"إسرائيل"...لا خيار سوى القوة
لم يعد هناك مجال للشك بأن الحكومة الإسرائيلية لا تريد التسوية، بل تسعى للحرب، ولا سيما أن الواقع العربي يشجعها على ارتكاب المزيد من الحماقات، "فمن أمن العقاب أساء العمل".
-
"إسرائيل" استطاعت تحويل طوفان الأقصى إلى 11 سبتمبر إسرائيلي.
"كل شيء مباح في الحب والحرب"، ولأن "إسرائيل" لا تعرف الحب فقد باتت جميع الخيارات مباحة أمامها في حربها ضد الإقليم الذي تعيش فيه.
العداء الصهيوني لم يعد للدول العربية وحدها، فإيران استُهدافت عدة مرات، والتهديدات الإسرائيلية ضد تركيا تتصاعد، والمواجهة بين الطرفين يبدو أنها قد بدأت، إن لم يكن بشكل مباشر، فعلى الأراضي السورية بكل تأكيد.
تركيا هي المنافس الأكثر قوة والأكثر تهديداً لـ"إسرائيل"، رغم عدم رغبة الطرفين في المواجهة، إلا أن "فائض القوة" التركي واغراءات التمدد في الداخل السوري ستصطدم حتماً بالموقف الإسرائيلي الرافض لذلك، والمستعد لمنعه بكل قوة.
"آليات التوازن الذاتي"هي التي تحكم المنطقة، وتحول دون هيمنة دولة على غيرها، فإيران أسهمت في الحد من الطموح الإسرائيلي التوسعي، كما أن "إسرائيل" حدت من التمدد الإيراني الذي ازداد بعد الاحتلال الأميركي للعراق، والوضع نفسه ينطبق على التنافس التركي الإسرائيلي في سوريا.
المبدأ الإسرائيلي الرافض للسلام...
لم يعد هناك مجال للشك بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تريد التسوية، بل تسعى للحرب وخلق المزيد من التوترات في المنطقة، ولا سيما أن الواقع العربي يشجعها على ارتكاب المزيد من الحماقات، "فمن أمن العقاب أساء العمل".
فائض القوة الذي تشعر به "إسرائيل" جاء انعكاساً لما قامت به منذ طوفان الأقصى بتدميرها لكامل قطاع غزة، وحربها على لبنان واغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، إضافة إلى استهدافاتها المستمرة لسوريا واليمن ودخولها في مواجهة مباشرة مع إيران.
الأمور لم تقف عند هذا الحد، بل تجاوزتها لجهة الحديث عن استهداف "إسرائيل" لمواقع وأسلحة تركية في سوريا، في إشارة واضحة لرفضها أي وجود تركي في سوريا، وعزمها على منع ذلك بالقوة إن اقتضى الأمر.
"إسرائيل" كانت تتذرع بالوجود الإيراني على الأراضي السورية لتبرير اعتداءاتها، واليوم بات الحضور التركي إحدى تلك الذرائع. مع فائق كبير في أن تركيا حليف للغرب وعضو في حلف الناتو، كما أنها ترتبط بـ"إسرائيل" بعلاقات تجارية جيدة، إضافة إلى العلاقة الجيدة بين الرئيس إردوغان وترامب، وهي ما دفعت الأخير إلى الطلب من نتنياهو التنسيق مع تركيا فيما يخص الوضع السوري.
"إسرائيل" استطاعت تحويل طوفان الأقصى إلى "11 سبتمبر "إسرائيل" ” ي"، فوظفته في تبرير اعتداءاتها على دول المنطقة، غير آبهة بالرأي العام الدولي، أو مواقف بعض الدول التي كثيراً ما كانت صديقة لـ"إسرائيل"، كما حدث مؤخراً مع قطر.
فائض القوة الإسرائيلي تزامن مع وجود نتنياهو (المأزوم داخلياً) في رئاسة الحكومة، والذي يرى في نفسه قائداً تاريخياً قادراً على تحقيق حلم "إسرائيل الكبرى" من الفرات إلى النيل".
العدوان الإسرائيلي على قطر...
لسنا بوارد الحديث عن موقف قطر من الكيان الصهيوني، والدور الذي لعبته منذ اندلاع الربيع العربي، ورغبتها في لعب دور محوري في المنطقة بغض النظر عن طبيعة هذا الدور.
اللعب على التناقضات سياسة برعت قطر في استخدامها وتوظيفها لمصلحتها، سعياً منها للعب دور وظيفي يتجاوز محدودية إمكاناتها وقدراتها، ويخلّصها من "عقدة الصغير" التي تعيشها.
الاعتداء على قطر يشكل اعتداءً على الأمة العربية التي أسهمت السياسات الخاطئة لحكامها في وصولهم إلى ما وصلوا إليه من ذل وهوان، تسببا بحالة من "الرفض الصامت" في كثير من الأحيان لسياساتهم، من قبل شعوبهم التي لم تعد قادرة على تحمل تبعات وأعباء العمل على إسقاطهم، وخاصة أن النتائج لن تكون مشجعة بالضرورة، وفقاً لما أثبتته التجارب.
لم يكن الاعتداء الصهيوني ليحدث دون موافقة ترامب، فكيف لصواريخ أن تخترق المجال الجوي لقطر في ظل وجود قاعدة العديد الأميركية.
تلك القاعدة التي لعبت دوراً كبيراً في احتلال العراق وتدميره، نجحت أيضاً في التصدي للعديد من الصواريخ الإيرانية التي وُجهت نحو قطر، لكنها لم تحرك ساكناً لمنع سقوط الصواريخ الإسرائيلية، ما يعني أن أميركا هي المتحكم فيها، وأن وجود مثل تلك القواعد لن يحمي الدول المستضيفة لها.
مئات المليارات التي دُفعت لترامب خلال جولته في المنطقة لم تشفع لحكامها، أما الدعم الأميركي لــ "إسرائيل" فهو التزام لا يمكن مناقشته أو التراجع عنه، أياً كان ساكن البيت الأبيض، جمهورياً أكان أم ديمقراطياً.
سكوت بعض الدول العربية عن استهداف "إسرائيل" لسوريا ولبنان واليمن، جعلهم يعتقدون أنهم بعيدون عن شرورها، لكن الوقائع تؤكد أن الأطماع الصهيونية لا حدود لها، وأن باقي دول المنطقة ليست بمنآى عما يحدث.
استخدام الأجواء السورية في العدوان الصهيوني على قطر يؤكد عدم احترام "إسرائيل" لمبدأ سيادة الدول، ويضع الحكومة السورية في حرج كبير أمام شعبها، وخاصة أنها أعلنت رغبتها في السلام، لكن الطرف الآخر يصر على رفض مصافحة اليد الممدودة له.
زمن سيادة الدول العربية على أجوائها بات من الماضي، فبعد استهداف قطر باتت المملكة العربية السعودية في عين العاصفة، ولا سيما أنها جزء من مشروع "إسرائيل" الكبرى، بينما قطر تقع خارجه، وعلى الرغم من ذلك فقد جرى استهدافها.
لم يعد من الممكن لقطر لعب دور الوساطة مع الجانب الفلسطيني، فالرد الإسرائيلي كان واضحاً، واللعبة من وجهة نظرهم باتت "لعبة صفرية"، ولا مستقبل لوجود حماس في قطر بكل تأكيد.
عند اغتيال إسماعيل هنية في طهران كان الحديث عن أن وجود قادة حركة حماس في قطر أكثر أماناً لهم، لكن اليوم، الأمر تغير والمراجعات التي تجريها الحكومة القطرية للمشهد بشكل عام ستخلص إلى ضرورة مغادرة عناصر الحركة للدوحة، وربما عودة الملف إلى مصر، ليقتصر الدور الخليجي على الدعم المالي والسياسي فقط.
إضعاف دول الشمال العربي (مصر وسوريا والعراق)، أعطى فرصة لدول الخليج العربي لتعظيم دورها ومكانتها، لكن الفراغ الذي تسبب به ستكون تبعاته كبيرة على جميع دول المنطقة.
تواصل الاعتداءات على سوريا...
الغريب في الأمر أنه كلما جرى الحديث عن الإعداد لعقد جولة جديدة من المباحثات بين الجانبين السوري والإسرائيلي تبادر "إسرائيل" إلى ارتكاب المزيد من الانتهاكات للأراضي السورية.
الهدف من تلك الاعتداءت ليس فقط تحسين وضع "إسرائيل" التفاوضي، بل التأكيد أن التفاوض لن يمنع "إسرائيل" من تغيير الواقع الذي لا يعجبها.
لا مكان لسوريا الواحدة الموحدة، تلك الحقيقة التي تسعى "إسرائيل" إلى تكريسها مستفيدة من حالة التشرذم الداخلي، وعدم قدرة الحكومة السورية على توحيد الموقف الشعبي، وتفهم مخاوف الكثير من مكونات المجتمع السوري.
لا يمكن الحديث عن السلام مع الخارج في ظل غياب السلام بين السوريين أنفسهم، ومواجهة الأزمات الداخلية عبر السعي لعقد صفقات خارجية فكرة غير صحيحة.
عودة الحديث عن قرار مجلس الأمن 2254 تشكل رسالة واضحة بشأن رؤية المجتمع الدولي للحكومة الانتقالية وعدم قدرتها على احتواء الموقف.
نزع السلاح يعني نزع سيادة الدولة عن كامل أراضيها، وهو ما تسعى "إسرائيل" إلى تكريسه في الجنوب السوري عبر اللعب بورقة الدروز، وقدرتها على تحويل المشهد إلى مشهد اعتيادي، فالاعتداءت باتت شبه يومية، والصمت الشعبي أكثر خطراً من صمت الحكومات.
الحديث عن انتخابات مجلس الشعب يبدو غير دقيق، والأصح ربما تسميتها انتقاء أعضاء مجلس الشعب من قبل رئيس الجمهورية، ومن قبل اللجنة التي جرى تعيينها من قبل الرئيس، ومن قامت باختيارهم ليكونوا الهيئة الناخبة. بمعنى أن الأعضاء سيكونون من لون واحد فكرياً، وبالتالي لا يمكن الادعاء بأنهم يمثلون مكونات الشعب السوري كافة.
سوريا على أرض الواقع مقسمة، والحل في سوريا لا يكون إلا بمقاربة سياسية للأوضاع عبر طاولة حوار مفتوحة للجميع، وليست دائرية (مغلقة) تقتصر على المجموعة الحاكمة.
كثير من الهيئات والجماعات السياسية المعارضة بدأت بالتشكل، وهو أمر طبيعي وحتمي ويُحسب للسلطة لا عليها، خاصة إذا استطاعت توفير البيئة المناسبة لهم للعمل من داخل سوريا لا من خارجها.
مقتل الأنظمة الحاكمة يكمن في استخفافها بالرأي الآخر وسعيها لوأد كل صوت معارض لها، ووقوعها في التظليل الذي تسوق له جوقة المطبّلين الذين يدورون في فلكها.
الحقيقة أن كل نظام سياسي ينتج معارضة على شاكلته، فإن كانت المعارضة ناضجة وقوية فذاك مؤشر على قوة السلطة ومنعتها، والعكس صحيح.
النية والرغبة لا تكفي لحل المشكلات، بل يجب البحث عن حلول لا يمكن التوصل إليها إلا عبر "تلاقح الأفكار". وهنا تبرز أهمية عودة العمل السياسي باعتباره ضرورة ملحة، فالهدف من الأحزاب هو أن يصبح البشر قادرين على التعريف بأنفسهم كجماعات ذات رؤى ومصالح مشتركة، لا طائفياً بل فكرياً.
بعد مرور نحو عشرة أشهر على سقوط النظام في سوريا، بات من المفيد الاعتراف بأن هناك قضايا وصلنا بها إلى طريق مسدود، وأنه لا بد من التراجع خطوة لالتقاط الأنفاس والتفكير قليلاً فيما يجب علينا القيام به.
من الواضح أن هناك الكثير من السوريون يسعون إلى استعادة الفضاء السياسي العام وهو أمر يجب ألّا يقلق السلطة، فوجود الأحزاب أمر مرتبط بشكل الدولة الحديثة، ويفضي في المحصلة إلى لجم النزعات الطائفية، ويقضي على التفكير في الهويات دون الوطنية.
تحصين جبهتنا الداخلية هو الخطوة الأولى اللازمة والضرورية لمواجهة الخارج، فالخارج متآمر والداخل يجب ألّا يبقى هشاً.