مصر وتركيا تنافس في غزة تدعمه "إسرائيل"

لدى الكيان الإسرائيلي شراكة رسمية تركز على الأمن مع مصر، في حين أن علاقتها مع تركيا تتسم حالياً بصراع سياسي وأيديولوجي كبير.

0:00
  • مواطن المنافسة التركية المصرية في المنطقة.
    مواطن المنافسة التركية المصرية في المنطقة.

مصر وتركيا تنسقان بنشاط لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار في غزة، وتسهيل إيصال المساعدات، والتخطيط لإعادة الإعمار. وتعملان معًا ضمن مجموعة رباعية تضم الولايات المتحدة وقطر لضمان تنفيذ اتفاق السلام الحالي.

يدعم كلا البلدين بشدة وقف إطلاق النار الدائم، وتدفق المساعدات الإنسانية من دون عوائق، وحل الدولتين. وقد أدان كلاهما الخطط الإسرائيلية للسيطرة المحتملة على غزة، ورفضا أي تهجير قسري للفلسطينيين، يتواصل وزيرا خارجية البلدين بشكل متكرر، وقد ناقشا التنفيذ الكامل لاتفاق شرم الشيخ لإنهاء الحرب، فضلاً عن المؤتمر الدولي المقبل لإعادة إعمار غزة، والذي سيُعقد في القاهرة، لعبت مصر وتركيا دورًا حاسمًا في التوسط في اتفاق وقف إطلاق النار الأخير.

إلا أن نقطة خلاف برزت بشأن النشر المحتمل لقوة استقرار دولية. أشارت التقارير إلى معارضة "إسرائيل" للمشاركة التركية المباشرة في هذه القوة نظرًا لعلاقات أنقرة مع حماس، هذا الموقف قد تسبب في بعض الخلافات الأولية مع مصر. إلا أن مكتب رئيس الوزراء المصري سارع إلى توضيح عدم وجود خلاف، مؤكدًا أنه لن تكون هناك قوات تركية في غزة. 

مواطن المنافسة التركية المصرية في المنطقة 

تهدف تركيا إلى توسيع نفوذها الإقليمي كقوة في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​وشمال أفريقيا. وينطوي هذا الأمر على أهداف استراتيجية في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وغالبًا ما تتحدى هذه الأهداف مصالح مصر في مناطق رئيسية مثل ليبيا، والسيطرة على موارد الغاز في البحر الأبيض المتوسط.

وفي ليبيا تحولت الحرب الأهلية الليبية إلى صراع بالوكالة، حيث دعمت تركيا ومصر طرفين متعارضين. لتركيا طموحات اقتصادية قوية، إذ تسعى إلى مضاعفة حجم تجارتها مع مصر، وترسيخ مكانتها كبوابة مهمة إلى بقية القارة الأفريقية. وتُعد الشركات التركية من أبرز المستثمرين في مصر، ولا سيما في قطاع صناعة النسيج، وتهدف إلى توسيع علاقاتها التجارية مع دول أخرى في الشرق الأوسط وأفريقيا. كما تسعى إلى تعزيز وجودها وقدراتها العسكرية، بما في ذلك إمكانية التعاون في مجال الصناعات الدفاعية مع مصر. 

 أما مصر فهي تعتبر غزة جزءاً من أمنها الإقليمي، والوجود العسكري التركي في غزة يضر بقوتها الإقليمية. ويرجع هذا في المقام الأول إلى الحدود المشتركة (ممر فيلادلفيا) والمخاوف بشأن الآثار المحتملة لعدم الاستقرار، وتدفق اللاجئين إلى شبه جزيرة سيناء، واحتمال زيادة النشاط المسلح. وهي تنظر بحذر إلى الوجود العسكري التركي في غزة، كجزء من قوة استقرار دولية محتملة، ويرى بعض الخبراء أنه قد يشكل ضرراً محتملاً على القوة والنفوذ الإقليميين لمصر. 

تسعى  القاهرة إلى أن تكون وسيطًا في أي ترتيبات ما بعد الحرب، وتسعى إلى احتواء النفوذ السياسي التركي في هذه العملية، وتبدي حذرها من دعم تركيا الصريح لحركة حماس، التي تعتبرها فرعًا لجماعة الإخوان المسلمين وتحرص على تجنب أي وضع يؤثر على إدارتها الأمنية للحدود أو يُشكّل تحديًا لدورها الدبلوماسي الإقليمي.

وكانت تركيا قد أعربت عن استعدادها للمساهمة بقوات في قوة الأمن الداخلي الفلسطينية إذا كانت تتمتع بتفويض واضح من الأمم المتحدة وإطار قانوني واضح. وتعتبر تركيا حماس "حركة تحرير" شرعية، وترغب في لعب دور فاعل في إعادة إعمار غزة وحكمها بعد الحرب، وهي تأمل في لعب دور في مستقبل غزة،  لذلك معارضة مصر و "إسرائيل" تعيق إلى حد كبير إمكانية وجود عسكري تركي في غزة، ما يعكس الديناميكيات المعقدة والمتنافسة في كثير من الأحيان للسياسات الأمنية الإقليمية. 

"إسرائيل" تثق بمصر لا بالسياسة التركية

وقعت" إسرائيل" ومصر معاهدة سلام في عام 1979 وحافظت على علاقات دبلوماسية رسمية منذ ذلك الحين. تعد مصر شريكاً استراتيجياً مهماً لـ"إسرائيل"، ولها علاقة مبنية على عقود من التعاون الأمني والاستخباري.

يتعاون البلدان في المسائل الأمنية، ولا سيما في ما يتعلق بشبه جزيرة سيناء وحدود غزة، وشمل ذلك مشاركة المعلومات الاستخبارية والتنسيق بشأن العمليات العسكرية.

مصر هي الوسيط الرئيسي والمقبول في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ومفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، وهو الدور الذي تؤيده "إسرائيل" وتعتمد عليه. على الرغم من التوترات العرضية، تتميز العلاقة بسلام مستقر، وإن كان "بارداً" في كثير من الأحيان، مدفوعاً بالمصالح الأمنية المتبادلة واعتبارات المساعدات الأميركية.

 لا يوجد حاليًا أي وجود عسكري تركي في غزة. وقد عارضت "إسرائيل" بشدة أي دور تركي في قوة حفظ الاستقرار، مُشيرةً إلى موقف تركيا العدائي. لا تزال المناقشات حول قوة الأمن الداخلي مستمرة، لكن تشكيلها لا يزال موضع خلاف بين الشركاء الإقليميين والدوليين، بما في ذلك الولايات المتحدة ومصر و"إسرائيل".

في الوقت الحالي العلاقات بين "إسرائيل" وتركيا في أدنى مستوياتها التاريخية، ولا سيما تحت قيادة الرئيس إردوغان. كانت تركيا منتقدة لتصرفات "إسرائيل" في غزة، حيث وصف إردوغان الحرب بأنها "إبادة جماعية" وقارن القادة الإسرائيليين بالنازيين.  إضافة إلى أن تركيا تعتبر حماس حركة سياسية شرعية وليست منظمة إرهابية، وهو موقف يضعها في معارضة مباشرة لـ"إسرائيل".

وبسبب موقفها ورغم التعاون التجاري، رفضت "إسرائيل" صراحة أي تدخل تركي في جهود الأمن أو إعادة الإعمار في غزة بعد الحرب، وأصرت على أن مصر والولايات المتحدة هما وحدهما اللتان يمكن أن تشاركا.

لدى "إسرائيل" وتركيا رؤى إقليمية متنافسة في سوريا، وفي شرق البحر الأبيض المتوسط لا تترجم عضوية تركيا في الناتو إلى ثقة من قبل "إسرائيل".

في حين أن كلا البلدين مرَّا بفترات من التعاون العسكري والاستخباري في الماضي، إلا أن الهوة السياسية والأيديولوجية الحالية تتجاوز أي فوائد محتملة للتحالف.

وجود تركيا في الناتو الي يحميها من الهجمات الخارجية، لكنه لا يمنع العداء السياسي أو الصراعات بالوكالة بين دولة عضو ودولة غير عضو مثل "إسرائيل". 

لدى الكيان الإسرائيلي شراكة رسمية تركز على الأمن مع مصر، في حين أن علاقتها مع تركيا تتسم حالياً بصراع سياسي وأيديولوجي كبير، وانعدام الثقة المتبادل، عدا عن التنافس الإقليمي.