الصراع الهندي -الباكستاني.. المياه أقوى من النووي

إسلام أباد تتهم منذ عدة سنوات نيودلهي بالعمل على استخدام المياه كسلاح فعّال ضدّها وذلك من خلال السدود التي تبنيها على الأنهار التي تنبع في أراضيها وتدخل الأراضي الباكستانية.

0:00
  • تتهم إسلام أباد جارتها نيودلهي بإنشاء الكثير من السدود.
    تتهم إسلام أباد جارتها نيودلهي بإنشاء الكثير من السدود.

ترى إسلام أباد في حوض نهر السند مورداً لا غنى عنه لباكستان لأنه يُوفّر 90%؜ من إنتاجها الزراعي، ويُساهم بنسبة 25%؜ من الناتج المحلي الإجمالي وبنسبة 20%؜ في إنتاجها للكهرباء.

وتعتمد باكستان اعتماداً كبيراً على تدفّق مياه نهر السند وترى في أيّ انخفاض في حصتها المائية من النهر المذكور تهديداً مباشراً لبقائها. وهو ما لم تضعه نيودلهي بعين الاعتبار التي علّقت الأسبوع الماضي العمل باتفاقية مياه السند الموقّعة عام 1960 بحجة أنّ "الدم والماء لا يجتمعان"، في إشارة منها إلى العمليات الإرهابية منذ 2016 التي حمّلت مسؤوليتها للحكومة الباكستانية.

ويعود تاريخ الخلاف بين البلدين في موضوع مياه الأنهار المشتركة إلى عام 1947 عندما استقلّت باكستان عن الهند التي كانت مستعمرة بريطانية. وبعد سنوات من الخلاف بين البلدين حول المياه وقّع رئيس وزراء الهند نهرو مع الرئيس الباكستاني أيوب خان في 19 أيلول/سبتمبر 1960 في مدينة كراتشي على معاهدة مياه السند لتقاسم المياه بين البلدين وتمّ تخصيص 19,48%؜ من مياه السند للهند و 80,52%؜ لباكستان .

وتعترف الاتفاقية للهند بحقوق حصرية على الأنهار الشرقية (وهي سوتليج، وبياس، ورافي بمعدل تدفّق سنوي يصل إلى 41 مليار متر مكعب سنوياً مقابل أن تحصل باكستان على الحصة الأكبر من الأنهار الغربية وهي السند، وجيلوم، وتشيناب وبمعدل تدفّق سنوي يصل إلى 99 مليار متر مكعب .

وتتهم إسلام أباد ليس الآن فقط بل منذ عدة سنوات نيودلهي بالعمل على استخدام المياه كسلاح فعّال ضدّها وذلك من خلال السدود التي تبنيها على الأنهار التي تنبع في أراضيها وتدخل الأراضي الباكستانية.

وتتحجّج الهند بالتغيير السريع والخطير في المناخ والارتفاع الكبير في درجات الحرارة، وهو ما قد يؤدّي إلى عجز يصل إلى 50% في تدفّق مياه نهر السند عام 2030.

وتتهم إسلام أباد جارتها نيودلهي بإنشاء الكثير من السدود بهدف الري أو توليد الطاقة الكهربائية،  وتقول "إنّ أيّ محاولة هندية لوقف أو تحويل تدفّق مياه نهر السند وغيره من الأنهار ستعدّه سبباً للحرب". وكادت أن تقع  لولا الوساطات التي بذلتها العديد من الدول مع  استمرار التوتر الخطير بين البلدين الجارين وللعداء بينهما الكثير من الأسباب الدينية والتاريخية والجغرافية والسياسية.

وينعكس هذا العداء  على مجمل المعادلات الإقليمية والدولية بسبب امتلاك البلدين للسلاح النووي وتشابك علاقات البلدين مع أطراف أخرى، وأهمها الصين وروسيا وأميركا وتركيا و"إسرائيل" حليف نيودلهي الاستراتيجي.

كما هي حليف أديس أبابا التي يرى فيها الكيان الصهيوني عمقاً استراتيجياً لمشاريعه ومخطّطاته الدينية والتاريخية والاستراتيجية باعتبار أنّ إثيوبيا تحدّ العديد من الدول الأفريقية المهمة جداً بالنسبة لـ "تل أبيب"، كما هي تسيطر على مياه النيل الأزرق السلاح الذي تريد له "تل أبيب" أن يستهدف مصر التي خرج منها "بني إسرائيل" وقبل أن يصبح موسى نبياً  وفق المقولات والأساطير التوراتية.

ولهذا السبب سعى الكيان العبري منذ قيامه عام 1948 لإقامة تحالف استراتيجي مع أديس أبابا التي شجّعتها "تل أبيب" ومعها واشنطن وبشكل خاص بعد ثورة تموز/يوليو 1952 في مصر على إنشاء أكبر عدد من السدود على النيل الأزرق وروافده، ومن دون المبالاة بحقوق دول المصبّ وأهمّها البلدان العربيان السودان ومصر.

وأنشأت إثيوبيا أربعة سدود على نهر الأواش المشترك مع جيبوتي وسدّين على نهر شبيلى المشترك مع الصومال وثلاثة سدود على نهر أومو المشترك مع كينيا وأربعة سدود مع السودان ومصر، وسد غيلغيل غيبى الرابع والخامس على نهر أومو المشتركين مع كينيا، بالإضافة إلى سدود أخرى لتخزين المياه وتوليد الطاقة الكهربائية وعلى مختلف الأنهار وعددها 12 نهراً و22 بحيرة ومخزون كبير من المياه الجوفية، ويقدّر إجمالي الطاقة المائية لها جميعاً بنحو 900 مليار متر مكعّب سنوياً.

 وتريد لها "تل أبيب" ومعها واشنطن أن تكون سلاحاً فتّاكاً يمكن استخدامه ضدّ جاراتها وبشكل خاصّ مصر التي كانت دائماً ضمن حدود العقيدة اليهودية ودولتها المنشودة من النيل إلى الفرات ومنابعه موجودة في تركيا.

وقال عنها بن غوريون في الخمسينيات إنها بمثابة الرئة الثالثة إلى جانب إيران في عهد الشاه وإثيوبيا في عهد الإمبراطور هيلاسيلاسي، ومن دون أن تبالي آنذاك بـ "سنية"  تركيا و"شيعية" إيران.

وربما لهذا السبب طلبت المخابرات الأميركية في الخمسينيات من أنقرة بناء سدود كبيرة على نهري الفرات ودجلة بدلاً  من السدود الصغيرة التي كانت الحكومة التركية تفكّر بإنشائها آنذاك.

وقد أثبتت وثائق السفارة الأميركية التي تمّت مداهمتها في 4 تشرين الثاني/نوفمبر 1979 في طهران هذه الحقيقة التي تحوّلت إلى واقع عملي بقرارات حكومة رئيس الوزراء سليمان دميرال الذي أصبح رئيساً للوزراء سبع مرات، وبعدها رئيساً للجمهورية بفضل الدعم الأميركي الذي جعل من تركيا عام 1952 عضواً في الحلف الأطلسي، ثم في عام 1955 بلداً مؤسساً لحلف بغداد لتتحوّل إلى خندق  أمامي لمواجهة الخطر الشيوعي السوفياتي والقومي العربي قبل وبعد قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر  وسوريا.

ومع التذكير بأطماع الكيان الصهيوني في مياه فلسطين ومصر ولبنان وسوريا ومنها إلى جنوب الأناضول وغرب العراق حيث الفرات ودجلة، شهدت العلاقات التركية مع كلّ من سوريا والعراق وأكثر من مرة فتوراً وتوتراً بسبب السدود التي بنتها تركيا على هذين النهرين، وخاصة الفرات وعليه خمسة سدود كبيرة وآخرها يبعد عن الحدود مع سوريا نحو ثلاثة كيلومترات فقط.

وهو ما يساعد أنقرة لمنع تدفّق هذه المياه إلى سوريا ومنها إلى العراق على الرغم من الاتفاقية التي وقّع عليها الرئيس الراحل تورغوت مع الرئيس الراحل حافظ الأسد عام 1987.

وتعهّدت بموجبه أنقرة بترك 500 متر مكعّب في الثانية من مياه الفرات إلى كلّ من سوريا والعراق وعلى أن تصبح هذه الكمية 600 متر مكعب بعد خمس سنوات .

ومع احتمالات أن تستخدم أنقرة المياه كورقة مساومة أو تهديد ضدّ الكرد في حال استمرار سيطرتهم على الشمال الشرقي لسوريا وتمرّ من أراضيها  مياه الفرات ودجلة معاً.

ولم توقّع أنقرة على الاتفاقية الدولية لعام 1997 والخاصة بتقاسم مياه  الأنهار، وتقول إنّ من حقّها الاستفادة من مياه الفرات ودجلة كما تشاء باعتبار أنّ هذين النهرين عابران للحدود وليسا مشتركين كما تقول دمشق وبغداد وتعتمدان  بشكل رئيسي على مياه النهرين.

 وقامت بينهما وعلى ضفافهما العديد من الحضارات التي عمّرت لمئات السنين بفضل هذه المياه التي يبدو واضحاً أنّ الحروب المقبلة ليست فقط في المنطقة بل في العالم أجمع ستكون من أجلها بسبب سياسات العداء التي تستفزّها الدول الاستعمارية والإمبريالية حليفة الصهيونية العالمية.

وأدّت دائماً دوراً مباشراً وغير مباشر في مجمل العداءات الإقليمية وحتى تبقى كلّ مياه المنطقة ملكاً لها بعد أن يتقاتل الجميع فيما بينهم من أجل هذه المياه.

وتقف بدورها موقف المتفرّج وفي انتظار الوقت الأنسب لتطبيق مشاريعها ومخططاتها الدينية والتاريخية التي تهدف لإقامة "دولة إسرائيل الكبرى" من النيل إلى الفرات، ويبدو واضحاً أنّ مياهها ومياه الأنهار التي تشبهها كما هو الحال بين الهند وباكستان أكثر تأثيراً  وفتكاً من أيّ سلاح نووي!