إرثُ تاريخ المقاومة الفلسطينية.. من هو أبو خالد محمد الضيف؟
محمد الضيف رمز الصمود والمقاومة، قاد كتائب القسام بشجاعة وبصيرة، ليظل مصدر أمل وإلهام للأجيال في نضالها ضد الاحتلال الإسرائيلي، حتى اعلان استشهاده في الـ30 من كانون الثاني/يناير 2025، تاركاً إرثاً من العزيمة والكرامة.
محمد الضيف اسم ليس غريباً عن العناوين الإعلامية والنقاشات في وسائل الإعلام، في وقت كان نسق ووجّه ضربة تُعَدّ من أقوى الضربات التي وُجِّهت إلى الاحتلال الإسرائيلي منذ تأسيسه، وهي عملية "طوفان الأقصى"، ومنح الأمل للعرب ولكل الأحرار بأن "إسرائيل" لم تكن الكيان الذي لا يُقهر كما ادّعت.
على رغم أن مهمة أبي خالد ع في اختراق ردع الاحتلال الإسرائيلي كانت مهنته، طوال عقود من الزمن، فإن القليل يُعرَف عن قائد المقاومة، الذي وضع حماس في رأس قائمة التهديدات لوجود الاحتلال الإسرائيلي، بفضل براعته الاستراتيجية، وصبره الذي لا يُضاهى، الأمر الذي أفضى إلى أن تحصل القضية الفلسطينية على دعم أكبر عالمياً وإقليمياً، أكثر من أي وقت مضى.
الحياة المبكّرة
محمد المصري، المعروف أكثر باسم محمد الضيف، قائد الجناح العسكري لحركة حماس (رئيس أركان كتائب القسام)، وُلِد عام 1965 في مخيم خان يونس للاجئين في غزة، والذي تأسّس نتيجة للنكبة الفلسطينية عام 1948. تم تهجير عائلته قَسْراً من قرية "القبية"، مع مئات الآلاف من الفلسطينيين، الذين أُجبروا على البحث عن مأوى في أماكن أخرى، بسبب المجازر التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني خلال النكبة.
وعلى الرغم من أنه لم يكن هناك أي مؤشّر على أنه سيصبح العقل العسكري، الذي صار عليه حتى يوم استشهاده، فإن الضيف نشأ، مثل ملايين الفلسطينيين، الذين تم تهجيرهم بفعل الاحتلال الإسرائيلي، في بيئة فقيرة وقاسية، إذ اضطرت عائلته إلى بناء منزل من صفيح في مخيم للّاجئين، وهو وضع سيساهم في تكوين شخصيات كثيرين من قادة المقاومة الفلسطينية.
عندما كان في سن الثانية من عمره، تعرضت بلاده لمزيد من الدمار على يد الاحتلال الإسرائيلي، إذ احتُلت غزة في حرب عام 1967، وعمل الاحتلال على فرض الحكم العسكري المباشِر على كل اللاجئين، الذين فروا من وحشيتها، الأمر الذي أدى إلى الاعتقال والإعدام لأي شخص يُشتبه في مقاومته، أو حتى في تورطه في أي عمل سياسي مقاوم، وهو ما ساهم في تشكيل شخصية ضيف الشابّة والثائرة والمقاوِمة في ظل هذا القمع الوحشي.
كان الضيف يعيش في جوار عدد من الشخصيات الفلسطينية البارزة، مثل قائد حماس، يحيى السنوار، ورئيس حركة فتح في غزة سابقاً، محمد دحلان، وهما ممّن نشأ معهم ضيف، وأصبح صديقاً لهم.
كانت دراسته في جامعة غزة الإسلامية، حيث درس الفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء، وكان أيضاً ناشطاً في الأنشطة الثقافية، بحيث ترأّس لجنة الترفيه في الجامعة، وشارك في عدد من الأعمال الكوميدية، الأمر الذي أظهر جانباً آخر من شخصيته، بعيداً عن العمل العسكري.
مسيرته السياسية المبكرة واعتقاله
لم يكن أبو خالد في البداية مرتبطاً بأي تنظيم سياسي، لكن انضمّ لاحقاً إلى حركة فتح، التي كانت أحد التنظيمات الفلسطينية، التي تقاوم الاحتلال الإسرائيلي. ومن المحتمل أن صديق طفولته، محمد دحلان، كان له تأثير كبير في انضمامه إلى هذه الحركة في مرحلة من الزمن.
ظلّ محمد الضيف عضواً في حركة فتح عدة أعوام، لكن تفاصيل كثيرة عن نشاطه في تلك الفترة غير معروفة، حتى وقت انضمامه إلى حركة حماس، خلال الانتفاضة الأولى، التي بدأت عام 1987. تعرض للاعتقال من قوات الاحتلال الإسرائيلي في عام 1989، بعد انضمامه إلى حماس، وتم اعتقاله مدة 16 شهراً من دون محاكمة.
في عام 2000، تم اعتقاله مرة أخرى من جانب السلطة الفلسطينية، لكنه تمكّن من الإفلات من الاعتقال بعد بداية الانتفاضة الثانية، وهو ما شكل نقطة تحول مهمة في تطور قدرة حماس العسكرية.
عُيّن محمد الضيف قائداً لكتائب القسّام عام 2002، وقام بتوجيه عدد من العمليات الناجحة ضد الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك عملية أسر الجندي الإسرائيلي ناحشون واكسمن عام 1994، والتي كان لها تأثير بالغ في محادثات اتفاق أوسلو بين الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وضع كتائب القسام في الخريطة
بعد خروجه من السجن، بدأ الضيف، مع الشهيدين زكريا شربجي وصلاح شحادة، تشكيل مجموعة مستقلة من حماس، تهدف إلى أَسر الجنود الإسرائيليين من أجل مبادلتهم مع الأسرى الفلسطينيين، وإجبار الاحتلال على تقديم تنازلات. ومع تطور الأحداث، أمست كتائب القسام القوة المقاومة الأبرز في نضال الفلسطينيين ضد الاحتلال، وأصبحت تكتسب هويتها المقاومة الصلبة بعد تنفيذ عدد من العمليات ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي.
إلى جانب قيادته كتائب القسام في الانتفاضة الثانية، سطّر الضيف بطولات في التصدّي للعدوان الإسرائيلي، خلال مراحل متعددة، وصولاً إلى دوره الأساسي في تخطيط ملحمة طوفان الأقصى وقيادتها، وهو الذي أعلنها، مستنهضاً الأمة، صبيحة السابع من أكتوبر 2023.
ويوم الخميس، الوافق فيه الـ30 من كانون الثاني/يناير 2025، أعلن الناطق العسكري باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، استشهاد رئيس أركان كتائب القسام، محمد الضيف (أبي خالد)، وثلّة من القادة، هم نائبه مروان عيسى، وقائد ركن الأسلحة والخدمات القتالية، غازي أبو طماعة، بالإضافة إلى قائد ركن القوى البشرية، رائد ثابت، وقائد لواء خان يونس، رافع سلامة، وقائد لواء الشمال، أحمد الغندور، وقائد لواء الوسطى، أيمن نوفل.
"ابن الموت".. من هو محمد #الضيف الذي طاردته "إسرائيل" لـ 30 عاماً؟
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) January 30, 2025
تقرير: زهراء ديراني#محمد_الضيف#محمد_الضيف_شهيداً@D_Zahraa444 pic.twitter.com/K9ePu3jLMm