أمير قطر في الهند... شراكة استراتيجية في مواجهة رسوم ترامب
الترحيب الحار والعناق الشديد الذي حظي به أمير قطر من رئيس وزراء الهند ليس بعيداً عن رغبة نيودلهي في تعزيز علاقاتها التجارية مع الدوحة في ظل الإكراه الاقتصادي الذي يمارسه ترامب.
-
ترتبط الهند وقطر بعلاقات متينة تحكمها مصالح البلدين وعمادها الطاقة.
بعد عشر سنوات تقريباً من زيارته الأولى إلى الهند، زار أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني نيودلهي، بناءً على دعوة من رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الذي كسر البروتوكول واستقبل بنفسه في المطار الأمير تميم بحفاوة بالغة.
خلال زيارته الهند، عقد أمير قطر قمة مع الرئيس مودي أسفرت عن تعزيز العلاقات بين البلدين، إذ تم الاتفاق على رفع العلاقات بينهما إلى شراكة استراتيجية، لتكون قطر الدولة الخليجية الخامسة التي تقيم مع الهند شراكة استراتيجية بعد المملكة العربية السعودية، سلطنة عمان، الكويت والإمارات العربية المتحدة.
وتم الاتفاق أيضاً على رفع حجم التبادل التجاري، خلال السنوات الخمس القادمة، ليصل إلى 28 مليار دولار. وتُعدّ الهند ثالث أكبر شريك تجاري لقطر إذ بلغ حجم التجارة الثنائية بينهما العام الماضي نحو 14 مليار دولار.
وتعهدت قطر بأن تستثمر في الهند 10 مليارات دولار في البنية التحتية والتكنولوجيا والتصنيع والأمن الغذائي والطاقة المتجددة، فضلاً عن فتح صندوقها السيادي مكتباً له في الهند.
ترتبط الهند وقطر بعلاقات متينة تحكمها مصالح البلدين وعمادها الطاقة، خصوصاً أن قطر تعدّ أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال إلى الهند، وهو ما يمثل أكثر من 48% من واردات الهند العالمية من الغاز، كما أنها أكبر مورد للهند من غاز البترول المسال، وهو ما يمثل 29% من إجمالي واردات الهند من هذا الغاز.
وتشكل الجالية الهندية في قطر دعامة الاقتصاد القطري إذ يبلغ عدد الهنود في قطر نحو840,000 ويشكلون نسبة 27% من سكان قطر، هذا بالإضافة إلى الشركات الهندية العاملة في قطر والتي يبلغ عددها نحو 20 ألف شركة.
جاءت زيارة أمير قطر إلى الهند بعد أيام قليلة من القمة التي جمعت الرئيس مودي مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. فقد سارع الرئيس مودي إلى لقاء ترامب بعد تهديد الأخير بفرض رسوم جمركية على الهند.
لذلك، حاول مودي تجنب فرض هذه الرسوم عبر عقد الاتفاقيات والصفقات مع الرئيس الأميركي إذ وافقت نيودلهي، التي لديها فائض تجاري مع الولايات المتحدة الأميركية يبلغ 45.7 مليار دولار، على تقليصه عبر زيادة صادرات الطاقة الأميركية وزيادة المشتريات العسكرية الأميركية التي تمهد في نهاية المطاف إلى بيع الهند مقاتلات من طراز F-35.
ومع ذلك، لم يستبعد ترامب فرض رسوم جمركية على الهند التي أطلق عليها مراراً وتكراراً لقب" ملكة التعريفات الجمركية "، منتقداً الرسوم الجمركية التي تفرضها على مختلف السلع الأميركية حيث تقوم نيودلهي بفرض رسوم جمركية تتراوح بين 42% و 120% على اللوز، 30% على الكرز والتوت البري، و50% على التفاح.
ولمعالجة بعض من مخاوف ترامب، تضمنت ميزانية الهند التي عرضت في بداية شباط/فبراير الجاري على البرلمان، تخفيضات في التعريفات الجمركية على العديد من المنتجات الأميركية، بما في ذلك دراجات هارلي ديفيدسون النارية.
ومن ناحية أخرى، وفي إطار سياسة فرض الرسوم الجمركية على الحلفاء والأعداء، فرض ترامب رسوماً جمركية بنسبة 25% على جميع واردات الصلب والألومينيوم إلى الولايات المتحدة من الدول كافة بلا استثناء. ويعتزم فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على السيارات وأشباه الموصلات والواردات الدوائية والأخشاب، إلا على الدول التي تخفض أو تزيل تعريفاتها الجمركية على السلع الأميركية.
قد تلحق التعهدات التي التزم بها مودي خلال اجتماعه بترامب ضرراً بالاقتصاد الهندي الذي يعاني من تباطؤ في النمو وتراجع في الطلب المحلي. كما قد تؤثر إجراءات الهند على الصناعات المحلية وعلى شعاري مودي "صنع في الهند" وجعل " الهند عظيمة مرة أخرى".
فمثلاً، خلال زيارة مودي إلى الولايات المتحدة الأميركية، التقى الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا"، إيلون ماسك، المقرب من الرئيس ترامب، وعلى ما يبدو فإنه قد تم الاتفاق على دخول شركة "تسلا" إلى السوق الهندية، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تعطيل صناعة السيارات الكهربائية الهندية.
وعليه، فإن إجراءات مودي لتجنب فرض رسوم جمركية أميركية، أو في حال فرض ترامب رسوماً على الهند، أكبر دولة من حيث عدد السكان، ستلحق خسائر بالاقتصاد الهندي الذي حاول مودي في الميزانية التي قدمتها حكومته للبرلمان تقديم إعفاءات ضريبية كبيرة للطبقة المتوسطة لحماية اقتصاد البلاد.
تحاول الهند تجنب التأثير السلبي المحتمل لفرض الرسوم الجمركية على سلعها الواردة إلى الولايات المتحدة الأميركية، عبر تنويع علاقاتها التجارية مع مختلف دول العالم. فتسعى مثلاً إلى إبرام اتفاقية تجارة حرة مع المملكة المتحدة، كما توطد علاقاتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي.
والترحيب الحار والعناق الشديد الذي حظي به أمير قطر من رئيس وزراء الهند ليس بعيداً عن رغبة نيودلهي في تعزيز علاقاتها التجارية مع الدوحة في ظل الإكراه الاقتصادي الذي يمارسه ترامب والرسوم الجمركية التي يهدد بفرضها.
فنرى مثلاً أن البلدين اتفقا على البدء بمفاوضات من أجل إبرام اتفاقية تجارة حرة، كما لدى الهند اتفاقية تجارة حرة مع الإمارات وفي مراحل متقدمة من المباحثات بشأن اتفاقية مماثلة مع سلطنة عمان. وتسعى نيودلهي إلى تسريع إبرام اتفاقية التجارة الحرة مع مجلس التعاون الخليجي.
وبهدف تعزيز التعاون التجاري بين البلدين، تم خلال قمة الأمير تميم ومودي رفع مستوى مجموعة العمل المشتركة الحالية المعنية بالتجارة والتبادل التجاري إلى لجنة مشتركة للتجارة والتبادل التجاري يرأسها وزيرا التجارة والصناعة من كلا البلدين.
ومع تعهد الهند بزيادة وارداتها من الطاقة الأميركية لتقليص العجز التجاري مع الولايات المتحدة، قد تخشى قطر، وهي أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال إلى الهند، من تقليل الأخيرة لوارداتها النفطية وما إذا كان ذلك سيؤدي إلى تقليص الأهمية الاستراتيجية لقطر بالنسبة إلى الهند.
الهند وقطر لديهما اتفاقات ضخمة في مجال الغاز فمثلاً في العام الماضي وقعت شركة "قطر للطاقة" وشركة "بترونت" اتفاقاً لتوريد الغاز الطبيعي المسال إلى الهند لمدة 20 عاماً بدءاً من عام 2028.
وفي حال تقليص الهند لوارداتها من الغاز القطري، فمن المحتمل أن تزيد الدوحة واردتها من الغاز إلى الصين، أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال، والتي لديها بالفعل اتفاقيات مع قطر في مجال الغاز.
فقد عرضت الدوحة على بكين مؤخراً تزويدها بالغاز الطبيعي المسال لمدة عشر سنوات بدءاً من العام 2028.
العالم منشغل اليوم بالرسوم الجمركية التي ينوي ترامب فرضها، إذ تحاول الدول تنويع شركائها وعلاقاتها التجارية للحد من الخسائر التي يمكن أن يتسبب بها فرض هذه الرسوم على اقتصاد الدول والاقتصاد العالمي ككل.