 27 تشرين الثاني/نوفمبر.

غير أن الحرب النفسية التي خاضتها المنظومتان اللتان تم ذكرهما في بداية المقال قد أرخت بظلالها على المستوى السياسي الرسمي اللبناني، ودفعت نحو تبنّي مسار لا يوافق منطلقات السيادة من قريب أو من بعيد. فإذا كان البعض قد حلّل هذه الحرب النفسية على أنها تستهدف بيئة المقاومة من أجل دفعها نحو التخلي عن المقاومة أو الاستسلام، فإنها رغم قساوتها، وإن أدت إلى شيء من التوتر داخل البيئة نتيجة الغطاء الدولي والعربي للكيان في حرب الإبادة التي شنها في غزة، لم تؤد إلى استسلام البيئة ودفعها إلى التخلي عن المقاومة، وإنما انحصر تأثيرها في دفع البعض إلى البحث عن ما يمكن من خلاله حماية عائلته، وهذا أمر طبيعي وبديهي بطبيعة الحال.

وعليه، ظهر أن الأثر النفسي لهذه الحرب النفسية قد انعكس سلوكاً متجاوباً إلى أقصى الحدود في مكان آخر، أي مع السلطة السياسية التي استجابت لما يمكن اعتباره إملاءات أميركية لا يمكن مقاربتها بأي شكل من الأشكال على أنها تقدم مصلحة لبنانية. 

وعليه، فإن الاستناد إلى ما سبق ذكره من أجل وصف المسار الذي سلكته الدولة اللبنانية سيطرح تساؤلات عدة حول المبادئ التي سيعتمدها المفاوض اللبناني، إن لناحية مبدأ التلازم أو الحفاظ على السيادة أو عدم التفريط في الحقوق أو أدوات القوة التي من الممكن أن تشكل أداة للضغط على الطرف الآخر في حال تكثفت الإملاءات على لبنان. في هذا الإطار، يجب القول إن التفاوض يفترض قدراً من التناسب في موازين القوة أو، بأقل تقدير، وجود تناسب في الأهداف والسقوف التفاوضية بين الطرفين. هنا، يُسأل الجانب اللبناني عن مدى قدرته على فرض خطوطه الحمر وعلى ما يملكه من أجل حماية مصالحه الأساسية.

فإذا كان من السهل معرفة السقف الأميركي- الإسرائيلي الذي تتم من خلاله إدارة العملية التفاوضية مع لبنان، أي محاولة تفكيك عناصر قوة المقاومة وإعادة صياغة الوعي الجماعي لبيئتها بما يجعل لبنان مناسباً للمفهوم الأمني الإسرائيلي، فإن لبنان لم يقدم ما يؤشر إلى وجود رؤية تفاوضية متماسكة أو محددة المعالم. فالقرار اللبناني يفتقر إلى الشفافية لناحية الهدف من ضم عنصر مدني إلى الوفد المفاوض إذ إن القول إن القرار يستهدف الدفاع عن سيادة لبنان وسلامة أراضيه ومصالحه العليا لا يتفق مع ما هو معروف من إملاءات فرضتها أورتاغوس في آذار/مارس الماضي.

كما أن روح بيان رئاسة الجمهورية لا تقدم أي إشارة إلى ضمانات ولا تؤشر في أي مكان إلى حدود التفويض الممنوح لهذا المدني، ولا تشير إلى كيفية ضبط حدود التفاوض وآليات تقييمه.

وبالتالي، يمكن لأي متابع أن يطرح أسئلة كثيرة حول جدوى هذا القرار، إن لناحية ممارسة الدولة لسيادتها أو لناحية التأثيرات السلبية لهذا القرار، خصوصاً إذا لم ينجح المفاوض اللبناني في تحقيق مطلب وقف العدوان وعودة الأسرى وضمان إعادة الإعمار، وارتضى الاستمرار في مسار يحرص فقط على تنفيذ الأجندات الإسرائيلية التي لن تتوقف عند إعادة ترسيم الحدود البحرية أو فرض منطقة أمنية ومنطقة حظر جوي، كما تحاول في سوريا، وإنما قد تتخطاها لخطو خطوة في مسار تحقيق حلم التمدد نحو جنوب الليطاني أو حتى جنوب الأولي.