اتفاق الشرع وعبدي.. إردوغان مع من؟
التنسيق والتعاون بين أنقرة وواشنطن، فيما يتعلق بمجمل تطورات سوريا، في كل تفاصيلها، مستمرّان منذ فترة طويلة، بما في ذلك الملف الكردي، على الرغم من التصريحات الإعلامية المتناقضة.
-
لم يتأخر الرئيس إردوغان في إعلان تأييده اتفاق الشرع مع عبدي.
في الوقت الذي كان الرئيس إردوغان والمسؤولون الأتراك والإعلام الموالي يهددون ويتوعدون "قسد"، وقياداتها الكردية بالذات، فوجئ الجميع بخبر الاتفاق الذي توصل اليه الرئيس السوري الموقت، أحمد الشرع، مع قائد قوات "قسد"، مظلوم عبدي، وقيل إن مروحية أميركية حربية، من طراز آباتشي، نقلته من القامشلي إلى دمشق رفقة جنرال أميركي، والبعض قال فرنسي أيضاً.
الاتفاق الذي يبدو أنه كُتب على عجل، وفي ورقة غير رسمية، بتوقيع الشرع وعبدي، اكتسب أهمية إضافية بسبب توقيته الزمني، الذي صادف الأحداث الدموية التي عاشتها مجموعة من مدن الساحل السوري ومناطقه، وقيل إن عبدي كان موجوداً خلالها في دمشق للتباحث.
ويخيّم الغموض على تفاصيل الاتفاق واحتمالات تطبيقه، قبل نهاية العام الجاري، بعد اتفاق الطرفين على هذه التفاصيل، وخصوصاً فيما يتعلق بالحقوق الدستورية للكرد في سوريا الجديدة، وبالتالي صيغة دمج المليشيات الكردية في الجيش السوري الجديد، وككيان مستقل، كما هي الحال في شمالي العراق، في الوقت الذي يشرف الجنرالات الأتراك على بناء الجيش السوري الجديد كما هي الحال في معظم مؤسسات الدولة السورية وأجهزتها.
وترى أنقرة في ذلك ضماناً لمصالحها الوطنية والقومية الاستراتيجية في سوريا، وعبرها المنطقة عموماً، بعد حلّ المشكلة الكردية، تركياً وسورياً وعراقياً، وفق الحسابات التركية، التي يبدو أنها تحظى الآن، ولو مبدئياً، بدعم من واشنطن وباريس وسائر عواصم الغرب والمنطقة، والتي أعلنت مباركتها اتفاق الشرع مع عبدي، وبعده بيوم بين الشرع وقيادات الدروز في الجنوب السوري، مع استمرار الغموض الذي يخيم على الوضعين العسكري والأمني في المنطقة.
ويبدو أن "تل أبيب" لا ولن تتخلى عنها وفق تصريحات نتنياهو ووزرائه، بغياب رد الفعل السوري والعربي الرسمي، والإعلامي، ويبدو أن همه الوحيد هو تسويق المشروع السوري الجديد، بكل تناقضاته السياسية والعقائدية بالنسبة إلى الجميع .
فعلى سبيل المثال، لم يتأخر الرئيس إردوغان في إعلان تأييده اتفاق الشرع مع عبدي، في الوقت الذي كانت أنقرة قبل ذلك بأيام وطوال الشهر الماضي تهدد وتتوعد فيه عبدي وقواته كونها الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني التركي، الذي دعا زعيمه عبد الله أوجلان مقاتليه إلى وقف العمل المسلح ضد تركيا، وبالتالي حل الحزب، في مقابل الاعتراف بالحقوق السياسية والديمقراطية والدستورية للكرد في تركيا.
ويرى البعض من الأوساط في كل ما يحدث على صعيد الملف الكردي مجرد فصول في مسرحية الشرق الأوسط الجديد، الذي أرادت له واشنطن أن يكون في صيغة جديدة تم إعدادها بإسقاط نظام الأسد، خلال 12 يوماً، لم تشهد أي عمل عسكري جدي في الساحة السورية.
وتتسابق العواصم الأوربية والغربية والعربية، التي لا حول لها ولا قوة، فيما بينها، إلى الاعتراف بالنظام الجديد، الذي كان حكامه وما زالوا في لوائح الإرهاب دولياً.
ودفع ذلك أنقرة، الأربعاء (12 آذار/مارس) إلى إلغاء أسماء 13 من هؤلاء الذين كانوا في صفوف هيئة تحرير الشام، وقبل ذلك النصرة، من لوائح الإرهاب التركية، ومن بين هؤلاء التركي عمر محمد جيفتشي، الذي عينه الشرع قائداً لفرقة حماية دمشق.
ومن دون أن يخطر في بال أحد أن مظلوم عبدي والرئيس المشترك السابق لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني صالح مسلم، وآخرين من امثالهما، ما زالوا في لوائح الإرهاب التركية، في الوقت الذي قاد مظلوم عبدي، وهو من تلامذة عبّد الله اوجلان، "قسد" اعتباراً من عام 2017، والتي كانت وما زالت تحارب داعش، وكان أحمد الشرع، أي الجولاني سابقاً، من أهم قياداتها قبل أن ينتقل من العراق إلى سوريا، بداية الأحداث هناك في آذار/مارس2011 .
وتحدثت المعلومات آنذاك عن دعم أنقرة للنصرة والمجموعات الإسلامية المتطرفة كي تستفيد منها في حربها المستقبلية ضد الكرد في تركيا وسوريا. في الوقت الذي لم يتحدث أحد عن الصيغة التي سيتم الاتفاق عليها بين عبدي والشرع فيما يتعلق بتسليم المخيمات والسجون التي تؤوي نحو 70 ألفاً من بقايا مقاتلي داعش وعائلاتهم وأولادهم، وهي تحت حماية المليشيات الكردية بدعم من القوات الأميركية الموجودة في المنطقة. ومن بين هؤلاء عدد كبير من الأجانب، كما هي الحال في الفصائل الموالية للشرع، وأدت دوراً مهماً في مجازر الاسبوع الماضي وعناصرها من الشيشانيين والأويغور والأوزبك والألبان والمصريين والأردنيين والطاجيك وغيرهم .
ولم يتطرق اتفاق الشرع مع عبدي إلى مستقبل القوات الأميركية أو أي قوات اجنبية أخرى، كالتركية الموجودة في الشمال، والإسرائيلية الموجودة في الجنوب السوري، على بعد 20 كم عن العاصمة دمشق.
ومع أن البعض يذكّر بتصريحات الرئيس ترامب في الـ2 من كانون الثاني/يناير 2019 عندما أعلن خطته للانسحاب من سوريا بالتدريج، بعد أن قال "إن سوريا ضاعت منذ زمن طويل، ولم يبق فيها إلا الرمال والموت، والأتراك والأكراد يتقاتلون فيما بينهم منذ سنوات طويلة، وأنا لا يهمني إلا البترول، وهو ليس بثروة طائلة".
آخرون يقولون إن التنسيق والتعاون بين أنقرة وواشنطن فيما يتعلق بمجمل تطورات سوريا، في كل تفاصيلها، مستمرّان منذ فترة طويلة، بما في ذلك الملف الكردي، على الرغم من التصريحات الإعلامية المتناقضة، التي تتحدث عن قلق تركي من احتمالات عودة الغرب إلى اتفاقية سيفر، التي تحدثت عام 1920 عن دولة كردية في المنطقة، ثم أجلتها لمئة عام بعد أن رجحت عليها الدولة العبرية التي أقامتها في الأرض الفلسطينية عام 1948.
وهنا أيضاً تذكّر بعض الأوساط بموافقة الرئيس ترامب على الاتفاق مع الرئيس بوتين على التوغل التركي شرقي الفرات في الـ9 من تشرين الأول/أكتوبر 2019 ليسيطر على شريط حدودي من رأس العين إلى تل أبيض، بعرض 110 كم وعمق يتراوح بين 20 و25 كم، تمت السيطرة عليه بالتعاون مع مسلّحي ما يسمى الجيش الوطني السوري، الذي تأسس في تركيا صيف عام 2019.
وأغضب ذلك آنذاك الرئيس ترامب، الذي بعث في الـ20 من تشرين الأول/أكتوبر 2019 رسالة خطية معلنة للرئيس إردوغان، دعاه فيها إلى "الجلوس فوراً إلى طاولة المفاوضات مع مظلوم عبدي، والاتفاق معه على صيغة مشتركة تخدم الطرفين الحليفين لأميركا"، على حد قوله.
وما تحقق للرئيس ترامب، في بداية فترته الرئاسية الثانية، وهذه المرة، عبر أحمد الشرع، حليف إردوغان، ومظلوم عبدي، حليف ترامب، الذي قال "إن من يحكم في دمشق هو إردوغان"، بعد أن قال عنه إنه "ذكي ومحنك سياسياً، بحيث سيطر على سوريا ولو بشكل غير لبق".
في جميع الحالات، ومع انتظار تطورات المرحلة المقبلة، والأنظمة العربية على هامشها، والتي ستحدد المسار والمضمون والتفاصيل للمصالحة بين دمشق والقامشلي، يبقى الرهان على موقف الرئيس ترامب وفريق عمله المتضامن مع "تل أبيب" من جهة ومع كرد سوريا من جهة أخرى، وهم جميعاً ضد إردوغان بحجة أقواله وأفعاله "الإسلامية المتطرفة"، هذا بالطبع إن كانت صادقة في كلامها ومواقفها هذه.
حالها حال نتنياهو والمسؤولين الإسرائيليين، الذين يهددون ويتوعدون إردوغان ويقولون عنه أنه "يشكّل خطراً على المشاريع والمخططات الإسرائيلية في سوريا والمنطقة ما دام الشرع يأتمر بأوامره"، حتى إن الشرع وإردوغان لم يحركا ساكناً حيال ما قامت وتقوم به "تل أبيب" من تدمير ممنهج لقدرات سوريا العسكرية لتتسنى لها السيطرة الكاملة على الجنوب السوري ومنع دمشق من أي عمل عسكري ضد الكرد في شرق الفرات، وهو ضمن اهتمامات أنقرة.
ويراهن الكثيرون على الأوراق التي تملكها في مساوماتها أو صفقاتها القادمة مع الرئيس ترامب، الذي سيتفرغ لسوريا بعد إغلاق ملف أوكرانيا بعد استسلام زيلينسكي، ويريد ترامب لآخرين من أمثاله أن يلحقوا به، بشكل أو بآخر، بعد أن أثبت للجميع أنه هو الأقوى في مساوماته معهم، ما داموا يخافونه، ولكل له أسبابه في ذلك، بسبب أزماتهم ومشاكلهم الداخلية والخارجية، والتي يجب أن تكون في خدمة المصالح الأميركية، وإلا فإن واشنطن "لن تحميهم إذا لم يدفعوا لها، أو ينفذوا أوامرها. والقول لسيد الجميع: ترامب!