ماذا يريد ترامب من العالم اقتصادياً؟

هل سيكون العالم أمام تثبيت الأحادية الاقتصادية – السياسية؟ أم أنّ الترقّب سيكون سيّد الموقف خاصة مع التحدّيات التي يمكن أن تواجهها الدولة العميقة الجديدة في الولايات المتحدة؟

0:00
  • يبدو أنّ الواقع الدولي - الأميركي الجديد بات مختلفاً بشكل جذري عمّا سبق.
    يبدو أنّ الواقع الدولي - الأميركي الجديد بات مختلفاً بشكل جذري عمّا سبق.

لا يختلف اثنان على أنّ الاقتصاد الأميركي هو أكبر اقتصاد من ناحية الناتج المحلي الذي يبلغ 23 ترليون دولار. لكن في الوقت نفسه، فإنّ التقدّم الاقتصادي في الولايات المتحدة لم يعوّض ارتفاع الدين بشكل كبير ليصل إلى 35 ترليون دولار، كما لم يستطع الحدّ من الآثار السلبية لأزمة التضخّم مع عجز الموازنة الذي يشكّل 7% من الناتج المحلي الإجمالي بحسب تقرير البنك الدولي.

ولهذا السبب، شهدت الانتخابات الرئاسية الأميركية، وربمّا للمرّة الأولى في تاريخ البلاد، تقدّماً للبرنامج الاقتصادي للمرشّحين ليصبح هو أساس الخطاب الانتخابي عوضاً عن البرنامج السياسي الذي كان أساس وعصب أيّ حملة، وأضحى العنوان الاقتصادي - السياسي هو الرؤية والتخطيط.

ويُنظر إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أنّه من يريد تحقيق آلاف الأهداف المتناقضة باتجاهات مختلفة، وفي نظرة سريعة لأبرز ما تضمّنه برنامجه الاقتصادي يمكن تبيان ذلك:

1- خفض الضرائب على الشركات الكبرى.

2- التمسّك بسياسة "أميركا أولاً" لتعزيز الصناعة المحلية.

3- فرض تعريفات جمركية قاسية على الصين وكندا والمكسيك.

4- التوجّه إلى ضمّ كندا لتصبح الولاية الـ 51.

5- الطلب من الدنمارك التنازل عن غرينلاند.

6- الاستيلاء على قناة بنما من دولة بنما.

7- الطلب من السعودية أن يصل استثمارها في أميركا إلى ترليون دولار.

8- الإيعاز إلى مصر والأردن لاستيعاب أهالي قطاع غزة وسكانه.

9- محاولة إلزام دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) برفع نسبة إنفاقها الدفاعي (الاستثمار في شركات إنتاج الأسلحة) إلى 5% من إجمالي ناتجها المحلي.

10- الضغط على "أوبك" زيادة إنتاج النفط بهدف إضعاف روسيا.

11- الفرض على ألمانيا واليابان دفع مليارات الدولارات الإضافية مقابل وجود قوات أميركية على أراضيهما.

12- ابتزاز الصين لزيادة استيرادها من أميركا.

برنامج اقتصاديّ قائم على مجموعة من العوامل التي تهدف في نتيجتها إلى تحقيق مكاسب تصل إلى 4 تريليون دولار لأميركا، التي تريد معالجة أزمة التضخّم لديها على حساب العالم وتأكيد حكم الأحادية السياسية والاقتصادية.

وجاءت إحدى أقوى ردود الأفعال على ذلك من كندا، المجاورة لأميركا، وهما بلدان مرتبطان اقتصادياً وتجارياً، ويومياً هناك نحو 2.6 مليار دولار من التجارة بينهما، وأوتاوا هي ثالث أكبر شريك تجاري لواشنطن بحجم صادرات يصل إلى 370 مليار دولار سنوياً، وأدّى فرض ترامب رسوماً جمركية بقيمة 25% على كندا إلى هبوط دولارها إلى أدنى مستوى منذ 20 عاماً.

واجتاحت موجة من المقاطعة كلّ شيء أميركي، وظهرت في المحلات التجارية لافتات كُتب عليها: "اشترِ المنتاجات الكندية" و"صُنع في كندا". وتداول كنديون لوائح للبضائع المحلية البديلة عن المنتجات الأميركية. وشهدت قبعة بشعار "كندا ليست للبيع" مبيعات استثنائية بعد أن ارتداها رئيس وزراء ولاية أوناتريو دوغ فورد كردّ على تصريحات ترامب بضمّ كندا إلى الولايات المتحدة الولاية الـ51.

وكان رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو أطلق بنفسه حملة مقاطعة المنتجات الأميركية ودعم الاقتصاد الكندي، وأعلن الردّ بالمثل على رسوم ترامب ووضع رسوماً تجارية بنسبة 25% على واردات من الولايات المتحدة قيمتها نحو 125 مليار دولار. كما طلب من الكنديين عدم قضاء إجازاتهم في أميركا والبقاء في بلادهم لدعم اقتصادها.

أعقب ذلك اتصال بين ترامب وترودو، ومثله مع رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم، علّق بموجبها قراراته لشهر واحد، على أن يتمّ التفاوض خلاله على بعض الملفات العالقة.

وعليه، يبدو أنّ الواقع الدولي - الأميركي الجديد بات مختلفاً بشكل جذري عمّا سبق، وأوروبا تعتبر أنها ستعيش سنوات صعبة بسبب قرارات ترامب، وعليه انتقلنا إلى العيش في عالم يترقّب اشتداد الصراع الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة، وفي مرحلة تغيير الخرائط والحدود.

ويبقى السؤال الأساسي، هل سيكون العالم أمام تثبيت الأحادية الاقتصادية – السياسية؟ أم أنّ الترقّب سيكون سيّد الموقف خاصة مع التحدّيات التي يمكن أن تواجهها الدولة العميقة الجديدة في الولايات المتحدة التي تختلف بكلّ أدائها عن كلّ سنوات الحكم السابقة؟