خيارات المقاومة في حال انسداد أفق وقف الحرب في غزة

ما خيارات غزة والمقاومة في حال انسداد أفق الحل في غزة؟ وما الخيارات الإسرائيلية في الوقت ذاته؟ وكيف يمكن للمقاومة أن تفرض على المحتل كبح جرائمه؟

0:00
  • كيف يمكن للمقاومة أن تفرض على المحتل كبح جرائمه؟
    كيف يمكن للمقاومة أن تفرض على المحتل كبح جرائمه؟

تتصاعد عملية "عربات جدعون" الإسرائيلية، في وقت ردت عليها القسام بإطلاق عملية "حجارة داود"، وبدا ميدان غزة مترعاً بالدم، ولم يعد حكراً على غزة وأهلها عندما بدأ جنود الاحتلال يتساقطون بين حدث أمني خطير وآخر أشد خطورة من جباليا حتى الشجاعية، في ظل نجاحات أمنية للمقاومة تمثلت بكمائن الموت وحقول الألغام، وإفشال العمليات الإسرائيلية وكان أهمها الإفشال النوعي الذي غنمت فيه السرايا غنيمة ثقيلة في حي التفاح، وأفشلت هجوماً إسرائيلياً كبيراً انتهى باستيلائها على 170 كغم من المتفجرات السائلة.

يشير هذا التصعيد الإسرائيلي ونجاح بعض الاغتيالات النوعية، منذ استئناف الحرب على غزة في منتصف نيسان/أبريل الماضي، إلى إصرار نتنياهو وائتلافه اليميني الحاكم على إكمال مسلسل تدمير غزة حتى لو دمرت معه "إسرائيل"، بحسب تعبير جنرال إسرائيلي، ما يؤكد اتفاق عامة المحللين والباحثين أن نتنياهو لن يوقف الحرب إلا مجبراً، ما يضع المقاومة أمام احتمال أن تجد نفسها في مواجهة حرب إسرائيلية بلا ضوابط سياسية، تظهر بانهيار المفاوضات وانسحاب الطرفين الأميركي والعربي، وسقوط ورقة الأسرى كعامل ضغط مع صعود نجم الجنرال زيني المرشح لرئاسة "الشاباك"، في ظل قناعاته العلنية بثانوية قضية الأسرى ما يشبه قناعات بن غفير وسموتريتش العلنية، وقناعات نتنياهو غير العلنية.

وقد يزداد الضغط على حماس بطرد قادتها من قطر وتركيا، ما يضعهم أمام واقع عسكري هائل بحق الحاضنة الشعبية الفلسطينية، يوازيه انكشاف الظهر السياسي، خصوصاً في ظل تطورات الوضع اللبناني، والمفاوضات الأميركية - الإيرانية غير المباشرة، رغم صلابة الموقف الإيراني، وإن بخيارات آخذة بالتقلص، والاستدارة الإخوانية الكاملة بعيداً من حماس والقضية الفلسطينية، واندفاع الإدارة السورية الجديدة نحو الحضن الأميركي، مع عدم التقليل من أهمية القذائف التي انطلقت من درعا نحو الجولان المحتل، هنا يتجلى مشهد الحرب عن تأزم تعمقه قوة النار الإسرائيلية ووحشيتها مع الدعم الأميركي والارتهان العربي، إلا ما قلّ من جسارة يمنية عزّ نظيرها ويتسع تأثيرها.

وضع مقترح ويتكوف حركة حماس في وضع لا تحسد عليه، في ظل اندفاعات عربية وفلسطينية محلية تحاول دفع حماس لقبول هذا المقترح الذي لا يخفى معه مستوى الخبث الذي يحركه، وهو يحاول تجريد غزة من أهم أوراق قوتها وهي ورقة الأسرى الإسرائيليين، وجاء رفض ويتكوف السريع لملاحظات حماس ومعها فصائل المقاومة، ما شجع نتنياهو على رفع سقف اشتراطاته ومستوى جرائمه، وخفف حدة الهجوم عليه داخلياً، ما أفرز واقعاً قاتماً يراكم حدّة المواجهة ويضعها أمام انسداد الأفق السياسي والميداني، وهو انسداد قد يرفع فاتورة الدم الفلسطيني وفق المنهجية الإسرائيلية المتبعة، وهي الأكثر سهولة طوال هذه الحرب المجنونة.

انسداد أفق آخذ بالتجلي على الرغم من عدم انهيار المفاوضات بشكل نهائي حتى الآن، وأمام هذا الانسداد في حال اكتمل، ما خيارات غزة والمقاومة؟ وما الخيارات الإسرائيلية في الوقت ذاته؟ وكيف يمكن للمقاومة أن تفرض على المحتل كبح جرائمه؟

بداية، يجب التنبه أن الإسرائيلي يعاني من تأزم الخيارات أكثر من المقاومة، وإن ظهر فضاؤه يتسع بحسب النفوذ الأميركي ومدى قوته النارية وشبكة حمايته الأمنية ما يقلل خسائره البشرية، لأن النزف الشامل يؤرقه، في مقابل مساحة آخذة بالتقلص في فضاء المقاومة مع الخذلان وانعدام النصير المؤثر جذرياً على ساحة المعركة.

يمكن إجمال خيارات المقاومة في حال انسداد أفق وقف الحرب، وهو انسداد متوقع لكنه غير حتمي، مع الأخذ بعين الاعتبار دخول الحرب مرحلة شد الأصابع من يصرخ أولاً، فالإسرائيلي أيضاً يعاني على أكثر من صعيد خاصة مع تصاعد القصف اليمني، وهي خيارات متوقعة وفق القراءة التحليلية لجذرية المعركة:

أولاً: كسر روتين الحرب بمبادرات سياسية أو عسكرية تربك المشهد وتخلط الأوراق، والسؤال هنا حول قدرة المقاومة على توفير  مبادرات حيوية كهذه؟ وبالأحرى استحضار أوراق القوة التي ما زالت فاعلة بيدها مع طول أمد الحرب، وهنا يبدو حال المقاومة كمن تم حشره في الزاوية وليس أمامه سوى القتال حتى الرمق الأخير، أو هي الضربة الأخيرة قبل الفناء، ولعلّه حرق السفينة بما حملت، ولسان حال المقاومة (عَلَيَّ وعلى أعدائي) ما يجعلها مؤهلة لخلط أوراق الواقع، ربما عبر ضربات أمنية نوعية داخل  فلسطين أو خارجها، وهي قادرة على ذلك نظرياً على الأقل لما تملكه من جمهور وكادر وحافز، وربما هي تؤخر  خياراً كهذا حتى الآن كي لا تنهار المفاوضات.

ثانياً: خروجها من مشهد حكم غزة بشكل حاسم، والإعلان بشكل صريح رسمي وعملي تخلّيها عن مسؤولية حكم غزة، وتعويم المشهد السياسي عبر حلّ كل لجان الخدمات الحكومية، وهو خيار ظاهره التنازل السياسي ولكنه قد يزيح عن كاهلها كامل الشأن المدني ورميه دفعة واحدة في وجه المحتل والأطراف المتواطئة معه لتتحمل المسؤولية، ما يشعر العالم بتكشير المقاومة عن كامل أنيابها مهما كان الثمن، خاصة مع تحويل كل طاقاتها المدنية نحو الجهد الحربي الميداني حتى إشعار آخر.

ثالثاً: وضع سقف زمني جدّي للتفاوض، وهو ربما يظهر راحة عند غلاة المتطرفين في حكومة نتنياهو، باعتبار أن مفاوضات قضية الأسرى تضغط عليهم، وهم بحاجة إلى الخلاص منها، ولكنه في المقابل، سيصعد جبهة المعارضة وخصوصاً توتير الحراك داخل الكيان وتسعير جهود عوائل الأسرى ما يخرجها عن الروتين المعتاد، وهنا ربما تحتاج المقاومة إلى الإقدام على خطوات عملية تشعر كل الأطراف بجديتها وتغيير سلوكها، وإن ترتب عليها خسارات آنية، مع وضوح مراميها البعيدة، خصوصاً أن متغيراتها تأتي تبعاً لحالة انسداد الأفق السياسي، وليس وفق رؤية فكرية شمولية.

رابعاً: تعديل المقاومة لخطابها الإعلامي مع كامل القوى الفاعلة في المنطقة، كلٌ بحسب طاقته الحقيقية، وخصوصاً مع النخب والقوى السياسية في المنطقة، وذلك لا يتأتى إلا بوضع النقاط على الحروف وكشف المستور، حتى لو ترتب على ذلك أزمة علاقات عامة، في واقع لم تعد العلاقات العامة مع هذه النخب تفيد في شيء في ظل ازدواجية مواقفها، في واقع تخوض فيه المقاومة حرب إبادة لاستئصال شعبها وقضيتها بالكلية.

خامساً: تحريك كامل طاقاتها وتحفيز طاقة حلفائها باعتبار أنها تخوض حربها الأخيرة، وهي بالفعل كذلك في ظل عناد نتنياهو وخبث ترامب وتواطؤ المطبّعين وهشاشة الواقع برمته. 

والاعتماد في ذلك على تغيير جوهري في خطاب المقاومة وأدائها، ما يناسب حالة الجبهة التي أقفل فيها المحتل الإسرائيلي أدنى أفق لوقف الحرب، ما يدفع المقاومة لمواكبة هذا التطور بتطور يناسب بنيتها وطبيعة معركتها، وقد تبين أن هناك قراراً إسرائيلياً أميركياً عربياً غربياً بالقضاء عليها وتصفية القضية الفلسطينية، وهذا يتضح رويداً رويداً مع حالة الاصطفاف غير المسبوقة في المنطقة، ومع ارتخاء الأقنعة عن كل الوجوه الكالحة، محلياً وإقليمياً وعالمياً، وتكشّف منسوب الخيانة وقد تجاوز حالة الجبن والخذلان، وقد تبيّن مراوغة وكذب كل التطمينات التي تصدر من أطراف التطبيع وما هي إلا مخدّر ريثما تتم استعادة الأسرى الإسرائيليين بالتدريج، ثم يتفرغ الجميع بعدها لسلاح المقاومة أو التهجير وليس التعمير، وكل ذلك متصل حتماً بقدرة المقاومة على احتواء الضغط السياسي قبل العسكري.