تغيير شكل النظام والدستور في سوريا ينتظر ترامب
يأتي إعلان حلّ الفصائل المسلحة وكلّ الإجراءات المتخذة كرسالة تركية إلى الولايات المتحدة حول جدّية العمل على إرساء المؤسسات الجديدة وإنهاء مرحلة حكم البعث الذي دام 54 عاماً.
استعجلت المعارضة السورية إعلان قرار حلّ الجيش السوري وإعادة بناء قوات مسلحة وإعلان أحمد الشرع "الجولاني"، رئيساً انتقالياً، وجرى العمل على إلغاء دستور عام 2012، وإيقاف العمل بجميع القوانين الاستثنائية، إلى جانب جملة من القرارات الأخرى، أبرزها حلّ "مجلس الشعب"، و"حزب البعث" و"الجبهة الوطنية التقدّمية"، وفي وقت لاحق أعلن 18 فصيلاً حلّ نفسه بما فيها "هيئة تحرير الشام"، بعدما أصدرت تركيا، وفقاً لوزير خارجيتها حاقان فيدان، توجيهاً إلى الأخيرة بحلّ نفسها والاندماج في المؤسسات الناشئة للدولة السورية، في إطار تشكيل وزارة للدفاع قبل أن يعلن ترامب موقفه في سوريا انسحاباً لجيشه أو تثبيتاً له.
فيما الاتصالات بين هيئة تحرير الشام وقوات سوريا الديمقراطية تتمّ بتنسيق عالٍ بين الشرع وتركيا، كانت أنقرة تعمل على الخطة المتفق عليها مع عبد الله أوجلان في إمرالي من أجل دعوة حزب العمال الكردستاني إلى إلقاء السلاح والخروج من سوريا والتنسيق مع "المجلس الوطني الكردي" (مجموعة أحزاب كردية مقرّبة من تركيا وإقليم كردستان العراق) من أجل الوصول إلى صيغة توافقيّة تحدّد مصير "الإدارة الذاتية"، وكانت قسد قد خاضت معارك مع الجيش الوطني السوري الذي ترعاه تركيا بعد محاولته الدخول إلى شرق الفرات عبر سدّ تشرين وجسر كاراكوزك.
في حين لم تستطع تركيا تخطّي الفيتو الأميركي من أجل القيام بعملية برية. وفي سياق مختلف، تخلق تدخّلات الدول الغربية معادلة جديدة داخل سوريا تسمح لقوات سوريا الديمقراطية بحرية أكبر مستفيدة من عدم رغبة مستشاري ترامب الانسحاب من سوريا، أو التخلّي عنها.
تتوسّط الدول الغربية بين قوات سوريا الديمقراطية وهيئة تحرير الشام بمعزل عن تركيا وتأتي هذه التحرّكات لتعزّز موقف القائد العسكري لقسد مظلوم عبدي في تفاوضه مع الشرع، وهو صرّح أنه توصّل إلى اتفاق حول مكانة قوات سوريا الديمقراطية ضمن الجيش السوري المستقبلي، ووحدة الأراضي، ورفض التفكّك، وتنشيط الحوار والحلّ السياسي وأنّ التنسيق العسكري جارٍ فيما يخصّ الرقة ودير الزور وحلب، بحيث ستكون قوات سوريا الديمقراطية جزءاً من هذا الجيش. لكن لم يتمّ تحديد أيّ آلية لذلك.
لم تتمّ دعوة قوات سوريا الديمقراطية لحلّ نفسها على نسق الفصائل المسلّحة التي جرت دعوتها إلى ذلك. وكان دروز السويداء قد أعلنوا أنهم لن يلقوا أسلحتهم حتى إقرار الدستور وتشكيل الدولة.
هناك مجموعتان متمركزتان في درعا، عملتا مع هيئة تحرير الشام ودخلتا دمشق أولاً، تريدان أيضاً إجراء "مفاوضات. وكان وزير الخارجية التركي حقان فيدان، قد اعترف بوجود خلافات مع واشنطن حول الملف السوري، وتحديداً حول مسألتين أساسيتين تشغلان الإدارة الأميركة الجديدة وهما عودة تنظيم "داعش"، وتشكيل حكومة سورية جامعة لجميع المكوّنات السورية.
قسد وتساؤلات اليوم التالي
يأتي إعلان حلّ الفصائل المسلّحة وكلّ الإجراءات المتخذة كرسالة تركية إلى الولايات المتحدة حول جدّية العمل على إرساء المؤسسات الجديدة وإنهاء مرحلة حكم البعث الذي دام 54 عاماً وكعنوان مرحلة بناء الجيش، وهذا يعني أنّ كلّ من يحمل سلاحاً على الأرض السورية بما فيها قوات سوريا الديمقراطية عليه الامتثال.
وكان ردّ هيئة تحرير الشام على انضمام قوات سوريا الديمقراطية ككتلة واحدة إلى الجيش السوري سلبياً بعد طرح عبدي لدخول قسد إلى الجيش، وشدّد وزير الدفاع السوري أنه لا يمكن أن يكون هناك وضع مختلف أو هيكل قيادي داخل الجيش.
وكانت قسد قد انسحبت لإدارة هيئة تحرير الشام من حقلي النفط جنوب الرقة بعد أن استولت عليهما بعد 8 كانون الأول/ديسمبر. وشارك الأميركيون أيضاً في عملية التسليم هذه.
ومن ثمّ عرضت الإدارة الذاتية التعاون مع هيئة تحرير الشام في إعادة المعتقلين في مخيم الهول إلى منازلهم، ورفعت العلم السوري الجديد في مناطق الحكم الذاتي، واقترحت ترحيل مقاتلين من حزب العمال الكردستاني من سوريا.
الشرع أجاب بالاعتراف بالحقوق الثقافية للكرد في صلب الدستور، وضمّ الكرد لكن ليس كجماعات إنما كأفراد في المؤسسات الأمنية، ومنح صلاحيات واسعة للمجالس المحلية وهذا ما يتلاقى مع رغبات أنقرة، وأن يتحوّل حزب الاتحاد الديمقراطي إلى حزب وطني يشارك في الانتخابات الديمقراطية ويحصل على حقّ التمثيل في دمشق.
رحّب الجولاني بترحيل قيادات حزب العمال الكردستاني غير السورية وتسليم المواطنين الكرد الأتراك إلى أنقرة. ومن الشروط الأساسية إنهاء الإدارة الذاتية، ترك الثروات الاستراتيجية تحت سيطرة دمشق. كذلك نقل السيطرة على الحدود التركية والعراقية وكذلك السجون والمعسكرات.
مطالب قوات سوريا الديمقراطية لا تبدو قابلة للتحقّق وأهمها اندماج قوات سوريا الديمقراطية في الجيش السوري ككتلة واحدة، والبقاء في مناطق انتشارها الحالية والسيطرة على الحدود وإعطاء حصة ثابتة من الإيرادات مقابل نقل حقول النفط.
"إسرائيل" على خط المحادثات في سوريا
الرهان على تغيّر الظروف ممكن جداً بالنسبة لأنقرة إذا ما وضع ترامب يده في يدها فلا يزال ترامب هو الرهان الأكبر لجميع الأطراف.
خطة ترامب لسحب القوات الأميركية من سوريا أثارت قلقاً في "تل أبيب" التي وسّعت احتلالها للأراضي السورية من دون عوائق بعد الثامن من كانون الأول/ديسمبر. كما أنّ الأميركيين يميلون إلى رؤية قوات سوريا الديمقراطية كحلفاء محتملين في سوريا في المستقبل.
لم يقل ترامب أيّ شيء يرقى إلى مستوى خريطة الطريق حتى الآن، هل سيكون ترامب مهتماً بمطالب الكرد بالحكم الذاتي؟ وهل ستكون سوريا على جدول الأعمال خلال لقاء نتنياهو في البيت الأبيض؟
لا يوجد شيء واضح، هل اللامركزية الموسّعة تعني الحكم الذاتي أو الاتحاد الفيدرالي، فالنظام السابق كان لا مركزياً ماذا يتغيّر عندما يقول الجولاني لا مركزيّة وقد تكون عناصر الحكم الذاتي الجزئي التي لم يتمّ ذكرها تكمن وراء القضايا التي قال عبدي إنه اتفق بشأنها مع الجولاني؟
لا أحد يملك إجابات محدّدة لكنّ الأجوبة موجودة عند الأميركي فهل يسعى لنظام شبيه بالنظام العراقي؟ أم لدستور شبيه بالطائف اللبناني؟ أم أنه سيسعى إلى ترك الأمر لتركيا كما تتمنّى!