بعد أن كان عربياً… ماذا عن التطبيع إسلامياً؟

تتمنى واشنطن للمزايا التركية أن تساعدها في تحقيق أهدافها على المديين المتوسط والبعيد ضد روسيا والصين، بعد أن تحكم سيطرتها على الشرق الأوسط عبر حلفائها التقليديين.

0:00
  • توقّع الرئيس الأميركي ترامب لكازاخستان أن تنضم قريباً إلى
    توقّع الرئيس الأميركي ترامب لكازاخستان أن تنضم قريباً إلى "الاتفاقيات الإبراهيمية".

توقّع الرئيس الأميركي ترامب لكازاخستان أن تنضم قريباً إلى "الاتفاقيات الإبراهيمية" التي تبنّاها هو شخصياً في أيلول/ سبتمبر 2020 عندما وقّعت الإمارات والبحرين ثم المغرب وبعدها السودان على "اتفاقيات السلام" مع الكيان  الصهيوني.

في الوقت الذي تتحدث فيه المعلومات عن احتمالات أن تنضم أذربيجان ولاحقاً إندونيسيا إلى هذه الاتفاقيات التي يريد لها الرئيس ترامب أن تحقق له أهدافه في إعادة ترتيب أوراق المنطقة، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل شرقاً أيضاً حيث الخاصرة الرخوة للصين وروسيا معاً.

فحتى لو تركنا جانباً إمكانيات كازاخستان العظيمة من الموارد الطبيعية كالغاز والبترول والمعادن النادرة والضرورية لاستخدامات التكنولوجيا الحديثة، بالإضافة إلى اليورانيوم والذهب والنحاس والفحم،  تتمنى واشنطن ومعها "تل أبيب" لهذا البلد بمساحته التي تزيد على 2،7 مليون كم مربع أن يتحوّل إلى مخفر متقدم في مواجهة كل من الصين وحدودها مع كازاخستان بطول 1780 كم  وروسيا التي يزيد طول حدودها مع البلد المذكور على 6400 كم.

ومع التذكير أن هذا البلد يحدّ كلاً من قرغيزيا وأوزبكستان وتركمنستان وهي الحديقة الخلفية للاتحاد السوفياتي السابق وروسيا الحالية، وهي جميعاً المنطقة التي انطلقت منها القبائل التركية الأولى غرباً، فالجميع يعرف أن واشنطن ستستمر في مساعيها لإقناع هذه الدول أيضاً للتطبيع مع الكيان العبري الذي سبق له أن تحوّل إلى حليف استراتيجي مع أذربيجان البلد الآخر في القوقاز ذي الأصل التركي والذي يغطي أكثر من 60 ٪؜ من احتياجات "تل أبيب" من البترول الذي يصل ميناء جيهان التركي ومنه يتم نقله بالسفن إلى ميناء حيفا.

التحالف الأذربيجاني  والتطبيع الكازاخستاني ولاحقاً مع دول آسيا الوسطى الأخرى يثير العديد من التساؤلات حول احتمالات التطبيع بين أنقرة و "تل أبيب" أيضاً. فقد قال الرئيس ترامب إنه ألغى العقوبات على الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع ( والتقاه الاثنين في البيت الأبيض 10 تشرين الثاني/نوفمبر وسعى لاقناعه للتطبيع مع تل أبيب) بناءً على طلب من إردوغان ونتنياهو كما شكر قبل ذلك محمد بن سلمان لدوره في هذا المجال.

وبمعنى آخر، يرى ترامب في الشرع أي سوريا القاسم المشترك بين تركيا والكيان العبري، وتوقع لهما  "المندوب السامي الأميركي توم برّاك أن تتصالحا قريباً".

وهو ما لا تستبعده الأوساط السياسية والإعلامية. وعلى الرغم من التهديد والوعيد بين نتنياهو والرئيس إردوغان، حليف الرئيس الأذربيجاني عالييف والكازاخستاني توكاييف وكلاهما من أصل تركي وعضوان في منظمة الدول الناطقة باللغة التركية التي تضم بالإضافة إلى البلدين المذكورين كلاً من أوزبكستان و تركمنستان و قرغيزيا، وأخيراً هنغاريا بصفة مراقب.

ومعروف عن رئيس وزرائها فيكتور آوربان أنه الصديق الحميم ليس فقط للرئيس إردوغان بل أيضاً لعدوه اللدود  نتنياهو الذي استضافه في بودابست في 3 نيسان/ أبريل،  وعلى  الرغم من قرار الجنائية الدولية التي أمرت باعتقاله. 

وعودة إلى التطبيع القريب مع كازاخستان، يبدو واضحاً أن الصين وروسيا معاً  أو على حدة ستضعان العديد من الخطط لمواجهة المد الصهيو-الأميركي في هذا البلد الذي سيتحوّل إلى ساحة للفعاليات الخطيرة للموساد الذي سيتمدد جنوباً في المناطق المتاخمة للمنطقة التي تعيش فيها الأقلية الأويغورية المسلمة وشمالاً في سيبيريا الروسية وفيها أول كيان يهودي أسسه ستالين عام 1928 في مقاطعة بيروبيدجان وهي المنطقة التي أراد القيصر الروسي إلكسندر الثالث بعد عام 1880 أن يقيم فيها كياناً لليهود بعد أن منعهم من الاختلاط بالروس بسبب مواقفهم الدينية العدائية ضده وضد روسيا.

كما توجد في سيبيريا العديد من  الأقليات  المسلمة في مقاطعة ياقوتيا وألطاي كما هي الحال في القوقاز التي تضم أذربيجان وجورجيا وأرمينيا وهي قريبة من جمهوريات الحكم الذاتي داخل روسيا ومنها الشيشان وداغستان وانغوشيا واوسيتيا وأبخازيا وفيها  20 مليون نسمة.

هذا الانفتاح الصهيو/أميركي ليس واضحاً ما إذا  سيلتقي أم لا مع حسابات الرئيس إردوغان بأحلامه العثمانية التي يتغنى بها بين الحين والحين في الشرق الأوسط، بعد أن أصبح العنصر الأكثر تأثيراً  في سوريا والعراق والصومال والسودان وليبيا ودول أخرى في المنطقة، سراً كان أم علناً.

ومن دون أن نتجاهل منطقة البلقان أيضاً حيث  الأقليات المسلمة ذات الأصل التركي كما هي الحال في اليونان وبلغاريا والبوسنة وألبانيا وأخيراً كوسوفو المتوقع  لها هي أيضاً أن تنضم قريباً إلى "الاتفاقيات الإبراهيمية" وبرعاية  ترامبية.

وقد تكون هذه المعطيات السبب الذي دفع توم براك إلى تشجيع الأتراك للعودة إلى تاريخهم العثماني وقال إنه يفتخر به لأنه غادر لبنان بجواز سفر عثماني قبل مئة عام.

فالعديد من مراكز الدراسات الأميركية والغربية تتحدث عن تنسيق وتعاون تركي - أميركي مشترك يخدم المخططات والمشاريع الأميركية في الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز وآسيا الوسطى حيث الجمهوريات والأقليات المسلمة ذات الأصل التركي، وحتى في ليبيا التي قال إردوغان إن "فيها أكثر من مليون نسمة هم من بقايا الحكم العثماني"  الذي دام أكثر  من 450 عاماً.

كما سبق لإردوغان أن تحدث عن بقايا مماثلة من الأتراك في سوريا ولبنان والعراق، هذا بالطبع إذا لم نعتبر محمد علي باشا حاكم مصر من أصول تركية كونه ألبانياً.

وتتمنى واشنطن لهذه المزايا التركية أن تساعدها في تحقيق أهدافها على المديين المتوسط والبعيد ضد روسيا والصين بعد أن تحكم سيطرتها على الشرق الأوسط عبر حلفائها التقليديين كتركيا و "إسرائيل" ودول الخليج.

على أن ينضم  أحمد الشرع في سوريا ومن أوصلتهم إلى السلطة في لبنان، وبالتالي الكيان الكردي في سوريا بامتداداته في العراق وتركيا، وأخيراً إيران إلى هذا التحالف.

ويبدو واضحاً أن هدفه الرئيسي هو كل القوى التي تتصدى للمشاريع والمخططات الإمبريالية والاستعمارية والصهيونية، وفي مقدمتها  إيران منذ الثورة الإسلامية حيث دعمت وما زالت كل من كان معها في النهج النضالي الشريف نفسه.

وربما لهذا السبب يتمنى التحالف المذكور الذي تبنى العدوان الصدامي على إيران عام 1980 للمنافسة والعداء التاريخي التقليدي بين الجارتين تركيا وإيران أن يساعدها في تضييق الحصار  على إيران، ومنعها من القيام بأي دور إقليمي بخاصة بعد  تسليم السلطة في دمشق  لـ"النصرة" وحلفائها وشن عدوان همجي على لبنان وحزب الله، وأخيراً ما أصاب حماس في غزة وفلسطين عموماً.

وأخيراً، وبعد التذكير باللقاء الأخير بين نتنياهو والرئيس إردوغان في نيويورك 20 أيلول/ سبتمبر 2023 وزيارة هيرتزوغ إلى أنقرة 9 مارس/ آذار 2022، وسبق ذلك إغلاق الحكومة التركية لملف سفينة مرمرة بعد أن تبرعت "تل أبيب" بمبلغ عشرين مليون دولار لضحايا السفينة وقبل ذلك عدم استخدام تركيا حق الفيتو ضد انضمام "إسرائيل" إلى منظمة التنمية والتعاون الدولي  OECD في مايو/ أيار 2010، وبعد ذلك انضمامها إلى الحلف الأطلسي بصفة مراقب، لا تستبعد الأوساط السياسية للرئيس ترامب أن يجمع صديقه وحليفه الرئيس إردوغان الذي قال عنه إنه "يفعل كل ما يطلبه منه" مع صديقه وحليفه السياسي والعقائدي نتنياهو في دولة الصديق المشترك للجميع فيكتور أوربان الذي سيستضيف قريباً ترامب وبوتين، ولا يدري أحد على ماذا اتفقا وحول ماذا اختلفا في قمة آلاسكا في آب/ أغسطس الماضي.

وفي نهاية المطاف، يبقى الرهان على ما سيتفق عليه ترامب مع أحمد الشرع، وفي محورين أساسيين أولهما التطبيع السوري مع الكيان العبري وثانيهما تقرير مصير المنطقة الكردية، وكلاهما سيؤثران على مسار  العلاقة بين أنقرة و "تل أبيب" وسيقرر الرئيس  ترامب مصيرها بأسرع ما يمكن!