تعريفات ترامب الجمركية: أهداف أبعد من التجارة
ترامب يريد من خلال فرض الرسوم الجمركية، أن يحصل على تنازلات اقتصادية وسياسية، متهماً الدول "الصديقة والحليفة" بأنها تستغل الولايات المتحدة الأميركية منذ سنوات وسنوات.
-
ترامب والاقتصاد العالمي.. ماذا يحدث؟
يستمرّ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في استخدام صلاحياته في إصدار أوامر تنفيذية، للضغط، عبر ما يمتلك من أدوات قوة، للحصول على مصالح الولايات المتحدة الأميركية بالقوة.
ومؤخراً، أعلن ترامب أنه سيبدأ تطبيق الرسوم الجمركية، بنسبة 25%، على كل واردات الصلب والألمنيوم إلى الولايات المتحدة الأميركية من جميع الدول "من دون استثناءات"، على أن تبدأ مفاعيل هذا الأمر ابتداءً من الـ12 من آذار/مارس المقبل، مؤكداً "أن واردات الصلب من هذه الدول تهدد بالإضرار بالأمن القومي الأميركي".
واستهدف ترامب، في أمر تنفيذي منفصل، "كل واردات الألمنيوم والمنتوجات المشتقة من الألمنيوم من الأرجنتين وأستراليا وكندا والمكسيك ودول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة"، لكنه استدرك وقال إنه يدرس إعفاء أستراليا من الرسوم الجمركية المفروضة على الصلب، بسبب الفائض التجاري للولايات المتحدة معها.
وفي هذا الإطار، تذكر سفارة الولايات المتحدة في أستراليا، عبر موقعها الإلكتروني، أن العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وأستراليا تعززت بعد توقيع اتفاقية التجارة الحرة بينهما (AUSFTA)، والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 2005، بحيث نمت التجارة الثنائية بنسبة 138%.
وتفيد التقارير الاقتصادية أن الميزان التجاري بين الولايات المتحدة وأوروبا هو بالفعل لمصلحة الأوروبيين، بسبب الطلب المرتفع على الواردات الأوروبية في الولايات المتحدة، في مقابل الطلب الضعيف على البضائع الأميركية في أوروبا.
لا شكّ في أن ترامب يريد، من خلال فرض الرسوم الجمركية، أن يحصل على تنازلات اقتصادية وسياسية، متهماً الدول "الصديقة والحليفة" بأنها تستغل الولايات المتحدة الأميركية منذ سنوات وسنوات.
وكان فعل الشيء نفسه خلال ولايته الأولى، حين فرض رسوماً جمركية على الصلب والألمنيوم، بهدف حماية الصناعة الأميركية.
إن ردّ الأوروبيين بالمثل على ترامب، عبر فرض تعرفات جمركية مقابلة، سوف يؤدي إلى تداعيات، لعل أبرزها ما يلي:
1- استفادة الصين
إن فرض تعرفات جمركية على البضائع الأميركية الواردة إلى أوروبا، يعني أن السوق الأوروبية سوف تغرق في المنتوجات الصينية، التي ستصبح أرخص وأكثر طلباً، في مقابل البضائع الأميركية التي سيرتفع سعرها بسبب التعرفات. وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فان ديرلاين، هددت بالفعل بالتوجه نحو الصين، قائلة إن "الوقت حان لإعادة التوازن إلى علاقاتنا بالصين، بروح من الإنصاف والمعاملة بالمثل".
هذا التغلغل الصيني سوف يضرب في الصميم المقاربة الجديدة لحلف الناتو، والتي أعلنها، خلال مؤتمرات الناتو السنوية، خلال عهد جو بايدن، بحيث وضع الحلف، في وثيقته الاستراتيجية للأعوام العشرة المقبلة، "المخاطر الصينية" ضمن مهماته، كما تمّ التركيز، في قمم الناتو السنوية، على "التحدي الذي تشكّله الصين" لأعضاء الحلف، ومنهم أوروبا، التي وجدت نفسها مضطرة إلى السير وراء الأميركيين الذين يخشون المنافسة الصينية العالمية.
2- الانقسام داخل أوروبا
يعاني الاقتصاد الألماني عدّة صعوبات فرضتها الحرب الأوكرانية والعقوبات على روسيا، والتي أدّت إلى ارتفاع أسعار الطاقة، وإغلاق عدد من المعامل وإفلاس بعض الشركات الألمانية. وبناءً عليه، سوف تؤدي حرب التعرفات الجديدة إلى ارتفاع أسعار السيارات الأوروبية في الولايات المتحدة، الأمر الذي سيؤدي إلى انخفاض الطلب عليها. وهذا سوف يفرض تحديات جديدة على مصانع السيارات الألمانية التي تعاني بشدّة منذ بدء الحرب الأوكرانية.
لكن، في الوقت الذي تتشدد دول، مثل فرنسا وألمانيا اللتين تعانيان مصاعب اقتصادية، ولا تريدان لأوروبا أن تخضع لدونالد ترامب، وتهددان بعواقب ومعاملة بالمثل، تجد دول أوروبية أخرى نفسها معنية بمفاوضات جانبية مع الرئيس الأميركي، ومنها على سبيل المثال بولندا والمجر وإيطاليا.
3- ارتفاع اليمين الشعبوي
منذ فوز ترامب، يشنّ إيلون ماسك حملة لدعم الأحزاب اليمينية في أوروبا. وتتذرع الشركات الأميركية (ميتا وغيرها) بحرية الرأي والتعبير لمواجهة "التنظيم الرقمي الأوروبي"، ورفض الإجراءات التي اتخذتها أوروبا لفرض رقابة على وسائل التواصل الاجتماعي، من أجل منع ما تسميه "التدخل في الانتخابات وتوجيهها من طرف المنصات التابعة لأصحاب المليارات الأميركيين".
بناءً عليه، سوف تؤدي الحملة الرقمية، بالإضافة إلى سياسات ترامب ضد أوروبا، وأهمها الحرب التجارية وحرب التعرفات والضغوطات لزيادة موازنة الدفاع والمساهمات في حلف الناتو، إلى تعميق الأزمات الاقتصادية الأوروبية. وبالتالي، سوف تزيد في حظوظ اليمين الشعبوي في الانتخابات المقبلة.