القوقاز.. خاصرة روسيا وإيران الرخوة
تحظى أذربيجان باهتمام الكيان العبري الذي يتحدث الإعلام الغربي عن وجوده الاستخباري فيها وبشكل خاص في المناطق الجبلية الوعرة على طول الحدود بين أذربيجان وإيران.
-
هل يعد القوقاز بدوله الثلاث جبهة جديدة لمحاصرة إيران من الشمال؟
بعيداً عن اهتمامات الإعلام العربي والدولي، استقبل الرئيس إردوغان في مكتبه الرسمي في قصر دولمابخشة العثماني التاريخي في اسطنبول في 20 يونيو/ حزيران الماضي رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، وبحث وإياه مستقبل العلاقات الثنائية بتفاصيلها المثيرة، ومجمل التطورات الإقليمية وفي مقدمتها العلاقات الأرمينية - الأذربيجانية، بانعكاسات ذلك على موازين القوى في منطقة القوقاز وجوارها.
واكتسبت الزيارة أهمية إضافية لتوقيتها الزمني، لأنها صادفت الفتور والتوتر بين موسكو وكل من ياريفان و باكو ولأسباب مختلفة، أهمها التحريض الأميركي والإسرائيلي، حيث للوبيات اليهودية ثقل مهم في هاتين العاصمتين وإعلامهما بالذات، حيث يتهم الإعلام الأرميني روسيا بالعمل على زعزعة الاستقرار في أرمينيا، وعبر الكنسية الأرمينية الموالية للكنسية الأرثوذكسية الأم في موسكو.
ودفع ذلك سلطات الأمن إلى اعتقال العديد من أساقفة الكنيسة الأرمينية بحجة التآمر على الحكومة، في الوقت الذي كانت فيه العلاقات الروسية - الأذربيجانية تشهد توتراً جدياً بسبب الاستفزازات والمضايقات التي يتعرض لها الروس في أذربيجان، والرد على ذلك في روسيا ولأسباب عديدة، منها ما هو سياسي، وأخرى تاريخية بتحريض خارجي.
فالجميع يعرف حجم علاقات التحالف الاستراتيجي بين باكو و "تل أبيب" ومساعيهما لتحالفات مماثلة مع الدولة الثالثة في القوقاز وهي جورجيا، حيث لتركيا أيضاًً علاقات مميزة مع هذا البلد، في الوقت الذي ترى فيه أنقرة في أذربيجان البلد والشعب الشقيق للأتراك بجذورهم التاريخية القومية.
وجاء التقارب التركي- الأرميني الأخير ليدعم مشاريع ومخططات الرئيس إردوغان القومية والتاريخية والاستراتيجية، بل وحتى الاقتصادية، حيث يقوم أنبوب النفط الممتد من باكو إلى ميناء جيهان التركي على الأبيض المتوسط مروراً بجورجيا، بنقل البترول الأذربيجاني الذي يغطي أكثر من خمسين في المئة من احتياجات الكيان الصهيوني.
وتخطط أنقرة ومعها الشركات العالمية لمد أنابيب أخرى لنقل البترول والغاز التركمانستاني، ولاحقاً الكازاخستاني عبر هذا الأنبوب، الذي ترى فيه موسكو خطراً على مخططاتها ومشاريعها الغازية والنفطية، مع التذكير بوجود أنبوبين لنقل الغاز الروسي إلى تركيا، وثالث إلى أوروبا عبر تركيا أيضاً.
ومع التذكير بحرب إقليم كاراباخ، حيث نجحت أذربيجان في استرجاعه من الأرمن عام 2022 وبدعم من تركيا والكيان العبري، يرى المراقبون في التوتر الأخير بين موسكو وكل من باكو و ياريفان جزءاً من الحسابات الإقليمية والدولية الخاصة بمنطقة القوقاز، الخاصرة الرخوة، لا فقط لروسيا، بل لإيران، خاصة بعد حربها الأخيرة مع "إسرائيل".
فقد اتفقت أذربيجان مع أرمينيا وبدعم تركي وضوء أخضر روسي على إنشاء طريق بري وحديدي تحت اسم ممر زانجزور، يربط أذربيجان بإقليم ناختشيفان ( له حدود مع تركيا بطول ١٢ كم ) وهو جزء من أذربيجان، وتفصله عن أذربيجان أراضي أرمينيا.
ويمتد الممر وهو بطول130 كم داخل أراضي أرمينيا، وبشكل موازٍ للحدود الطبيعية بين أرمينيا وإيران، التي تعترض على هذا الممر باعتبار أنه سيغيّر من الخارطة الجغرافية الطبيعية في المنطقة، ويقطع علاقة إيران بأرمينيا التي كانت مدعومة من طهران خلال حربها في كاراباخ، والكلام هنا للأوساط القومية التركية.
وتحظى أذربيجان باهتمام الكيان العبري الذي يتحدث الإعلام الغربي عن وجوده الاستخباري فيها، وبشكل خاص في المناطق الجبلية الوعرة على طول الحدود بين أذربيجان وإيران، التي تحدثت عن احتمالات انطلاق بعض المسيرات الإسرائيلية من أراضيها خلال الحرب الأخيرة.
كما تحظى المنطقة باهتمام مماثل من تركيا وروسيا، وتشهد علاقاتهما منذ العام 1550 في عهد السلطان العثماني سليمان القانوني فترات من الفتور والتوتر والحروب (16 حرباً حتى عام 1916) وحتى في العهد السوفياتي بعد أن انضمت تركيا إلى الحلف الأطلسي عام 1952.
ومن دون أن يمنع كل ذلك "المصافحات الودية " بين إردوغان وعالييف وبزيشكيان وزعماء الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى، وقد حضروا معاً الجمعة (4 تموز ) قمة مجلس التعاون الاقتصادي التي انعقدت في خان كنتي عاصمة إقليم كاراباخ.
مع التذكير بأن الجمهوريات الإسلامية ذات الأصل التركي في القوقاز وآسيا الوسطى كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي، ويسعى الرئيس إردوغان الآن لجمعها تحت المظلة التركية العثمانية بدعم أميركي وغربي مباشر وغير مباشر، يهدف إلى تضييق الحصار على روسيا عبر هذه الجمهوريات، التي قد تشكل خطراً على حسابات موسكو باعتبار أنها قريبة من ثمانٍ من جمهوريات الحكم الذاتي داخل حدود روسيا الفدرالية، ومعظم سكانها من المسلمين كالشيشان وداغستان وتترستان وأنغوشيا وياقوتي وغيرها.
وجاء الاعتراف الروسي المفاجئ في 3 تموز بإمارة طالبان في أفغانستان كرد فعل على التحركات الأميركية والغربية وحلفائها في المنطقة، ويبدو واضحاً أنها مرشحة لأن تكون شرق أوسط جديداً.
ويرى الغرب ومعه الكيان العبري في هذه المنطقة أي القوقاز بدوله الثلاث، أذربيجان وأرمينيا وجورجيا، عمقاً استراتيجياً يمكن تحويله إلى جبهة جديدة لمحاصرة إيران من الشمال، وهو ما سيمنع روسيا من النزول إلى المياه الدافئة في منطقة الخليج، مع المعلومات التي تتوقع إغلاق قواعدها في سوريا بعد التوقيع على اتفاقيات التعاون السياسي والعسكري بين دمشق وكل من واشنطن و أنقرة ولاحقاً "تل أبيب"، مع السيناريوهات التي تتحدث عن دور سوري محتمل في المخططات والمشاريع الأميركية - الإسرائيلية المستقبلية.
وسيكون ذلك كالعادة بالتواطؤ العربي والإقليمي من جديد ضد إيران، بعد أن فشل العدوان الأخير في تحقيق أهدافه، وأهمها تدمير البرنامج النووي وتفجير الوضع الداخلي، خاصة في المناطق الغربية، حيث يعيش الكرد والآذريون، وبهدف إسقاط النظام.
وهو ما دفع وسيدفع أعداء طهران إلى مزيد من التنسيق والتعاون والعمل المشترك في السر والعلن ضد إيران، وكل من يقف إلى جانبها في المنطقة وخارجها، والأولوية الآن لروسيا التي يعتقد الغرب أنها في وضع لا تُحسد عليه في حربها في أوكرانيا، تريد لها " إسرائيل" وفيها مليون يهودي من أصول روسية ومعها واشنطن، أن تتخلى عن حلفائها، وأهمهم الآن إيران التي تحد منطقتي القوقاز وآسيا الوسطى من الجنوب، فيما تحدها روسيا من الشمال.
في الوقت الذي تسعى فيه تركيا للتمدد في هذه المنطقة غرباً وشرقاً حتى حدود الصين وبدعم إن لم نقل تحريض من واشنطن والعواصم الغربية، بل وحتى "تل أبيب" المستفيدة من كل ما جرى ويجري في المنطقة، منذ ما يسمى الربيع العربي الذي لم يمر على أنظمة الخليج لأًن واشنطن تحميها، وكما قال ويقول الرئيس ترامب لا فقط لأنها تدفع له بل لأنها ومع "تل أبيب" في الهوا سوا!