قمة القاهرة.. غزة أم إضفاء الشرعية على الشرع
جاءت دعوة القاهرة إلى قمة عربية استثنائية لمناقشة موضوع غزة، والرد على تهديدات ترامب لكل من الرئيس السيسي والملك عبد الله بعد أن قال "نحن نفعل الكثير من أجلهم وهم الآن سيفعلون ذلك من أجلنا".
-
لماذا تجاهل الجميع العرف السياسي والدبلوماسي في التعامل مع الواقع السوري الجديد؟
بعد زيارة أحمد الشرع الأولى إلى السعودية ثم تركيا والاتصالات الهاتفية التي أجراها كل من الرئيس الفرنسي ماكرون والمستشار الألماني شولتس (سيخسر الانتخابات بعد أسبوعين) به، ينتظر الجميع موقف الرئيس الأميركي ترامب تجاه دمشق، وهو ما سنراه بعد الزيارة التي سيقوم بها العاهل الأردني عبد الله (11 شباط/فبراير) والرئيس المصري السيسي (مبدئياً 19 شباط/فبراير) إلى واشنطن.
تليها زيارة الرئيس ترامب إلى كل من السعودية والكيان الصهيوني لحسم موضوع التطبيع بين الطرفين حتى يتسنى له التركيز على تسويق فكرته الخاصة بغزة.
ويقال إنه سيحيل هذا الملف إلى صهره جاريد كوشنير، الصديق المقرب من نتنياهو، حاله حال كل أفراد الطاقم المقرب من نتنياهو، الصهاينة أكثر من أي صهيوني محترف.
وجاءت دعوة القاهرة إلى قمة عربية استثنائية في الـ 27 من الشهر الجاري (لماذا هذا التأخير؟) لمناقشة موضوع غزة، والرد على تهديدات ترامب لكل من الرئيس السيسي والملك عبد الله بعد أن قال "نحن نفعل الكثير من أجلهم وهم الآن سيفعلون ذلك من أجلنا".
وشجع هذا التهديد المبطن رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو الذي طلب "ترحيل الشعب الفلسطيني إلى الصحراء السعودية الشاسعة، وإقامة دولة لهم هناك باعتبار أنها فارغة".
ومع استمرار المواقف العربية المتناقضة حيال قضايا المنطقة، وأهمها استمرار العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان والضفة الغربية وسوريا التي تشهد تطورات مثيرة على الصعيد الداخلي والإقليمي والدولي، جاءت دعوة القاهرة إلى قمة عاجلة لتعيد إلى الأذهان ما حققته أو بالأحرى ما لم تحققه كل القمم العربية، خصوصاً في ما يخص القضية الفلسطينية أو كل الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وأخيراً العدوان على سوريا، خصوصاً بعد سيطرة الفصائل المسلحة على دمشق8 كانون الأول/ديسمبر الماضي.
وهو الموضوع الذي قلب موازين القوى برمتها في المنطقة بما في ذلك حديث ترامب عن تفريغ غزة من سكانها، وانتخاب الرئيس عون وتشكيل الحكومة الجديدة واستبعاد حزب الله من السيناريوهات السياسية في لبنان والاستفزازات الخطيرة على الحدود السورية -اللبنانية.
على أن تكون إيران الهدف الجديد في غطرسات الرئيس ترامب الذي هدد وتوعد طهران في حال عدم رضوخها لمطالبه في ما يتعلق بالتخلي عن مشروعها النووي وفق الشروط الإسرائيلية.
ومن دون أن تبالي العواصم العربية، كالعادة، بكل هذه التطورات التي يعرف ترامب ومعه نتنياهو فشل الأنظمة العربية في معالجتها، وهو ما يفسر تجاهل هذه الأنظمة العدوان الإسرائيلي على غزة طيلة 470 يوماً إن لم نقل تواطؤها مع "تل أبيب" ضد حماس ومن بعدها حزب الله وأخيراً سوريا التي فوجئ الجميع بتغيير نظامها خلال 12 يوماً وأمام أنظار العالم الذي رحب بسقوط نظام الأسد "الديكتاتوري وانتصار الديمقراطية في سوريا" .
وجاءت المفاجأة الثانية عندما تسارعت الأنظمة العربية ومعها أنقرة إلى التواصل مع الحكام الجدد في دمشق، وكان أمير قطر تميم آل ثاني حامي حمى كل الفصائل الإسلامية، المسلّحة منها وغير المسلحة، أول من زارهم وسبقه وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا.
وجاءت دعوة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بصفته "العربية والإسلامية" ثم الرئيس إردوغان بصفته "التركية العثمانية " إلى الرئيس المؤقت أحمد الشرع لتساعده على الانفتاح دولياً، وهو ما تحقق له باتصال ماكرون وشولتس، وبزيارة بوغدانوف مندوب الرئيس بوتين لشؤون الشرق الأوسط إلى دمشق ولقائه أحمد الشرع، رئيس البلاد لمدة قد تصل إلى خمس سنوات، وفق كلام الشرع نفسه.
ومن دون أن يخطر على بال أحد أن الرئيس السيسي الذي أطاح حكم الإسلاميين في تموز/ يوليو 2013 ووجّه دعوة إلى أحمد الشرع لحضور القمة لم يكن من بين الحكام العرب الذين علقوا عضوية سوريا في الجامعة العربية في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 إلا أنه منع الرئيس الأسد من المشاركة في القمم العربية حتى 2023.
كما لم يخطر على بال أحد أن أياً من الحكام العرب لم يزر دمشق أو يدعوا الأسد لزيارتهم باستثناء محمد بن زايد بنياته وحساباته الغامضة بسبب منافساته وأحياناً خلافاته التقليدية تارة مع السعودية وتارة أخرى مع قطر وحليفتها الاستراتيجية تركيا بسبب دعمها للإسلاميين.
كما لم يخطر على بال أحد من هؤلاء الحكام أن أحمد الشرع كان حتى وقت قريب زعيماً لـ"جبهة النصرة" قبل أن يصبح اسمها "هيئة تحرير الشام" التي ما زالت مدرجة منظمة إرهابية في لوائح الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي بل وحتى تركيا التي استضافت الشرع.
كل ذلك مع استمرار العقوبات المفروضة على سوريا في عهد النظام السابق الذي وصل إلى ما وصل إليه من نهاية محتومة بسبب انعكاسات هذه العقوبات على الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي على الشعب السوري برمته.
ومن دون أن يكون واضحاً كيف ولماذا تجاهل الجميع العرف السياسي والدبلوماسي الدولي في التعامل مع الواقع السوري الجديد الذي تجاهله الحكام العرب بدعوتهم أحمد الشرع إلى حضور قمة القاهرة في محاولة منهم لإضفاء الشرعية عليه، كما أضفوا الشرعية على كل جرائم الكيان الصهيوني منذ قيامه على الأرض الفلسطينية وعدوانه الأخير على غزة والضفة الغربية ولبنان، بل وحتى اغتياله إسماعيل هنية في طهران، وأخيراً تدميره كل أسلحة ومعدات ومرافق ومؤسسات ومواقع الجيش السوري والتوغل داخل الأراضي السورية لمسافات تتراوح بين 15-20 كم.
ويرى البعض في ذلك جزءاً من استعدادات "تل أبيب" لمشاريع التقسيم في سوريا بعد ما قيل عن كيان درزي في الجنوب السوري في حال الاعتراف للكرد بكيان آخر شرق الفرات تحت إشراف تركيا، وقد تسعى لكيان تركماني في الشمال الغربي، وكل ذلك بضوء أخضر أميركي وأوروبي بل وحتى إسرائيلي.
ويبقى الرهان في نهاية المطاف وهو خاسر في جميع الحالات على النخوة والنشوة "العربية التي قد يستيقظ عليها الحكام العرب، ولو لمرة واحدة، كي يفكروا أولاً بكرامتهم وكرامة شعوبهم، وبالتالي قضايا أمتهم التي يبدو واضحاً أن الرئيس ترامب بجنونه الذي لا يخفيه سيضرب بها عرض الحائط من دون أن يرحم أحداً ليس فقط من الحكام العرب الذين يهينهم ويحقرهم علناً باستمرار، بل وحتى حلفائه التقليديين في أوروبا أو أي مكان من العالم، وهو يريد ومن معه من "عبقريات الذكاء الاصطناعي" أن يحكمهم وفق عقيدته الدينية المتصهينة التي لا يخفيها أساساً بعد القضاء على كل مفاهيم الديمقراطية التقليدية التي لم يعد لها أي معنى وفق كورتيس يارفين Curtis Yarvin منظر عقلية ترامب الجنونية، ويريد لها أن تخلق نظاماً عالمياً جديداً في الفكر والأداء والنتيجة!