هل تستأنف "إسرائيل" الحرب على غزة؟
لم يخطر على بال أحد بأن تقوم الولايات المتحدة عبر رئيسها بشكل علني، بالحديث عن تهجير الغزيّين، على هذه الطريقة، بعد حرب، كانت واشنطن الشريك الأساس فيها، واستمرت أكثر من 15 شهراً.
-
أيام قليلة تفصلنا عن فتح "أبواب الجحيم" الذي هدّد به ترامب.
شيئاً فشيئاً تتضح أهداف الحرب على غزة وما يُخطّط للفلسطينيين استراتيجياً؛ وبخلاف الرئيس الأميركي السابق جو بايدن يبدو أنّ الرئيس الحالي دونالد ترامب أكثر وضوحاً، وإن بدا الأمر أقرب إلى البلطجة الدولية، إلا أنّ هذا هو واقع الأمر مع الولايات المتحدة حين تخلع عن وجهها قناع الدبلوماسية المخادع؛ فتعود بذلك إلى أصل منشئها وتاريخها المعروف للكثيرين.
أيام قليلة تفصلنا عن فتح "أبواب الجحيم" الذي هدّد به ترامب، في حال لم تفرج حماس عن جميع الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، في حلول ساعات الظهر من يوم السبت المقبل، وهو بذلك يتقدّم خطوات إلى الأمام عمّن يفترض أنهم أصحاب الشأن والمعنيون الأساسيون في كلّ ما يحصل، أي الإسرائيليون.
هل ستستأنف الحرب على غزة من جديد؟ سؤال أصبح مطروحاً بقوة هذه الأيام، فادّعاء الرئيس ترامب بأنه رجل سلام، لا حرب، يبدو أنه تلاشى، مع معرفته بأنّ خططه كرجل أعمال شره ومطوّر عقاري جارف، لا كرئيس لدولة كبرى، قد لا تنسجم تماماً مع المعطيات السياسية الواقعية ولا مع تحقيق الأهداف عبر التهديد وحده.
هناك أكثر من معطى يتحكّم بمدى إمكانية استئناف الحرب، منها ما يتعلّق بـ "إسرائيل" والولايات المتحدة وبالمتغيّرات الإقليمية ومنها ما يتعلّق بالفلسطينيين وحركة حماس.
لنبدأ من "إسرائيل"؛ لا شكّ أنّ "تل أبيب" تنفّست الصعداء بعد استقبال واشنطن لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو كأوّل ضيف يزور الرئيس ترامب بعد وصوله إلى البيت الأبيض. إذ إنّ فرض اتفاق وقف إطلاق النار عليها وتبنّي الرئيس ترامب له، أشعرها بالخذلان لأيام قليلة فقط، ما لبث أن تبدّد بعدها، مع الكشف عن مخطّطات تكاد تكون أقرب للأحلام بالنسبة للكيان وللكوابيس لكلّ من سمعها للمرة الأولى من الجهة المقابلة.
لم يخطر على بال أحد بأن تقوم الولايات المتحدة عبر رئيسها بشكل علني، بالحديث عن تهجير الغزيّين، على هذه الطريقة، بعد حرب، كانت واشنطن الشريك الأساس فيها، واستمرت أكثر من 15 شهراً. ولم يخطر ببال أحد محاولات واشنطن الاستيلاء على أراضي غزة بنفسها، بهدف تحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"!
وبالتأكيد لم يخطر على بال أحد، بأنّ ترامب، وبعد أن تباهى بأنه عرّاب اتفاق وقف إطلاق النار قبل دخوله البيت الأبيض بيوم واحد فقط، سيعود ليطرح النقاش حول مراحله المتبقّية؛ وهو ما يضع العملية برمّتها في وجه العاصفة، خصوصاً بأنّ في "إسرائيل" من ينتظر انهياره ليعود إلى الحرب التي توقّفت بخلاف تمنياتهم، وعلى رأس هؤلاء نتنياهو ووزير ماليّته بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي الإسرائيلي المستقيل إيتمار بن غفير.
أما الحديث عن تظاهرات في الشارع الإسرائيلي بهدف الضغط على نتنياهو وزمرته لاستكمال مراحل الاتفاق فلا تعدو المادة اليتيمة التي تتغذّى عليها الصحافة المعارضة في "إسرائيل"، إن صح التعبير، وعلى رأسها صحيفة "هآرتس" العبرية، ولذلك علينا عدم التعويل عليها كعنصر فاعل لتحليل المشهد.
وهنا بيت القصيد؛ بالنسبة لـ "إسرائيل" فقد كانت الأيام القليلة الفائتة بمثابة استراحة قد تكون مفيدة لها، في حال اتخذ القرار بالعودة إلى الميدان والعسكر. وخلال هذه الاستراحة كان لنتنياهو ولليمين المتطرّف ما أرادوه من استقالة لرئيس أركان "الجيش" الإسرائيلي هيرتسي هاليفي. وخلالها أيضاً تمكّنوا من استرجاع عدد من الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار.
ورغم عرض التسليم الذي برعت بتأديته كتائب القسام، إلا أنّ العبرة تكمن في الهدف النهائي المحقّق لا في الطريق إليه، وهو استرجاع عدد من الأسرى لدى حماس. وقد تمّ ذلك مقابل إخراج عدد من الأسرى الفلسطينيين من أصحاب الأحكام المؤبّدة والعالية.
أما المعطيات الأخرى التي تصبّ في صالح "إسرائيل" لا ضدّها، فنذكر منها الضعف الذي ألحقته بحزب الله في لبنان، وتمديد فترة الانسحاب من جنوب لبنان ومواصلة اختراق وانتهاك سيادته من دون حسيب المجتمع الدولي ولا رقيب اللجنة الخماسية.
وما يحصل على جبهتها الشمالية ينسحب إلى الحدود السورية التي كانت عرضة للاستباحة الإسرائيلية مع سقوط النظام السوري السابق؛ فكانت النتيجة قطع خطوط إمداد السلاح عن حزب الله؛ ما يشكّل عائقاً أمام تعافيه العسكري في المدى المنظور، واحتلال "تل أبيب" لأراضٍ سورية إضافية، واستيلائها على قمم جبل الشيخ الاستراتيجية، ولا ننسى السيطرة على مصادر المياه هناك. وفي هذا المشهد تهديد مباشر لكلّ من سوريا ولبنان والأردن على حد سواء.
هل يبدو الوضع الإقليمي مختلفاً مع وصول التهديد والوعيد الإسرائيلي كما الأميركي إلى مسامع أكثر من دولة عربية؟
بعد تراجع إيران خطوة إلى الوراء، وزعزعة المحور الذي كانت تقوده وصولاً إلى حديث البعض عن تفكّكه بالكامل، تتجه الأنظار إلى المقلب الآخر، حيث الدول العربية والإسلامية وتحديداً تلك التي تدور في الفلك السني.
حتى الساعة ليس هناك سوى تصريحات مندّدة بالمخطّطات الأميركية الإسرائيلية وهي لا ترقى إلى المستوى المطلوب. أما الواقع فيقول بأنّ الدول التي تعتمد على الاستدانة والمساعدات ليس لها الحقّ بالقول "لا"، خصوصاً بوجه من يقدّم هذه المساعدات. ومع ذلك يبقى الأمل بانتفاضة سياسية وعملية ما، تختلف عما هو معتاد، والحلّ إذ أريد له أن يحضر فيتلخّص بإمداد الغزيّين بمقوّمات الحياة من مأكل ومأوى للصمود والبقاء، كحدّ أدنى ليُبنى على الشيء مقتضاه.
وعندها فقط، يمكن الحديث عن ضرورة تمسّك الفلسطينيين بأرضهم، وقد دأبوا على ذلك منذ أكثر من 8 عقود، وطوال أيام العدوان على القطاع. ولكن نقولها بواقعية سياسية بعيداً عن العاطفة وما هو مأمول، أنه وبرغم عودة نصف مليون فلسطيني إلى شمال القطاع، إلا أن استئناف الحرب قد يجبرهم على تهجير جديد وهذه المرة ليس من المؤكد بأنّ مصر لن تفتح معبر رفح على مصراعيه. فجهنم الأميركية الموعودة لا يعرف طعمها إلا من ذاقوا جهنم الإسرائيلية المدعومة أميركياً، وهم الغزّيون الموجودون على أرض غزة لا خارجها.
هل يمكن أن تستأنف "إسرائيل" الحرب على قطاع غزة؟ قد يكون المانع الوحيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه، بمواقفه المتقلّبة، عدا ذلك الطريق معبّدة لاستكمال مشروع التطهير العرقي، وهذه المرة حتى مساندة الأقربين قد تكون متعذّرة! فهل تغادر الدول العربية مقعد المتفرّج قبل أن يصلها لهب الجحيم.