"نظرية هز الذيل" في "إسرائيل": هل يستخدم نتنياهو التصعيد العسكري لتحويل الأنظار؟

هل التصعيد الذي يقوم به نتنياهو على أكثر من جبهة يأتي استجابة لتهديدات أمنية حقيقية كما يدّعي هو وحكومته، أم هي محاولة لـ"هز الذيل" لإنقاذ نظام يتهدّده الانهيار من الداخل؟

0:00
  •  يلعب نتنياهو على عقدة الخوف والتهديد الوجودي، مستفيداً من حادثة السابع من أكتوبر.
    يلعب نتنياهو على عقدة الخوف والتهديد الوجودي، مستفيداً من حادثة السابع من أكتوبر.

تتوالى الأحداث داخل "إسرائيل" بطريقة دراماتيكية، فبعد إقالة وزير الحرب الأسبق يؤاف غالانت، يقدم رئيس الأركان هرتسي هليفي استقالته تحت ضغط رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وفجأة تتفجر قضية "قطرغيت" المتهم بها كل من الناطق باسم رئيس الوزراء إيلي فلدشتاين والمستشار الأكثر قرباً إلى نتنياهو يونيتان أوريخ بتلقي أموال من رجل اللوبي القطري في الولايات المتحدة الأميركية جييل برغر.

 وبدأت أصابع الاتهام تتجه مباشرة صوب نتنياهو نفسه. في هذه اللحظة، يعلن نتنياهو أنه فقد الثقة برئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رون بار ويعلن إقالته، ولم يكتفِ بذلك، بل عقد جلسة للحكومة للتصويت على إقالة المستشارة القضائية للحكومة غلي برهاف ميارا. تأخذ الأحداث أبعاداً دستورية تهدد استقرار النظام السياسي الإسرائيلي برمته، بعد إصدار المحكمة العليا قراراً بتجميد إقالة رون بار حتى تعيين جلسة محاكمة للاعتراضات التي قدمتها مجموعة واسعة من جمعيات الحفاظ على الديمقراطية ضد قرار الحكومة، وباتت "إسرائيل" تسير على خط التصادم مجدداً بين السلطة التنفيذية (الحكومة) وبين السلطة القضائية (المحكمة العليا)، وانقسم الشارع الإسرائيلي حسب استطلاع نشرته صحيفة "معاريف" بيّن أن 38% من الجمهور الإسرائيلي سيقفون مع قرار المحكمة العليا في حال ألغت قرار إقالة رئيس الشاباك مقابل 35% سيدعمون الحكومة بقرارها، والأمور تصبح أكثر حدة إذا علمنا أن 80% من مؤيدي الائتلاف الحاكم سيدعمون قرار الإقالة، مقابل 73% من مؤيدي المعارضة سيدعمون قرار المحكمة في حال صدوره بإلغاء الإقالة.

القطاع الاقتصادي والمالي في "إسرائيل" لم يكن بعيداً من تأثيرات تلك الأحداث المتسارعة، فأعلن مسؤول اتحادات العمل "الهستدروت" أنه في حال عدم احترام الحكومة قرار المحكمة العليا وتنفيذه في حال صدوره سيعلن "الهستدروت" عن إضراب شامل يشل القطاع الاقتصادي في الكيان، كما أرسل رؤساء 400 شركة تقنية في "إسرائيل" رسالة إلى نتنياهو بالمضمون ذاته، وعلى وقع تلك التداعيات سجلت البورصة في "تل أبيب" تراجعاً كبيراً أدى إلى خسارة فادحة مالياً.

وما زالت العاصفة السياسية تتعاظم، خاصة مع تأكيد نتنياهو عزمه على تنفيذ الإقالات. إذاً، تشهد "إسرائيل" واحدة من أعمق الأزمات الدستورية في تاريخها، وتحذيرات من "حرب أهلية" كما وصفها رئيس المحكمة العليا الأسبق أهارون باراك.

في خضم هذه العاصفة، يُسرع نتنياهو في استئناف الحرب مجدداً على غزة، ملقياً اتفاق الدوحة خلف ظهره، بل ويزيد التوتر على جبهة لبنان مجدداً، ويهدد بتوسيع الحرب البرية على غزة واحتلال أجزاء منها، كما صرّح وزير الحرب "إسرائيل كاتس". السؤال الذي يفرض نفسه: هل هذا التصعيد استجابة لتهديدات أمنية حقيقية كما يدّعي نتنياهو وحكومته، أم هو محاولة لـ"هز الذيل" لإنقاذ نظام يتهدده الانهيار من الداخل؟

نظرية "هز الذيل"، اشتُقّت من فيلم هوليوودي (1997) يصور اختلاق حرب وهمية لتحويل الانتباه عن فضيحة جنسية للرئيس، لكن جذورها تعود إلى تاريخ السياسة: حكومات تخلق أزمات خارجية لتصدير أزماتها الداخلية، الفكرة ببساطة: "الذيل (الأزمة المصطنعة) يهز الكلب (الواقع السياسي)"، أي استخدام الحدث الخارجي كستار لدوافع داخلية.

تماسك الكيان الإسرائيلي مبني على ثلاثة أسس:

الأول، الفكرة الصهيونية التي تعد أيديولوجية الدولة وجمهورها، ويعدّ الدين اليهودي أحد مرتكزات تلك الأيديولوجية الصهيونية.

الثاني، النظام السياسي الإسرائيلي المبني على إشراك شرائح المجتمع الإسرائيلي كافة به، كل حسب قدرته السياسية، ولذلك نجد أن النظام الانتخابي الإسرائيلي، نظام الدائرة الواحدة، والتمثيل النسبي، لإتاحة الفرصة للجميع في التمثيل السياسي، بالإضافة إلى قضية وجود السلطة القضائية المتمثلة بالمحكمة العليا وقدرتها على كبح تغوّل الأغلبية على الأقليات، وخاصة في عدم وجود مجلة حقوق إنسان دستورية في "إسرائيل".

الثالث، عقدة الخوف الوجودي من العرب، فالجميع لديه هذا الخوف الوجودي على نفسه وعلى استمرار كيانه، وغذت الحركة الصهيونية ذلك بشكل ممنهج ودائم، مستفيدة مما يسمى بأدبيات عقدة الهولوكوست وخراب الهيكل، ومعاداة السامية وغيرها.

يدرك نتنياهو أن الأساسين الأول والثاني، بدآ  بالانهيار وبات التماسك السياسي والاجتماعي للكيان يتزعزع بعد قرار اليمين الإسرائيلي تغيير شكل "إسرائيل" القديمة إلى "إسرائيل" الجديدة اليهودية الدينية بعيدة عن صورة الديمقراطية الخادعة.

في ظل هذا المشهد المعقد، يلعب نتنياهو على عقدة الخوف والتهديد الوجودي، مستفيداً من حادثة السابع من أكتوبر 2023 (طوفان الأقصى)، من أجل تمرير مخططات التغيير من دون انهيار التماسك الصهيوني الإسرائيلي الداخلي، بالإضافة إلى أن ذلك يخدم أجنداته الشخصية، لذلك استأنف الحرب على غزة ليس من قبيل المصادفة، بل هو هز للذيل الإسرائيلي، ليحقق التالي:

1. تحويل العدو الداخلي إلى خارجي:

  - تحويل الفضائح والانقسامات إلى "حرب وجود" ضد حماس وحزب الله، حيث يُصبح النقد الداخلي "خيانة" في زمن الحرب. 

2. إعادة تعريف شرعية نتنياهو:

 - يُعيد نتنياهو، المُحاصَر بقضايا فساد، ترسيخ صورته كـ"رجل الأمن القوي"، مستفيداً من دعم 80% من مؤيديه لقراراته الداخلية. 

3. العمل على تعطيل المؤسسات المعارضة:

- تحت ذريعة "الطوارئ الأمنية"، قد تُجمّد المحكمة العليا قراراتها، أو على الأقل تراعي الظرف الأمني وهي تتخذ القرارات، بالإضافة إلى تعرية المعارضة السياسية واتهامها بمهاجمة الحكومة في وقت الحرب، في حال اتخذت خطوات حاسمة ضد نتنياهو.

4. خنق الاحتجاجات الشعبية:

- يصعب على المحتجين تنفيذ المظاهرات والتجمع في ظل الطوارىء الأمنية، خاصة مع إطلاق الصواريخ على مركز الكيان سواء من غزة أو اليمن أو لبنان، وفي ظل استدعاء الاحتياط للقتال يصعب على اتحاد العمال "الهستدروت" أو الشركات الدعوة إلى الإضراب في ظل حرب تحتاج إلى كل مجهودات الأيدي العاملة لتعويض جنود الاحتياط.

لكن، هل يكفي "هز الذيل" لإنقاذ النظام الإسرائيلي؟

رغم أن النظرية قد تنقذ نتنياهو مؤقتاً، فإنها تحمل مخاطر جسيمة: 

تصاعد التكلفة البشرية، مع توسيع الحرب البرية في غزة يعني مزيداً من الخسائر لـ"إسرائيل"، وفقدان أسراها في غزة، ما قد يُعيد الشارع إلى مربع الاحتجاج، لكن بطريقة أكثر شراسة، إذا اكتشف الإسرائيليون أن الحرب "مسرحية"، لخدمة سردية "الزعيم المنقذ"، وبالتالي هذه المرة يُهزّ فيها الذيل حتى السقوط.

 

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.