"فورين أفيرز": كيف عززت الضربات الأميركية الإسرائيلية قوة النظام الإيراني؟

تتّجه إيران الآن نحو عقد اجتماعي جديد يعلي من شأن الأمن القومي فوق كلّ اعتبار.

  • "فورين أفيرز": كيف عززت الضربات الأميركية الإسرائيلية قوة النظام الإيراني؟

مجلة "فورين أفيرز" الأميركية تنشر مقالاً يقدّم قراءة شاملة للهجوم الإسرائيلي باعتباره حدثاً مفصلياً في صراع طويل بين "إسرائيل" وإيران، لكنه لم يُضعف إيران استراتيجياً بقدر ما أعاد ترتيب أولوياتها، وقوّى مؤسساتها الأمنية، وأضعف منطق التسوية الدبلوماسية. 

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:

كان الهجوم الإسرائيلي على إيران في الـ 13 من الشهر الفائت، من أسوأ النكسات التي شهدتها الجمهورية الإسلامية، حيث استطاع الإسرائيليون تنفيذ عمليات اغتيال واسعة طالت كبار القادة والعلماء النوويين الإيرانيين، وتدمير العديد من أنظمة الدفاع الجوي، والإضرار بمنشآتها النووية.

وقد استند الإسرائيليون إلى اختراقات أمنية أحدثوها داخل المؤسسة العسكرية في هجومهم، الذي انضمّت إليه الولايات المتحدة في مرحلته الأخيرة. ونتيجة لذلك ضعفت قوات الجيش الإيراني، ممّا كانت عليه قبل شهر واحد فقط.

لكن، بدلاً من الانهيار تحت وطأة الصدمة، استعادت الجمهورية الإسلامية حيويتها، وقد أدّت الضربات إلى حالة من الالتفاف الوطني تحت راية الدولة، حيث تآزر الإيرانيون إلى جانب الحكومة للدفاع عن البلاد، في وقت تمّ فيه بسرعة تعيين بدلاء عن المسؤولين الذين قضوا في الهجوم، ممّا زاد تماسك الأمة الإيرانية، وعزّز نفوذ حرس الثورة الإسلامي.

من المرجّح أن يصبح النظام أكثر شراسة في اعتقال كلّ من يراه خائناً. والأهمّ من ذلك، قد يكون الإيرانيون أكثر استعداداً لقبول الدولة كما هي، وقد تتّجه البلاد الآن نحو عقد اجتماعي جديد يعلي من شأن الأمن القومي فوق كلّ اعتبار.

مع ذلك، لا تزال استراتيجية الأمن القومي الإيراني على حالها إلى حدّ كبير. قد تكون الجمهورية الإسلامية أضعف في بعض النواحي بعد الهجوم عليها، لكنّ قادتها فخورون بصمودهم في وجه الهجمات الإسرائيلية والأميركية، ويرون إنجازاً كبيراً في الأضرار الجسيمة التي ألحقوها بمدن "إسرائيل"، ويعتقدون أنّ إظهار العزيمة في وجه العدوان هو السبيل الوحيد لردعه.

عليه سينطلق القادة الإيرانيون في إعادة بناء شبكة الحلفاء بمحور المقاومة، وستتراجع ثقتهم بالدبلوماسية أكثر من ذي قبل، وسيمهّدون الطريق لحرب استنزاف طويلة مع "إسرائيل"، وربّما لإحداث اختراق نووي.

اتحدوا وقاتلوا

في الأسابيع التي سبقت الهجوم الإسرائيلي على إيران، بدا وكأنّ طهران وواشنطن قد تتوصّلان إلى حلّ سلمي للنزاع بشأن البرنامج النووي الإيراني. وللمرّة الأولى منذ انسحاب الولايات المتحدة من خطّة العمل الشاملة المشتركة في عام 2018، أي الاتّفاق النووي الذي توصّلت إليه طهران مع واشنطن ودول كبرى أخرى، أشارت إدارة دونالد ترامب إلى استعدادها لقبول ترتيب يسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 3.67%، وهو المستوى الذي وافقت عليه الولايات المتحدة بموجب خطّة العمل الشاملة المشتركة بدلاً من عدم التخصيب على الإطلاق.

من جانبها، أبدت طهران انفتاحها مجدّداً على التحدّث مباشرة مع المسؤولين الأميركيين بدلاً من اللجوء حصرياً إلى وسطاء. واعتقد بعض المحلّلين أنّ اتّفاقاً نووياً جديداً قد يكون وشيكاً.

لكن مع تقدّم المفاوضات، بدأت إدارة ترامب بالتراجع عن مرونتها الأوّلية، متذبذبة بين المطالبة بوقف التخصيب تماماً والتفكيك الكامل للبنية التحتية النووية الإيرانية. وفي غضون ذلك، واصلت "إسرائيل" إضعاف موقف طهران بشنّ هجمات على حزب الله وهو أقوى شركائها، و"حماس"، وتدمير بعض الدفاعات الجوية الإيرانية.

وكانت الجمهورية الإسلامية قد تأذّت أيضاً في كانون الأوّل/ديسمبر، عندما أطاح المتمرّدون بالرئيس السوري بشار الأسد الحليف المخلص لإيران. مع ذلك، واصلت طهران نهجها بحذر، وحافظ المسؤولون الإيرانيون على طاولة المفاوضات على أمل تجنّب أيّ هجوم، وسعياً لتعزيز اللحمة الداخلية.

في البداية، افترض العديد من الإيرانيين العاديين أنّ الصراع سيكون مواجهة قصيرة بين حكومتين من غير المرجّح أن تؤثّر فيهم. ولكن مع تكثيف الضربات واستهداف البنية التحتية وقتل المواطنين العاديين، بدأ العديد من الإيرانيين يستنتجون أنّ الهجمات لم تكن مجرّد حرب ضدّ النظام، بل إنّها حرب ضد الأمّة كلّها.

كما تضاعفت المشاعر الوطنية بعد أن حثّ ترامب والمسؤولون الإسرائيليون سكّان طهران على إخلاء منازلهم. يقول أحد سكّان طهران لصحيفة غربية: "أنا لست من مؤيّدي الحكومة، لكنّ الوقت الآن لإظهار التضامن مع إيران. وهم يطالبوننا بإخلاء منازلنا كما لو كانوا يهتمّون بصحّتنا. كيف يمكن لمدينة يبلغ عدد سكّانها 10 ملايين نسمة إخلاءها، أنا وزوجتي لن نمهّدَ الطريق لهم لو قتلونا".

بدلاً من إثارة غضب شعبي على الدولة الإيرانية، أدّت الهجمات إلى تفجّر المشاعر القومية، بينما صدّت الجمهورية الإسلامية الهجوم الإسرائيلي، وردّت بصواريخ باليستية لاقى الردّ ترحيباً حارّاً من الكتّاب والفنّانين والمغنين الإيرانيين، وكثير منهم عادة ما يكونون غير سياسيين أو معارضين للحكومة.

واعتبر إيرانيون أنّ الصراع هو حرب وطنية إيرانية ونضال قومي يتجاوز السياسة. حتّى إنّ بعض المعارضين القدامى والسجناء السياسيين السابقين انضمّوا إلى هذا الحشد.

ومن المرجّح أن تستغل الحكومة الإيرانية هذه الاستراحة لتسريع وتيرة تسليحها استعداداً لصراع طويل الأمد. ونظراً لتراجع الضغوط الداخلية، ستوجّه مواردها إلى حرس الثورة الإيراني والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأخرى. ولا سيّما أنّ الكثيرين في طهران يتوقّعون انهيار وقف إطلاق النار الهشّ في أيّ لحظة.

لا شكّ في أنّ إيران ستواجه تحدّيات في التعامل مع حرب أخرى، بالنظر إلى مدى اختراق عملاء المخابرات الإسرائيلية لداخلها. وقد أثارت هذه التداعيات الناجمة عن ذلك دعوات للتحقيق والمساءلة، بل وحتّى إلى استقالة كبار المسؤولين المتّهمين بهذا الفشل الاستخباراتي الكارثي. ويبقى أن نرى ما إذا كان أيّ من كبار المسؤولين سيواجه عواقب فعلية.

ومن المرجّح أن يكون هناك ردّ فعل واحد مؤكّد، في إطلاق طهران لحملات تطهير داخلية وتوسّع نطاق جهاز المراقبة، وتعتمد على المواطنين العاديين للمشاركة في مراقبة الأنشطة المشبوهة والإبلاغ عنها.

وفي وقت تثير الحرب على غزّة غضباً واسع النطاق تجاه "إسرائيل" في جميع أنحاء المنطقة والعالم، ما أدّى إلى مطالبة شعبية من القاعدة إلى القمّة بتجديد المقاومة لعدوّ الجمهورية الإسلامية. في الواقع، أكسبت الضربات الصاروخية الإيرانية على "إسرائيل" إعجاباً بين العديد من السكّان العرب.

الآن تبدي طهران تشكّكاً أكبر في الدبلوماسية من أيّ وقت مضى. فقد أضعفت الهجمات التي شملت اغتيال قادة كبار في حرس الثورة الإيراني ومحاولة فاشلة لاغتيال علي شمخاني، المفاوض الرئيسي في الملف النووي، أيّ مصداقية كانت تتمتّع بها الضمانات الأميركية.

كما أنّه في الماضي لم تكن إيران تثق بواشنطن، لكنّها رأت في المحادثات سبيلاً محتملاً لتخفيف العقوبات وخفض التصعيد. أمّا اليوم فلن يفترض المسؤولون الإيرانيون أنّ الولايات المتحدة ستنتهك أيّ اتفاق فحسب، بل سيفترضون أيضاً أنّ المفاوضات غطاء لهجوم العسكري، نظراً لما فعلته "إسرائيل" قبل يومين فقط من المحادثات المقرّرة بين طهران وواشنطن.

مع ذلك، من المرجّح أن تظلّ إيران منخرطة، جامعة أقصى درجات المقاومة للنظام الإقليمي وأقصى درجات الدبلوماسية، لتوضيح خطوطها الحمر وكشف ما تعتبره سوء نية الغرب. وبذلك، تستطيع إيران تبرير سلوكها أمام شعبها وللخارج، والضغط على "تلّ أبيب" وواشنطن.

ولا يبدو أنّ إيران تتعجّل امتلاك القنبلة، لأنّ تجاوزها العتبة النووية سيتثبّت صحّة الاتّهامات التي طالما نفتها، وتخاطر بإشعال صراع أوسع مع القوات الأميركية. كما أنّ إيران لا ترى في الأسلحة النووية بديلاً عن جيش تقليدي قوي.

وبدلاً من الاندفاع نحو امتلاك قنبلة نووية، من المرجّح أن تواصل طهران سعيها وراء الغموض النووي، بتعليق تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. سيضغط ذلك أيضاً على الوكالة كي تضغط بدورها لمنع أيّ هجمات مستقبلية ضدّها، إذ لا يمكن للوكالة استئناف عمليات التفتيش إلا إذا زالت التهديدات عن المواقع النووية الإيرانية.

وترى طهران أنّ تعليق التعاون هو جزاء عادل للوكالة، إذ يشعر المسؤولون الإيرانيون بالغضب لعدم إدانة الوكالة الهجمات الإسرائيلية والأميركية، رغم أنّ إيران موقّعة على معاهدة حظر الانتشار النووي والتي تهدّد بالانسحاب منها الآن مع أنّها تضمن لها الاستخدام السلمي للطاقة النووية.

هذا لا يعني أنّ إيران ستصنع سلاحاً نووياً في نهاية المطاف. لكن يبقى السؤال مطروحاً: هل ستحصل إيران على الرادع النهائي، ومتى ستحصل عليه، لأنّه من الواضح أنّ إيران لن تستسلم.

قد يعني هذا أنّ "إسرائيل" قد تشنّ هجوماً جديداً، وقد تردّ إيران بسرعة، فالصراع بين الطرفين لم ينتهِ بعد، وعلى الشرق الأوسط أن يتوقّع المزيد من الاضطرابات في المستقبل.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.

"إسرائيل" تشن عدواناً على الجمهورية الإسلامية في إيران فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو يستهدف منشآت نووية وقادة عسكريين، إيران ترد بإطلاق مئات المسيرات والصواريخ التي تستهدف مطارات الاحتلال ومنشآته العسكرية.