إيلون ماسك يريد الإطاحة بحكومة ستارمر العمالية
لا يمكن تجاهل انتقادات ترامب لسياسة الحكومة البريطانية بشأن استخراج الغاز من بحر الشمال وزيادة الرسوم على أعمال الحفر، والتي قد تكون من بين الأسباب التي دفعت إيلون ماسك للتصعيد.
لا يفوّت إيلون ماسك، منذ وصول حزب العمال إلى السلطة في بريطانيا في تموز/يوليو الماضي، فرصة من دون التصويب على الحكومة البريطانية، مروّجاً في تغريداته لأدبيّات اليمين المتطرّف، ساعياً كما يقول إلى "تحرير بريطانيا من الاستبداد" في محاولة ربما للإطاحة بحكومة كير ستارمر.
فقد بشّر باندلاع حرب أهلية في آب/أغسطس الماضي في إثر أعمال الشغب التي اندلعت بعد نشر تومي روبنسون، الزعيم السابق لجبهة الدفاع الإنكليزية اليمينية المتطرّفة، أخباراً كاذبة تتهم مسلماً بالوقوف وراء مقتل ثلاث فتيات في مدرسة رقص في بلدة ساوثبورت الساحلية شمال إنكلترا.
وقد فوّت رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الفرصة على المتصيّدين في أزمة تدفّق اللاجئين الذين حاولوا فرض أجندات يمينيّة متطرّفة، وذلك من خلال إحكام قبضته على مثيري أعمال الشغب وفرض أحكام صارمة وزجّهم في السجن.
ماسك، المعروف بكونه اليد اليمنى للرئيس الأميركي الجديد، يبدو أنه لا يملّ من العمل على إفشال حكومة العمّال، حيث عاد لمهاجمة ستارمر ووزرائه، لكن هذه المرّة من بوابة فضيحة عصابات استغلال الفتيات التي هزت بريطانيا قبل نحو عقدين من الزمن. وتعود هذه القضية إلى الفترة بين عامي 1997 و2013، حيث تعرّضت مئات الفتيات للاستغلال الجنسي المنظّم في مدن مثل روثرهام، وروتشديل، وأولدهام.
يلمّح ماسك إلى توّرط كير ستارمر عندما كان مدّعياً عامّاً في بريطانيا عام 2009، حيث يتهمه بالتستّر على بعض الضالعين في القضية، بعدما تبيّن لاحقاً أنّ بعض المتهمين الذين أُفرج عنهم كانوا متورّطين في حوادث استغلال جنسي للأطفال. أعاد ماسك هذه الحادثة إلى الواجهة مطالباً بمحاسبة ستارمر ونائبة وزيرة الداخلية جيس فيليب التي رفضت إنشاء لجنة تحقيق وطنية في هذه القضية التي مرّ عليها أكثر من عقدين.
تمهّل كير ستارمر في الردّ على اتهامات ماسك، ربما خوفاً من الإضرار بالعلاقات مع الإدارة الأميركية الجديدة، لكن يبدو أنّ الكيل قد طفح بعدما أثارت منشورات ماسك على منصة "أكس" جدلاً واسعاً في البلاد. انبرى رئيس الوزراء للدفاع عن نفسه وحكومته متهماً ماسك بالكذب والترويج لمعلومات مضلّلة، مشيراً إلى أنّ "الهدف من هذه الأكاذيب ليس الدفاع عن الضحايا، بل تحقيق مكاسب شخصية".
اعتبر ستارمر أنّ هذه الاتهامات تمسّ بالنظام السياسي والديمقراطي في بريطانيا،محاولاً تحويل لفت انتباه الأحزاب السياسية الى خطورة هجوم ماسك على أعرق الديمقراطيات في العالم. إلا أنّ زعيمة حزب المحافظين لم تستجب لدعوته، بل أيّدت في الثاني من كانون الثاني/يناير الماضي دعوة ماسك لإنشاء لجنة تحقيق وطنية بشأن قضية اغتصاب الفتيات. ويبدو أنّ دعوات ماسك لفتح التحقيق لاقت صدى بين بعض المحافظين، حيث انتقد روبرت جينريك، وزير العدل في حكومة الظلّ، تعليقات ستارمر ووصفها بأنها "تشويه فاضح".
تابع ماسك هجومه على كير ستارمر، واصفاً إياه بـ"الشرير" بسبب رفضه إنشاء لجنة تحقيق حول قضية اغتصاب الفتيات، متحدّياً رئيس الوزراء بقوله: "إذا كان الدفاع عن الأطفال يجعل المرء فاشياً، فليكن". ويبدو أنّ ماسك نجح في فرض أجندته، بعدما تراجعت نائبة وزيرة الداخلية، جيس فيليب، مبدية موافقتها على إنشاء لجنة تحقيق وطنية، مشترطة موافقة الضحايا على ذلك.
موافقة فيليب تتعارض مع توجّهات الشباب البريطاني، حيث أظهر استطلاع للرأي أنّ 66% من المشاركين يعتقدون أن ماسك "لا ينبغي أن يصبح مؤثّراً" في السياسة البريطانية، بمن فيهم 51% من مؤيّدي الإصلاح في المملكة المتحدة. ومع ذلك، يبدو أن الوقت قد فات لوقف تدخّل ماسك القوي في النقاش الوطني.
وسجّل حزب الليبراليين الأحرار ثالث أكبر الأحزاب البريطانية موقفاً مختلفاً في هذا الصدد، حيث لم يستغلّ تدخّل ماسك لمهاجمة الحكومة، على عكس حزب المحافظين، بل طالب باستدعاء السفير الأميركي في بريطانيا لتقديم توضيحات بشأن تصريحات ماسك، معتبراً أنها تشكّل تدخّلاً غير مقبول في الديمقراطية البريطانية.
تدخّل ماسك وأثره على النظام السياسي البريطاني
لا يقتصر تدخّل ماسك على تشويه صورة رئيس الحكومة ووزرائه، بل يسعى إلى تغيير النظام السياسي المعمول به في بريطانيا منذ عقود. في الآونة الأخيرة، ظهرت تقديرات تشير إلى إمكانية تحقيق طموحات زعيم حزب الإصلاح البريطاني، نايجل فاراج، بأن يصبح حزبه الأوّل شعبيّةً في بريطانيا، تمهيداً لاستلام مقاليد السلطة في الانتخابات المقبلة.
وتشير التقارير إلى نوايا ماسك بالتبرّع بنحو 100 مليون دولار لحزب الإصلاح البريطاني، في ظلّ المؤشّرات التي أظهرت أنّ عدد منتسبي حزب الإصلاح بات يفوق عدد منتسبي حزب المحافظين. يسعى كير ستارمر إلى تضييق الخناق على تدخّلات ماسك في الشؤون الداخلية، ومحاولة الحدّ من حصول حزب الإصلاح على أموال خارجية من خلال سنّ تشريعات تمنع تلقّي تبرّعات أجنبية، بما في ذلك أموال ماسك.
يحاول ماسك استغلال ثغرة في القانون البريطاني، تتيح له التبرّع لحزب الإصلاح عبر أرباح شركاته في المملكة المتحدة. لكنّ ماسك اصطدم بزعيم الإصلاح، حيث رفض نايجل فاراج دعوته إلى ضمّ ستيفن ياكسلي لينون، المعروف باسم تومي روبنسون، إلى الحزب. وقد اقترح استبدال فاراج الذي تربطه علاقات وطيدة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشخصية قيادية أخرى في حزب الإصلاح وهو البرلمانيّ روبرت لو.
يدافع ماسك بشراسة عن روبنسون، المسجون بتهمة ازدراء المحكمة، مطالباً بإطلاق سراحه، معتبراً أنه "سجين سياسي عوقب بسبب قوله الحقيقة بشأن عصابات الاغتصاب". ويرى ماسك أنّ روبنسون يمثّل "شهيداً لحرية التعبير وصوتاً بطولياً وحيداً"، بينما كرّر نايجل فاراج مراراً أنه لن يرحّب بروبنسون في حزب الإصلاح، متهماً إياه بإثارة الكراهية.
أسباب وطموحات ماسك في بريطانيا
يُعدّ قانون السلامة على الإنترنت في بريطانيا لعام 2023 أحد الأسباب التي دفعت رائد الأعمال التكنولوجي إلى التدخّل المتزايد في السياسة البريطانية.
فقد زعم ماسك أنّ السلطات البريطانية ترأس "دولة بوليسية استبدادية"، مشيراً إلى أنّ منصته "أكس" تواجه غرامات ضخمة قد تصل إلى 18 مليون جنيه إسترليني أو 10% من الإيرادات العالمية، في حال استضافت معلومات مضلّلة أو محتوى يحرّض على الكراهية أو العنف.
ولا يمكن تجاهل انتقادات ترامب لسياسة الحكومة البريطانية بشأن استخراج الغاز من بحر الشمال وزيادة الرسوم على أعمال الحفر، والتي قد تكون من بين الأسباب التي دفعت ماسك للتصعيد.
وعلى الرغم من محاولات كير ستارمر إبعاد القضية عن الخلافات الشخصية، فإنّ ذلك لا يخفي التباينات العميقة مع الإدارة الأميركية الجديدة. وقد يُعطي هذا الانطباع بأنّ الاشتباك السياسي له دوافع تتعلّق بالمصالح الاستراتيجية، ما قد يرسم ملامح مرحلة جديدة من العلاقات بين ترامب وستارمر، تهيمن عليها لغة المصالح على حساب العلاقات التاريخية بين البلدين.
هذا الوضع قد يدفع ستارمر إلى تعزيز علاقاته مع الجار الأوروبي وترميم ما أفسده خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست)، في محاولة لحماية بلاده من الضغوط الأميركية المتزايدة.