ترامب وسلاح الرسوم الجمركية.. ما مستقبل الاقتصاد العالمي؟

جوهر العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة هو المنفعة المتبادلة والفوز المشترك. وموقف الصين ثابت ومتسق، لا يوجد فائز في حروب التجارة والتعريفات الجمركية.

0:00
  •  قرار واشنطن فرض رسوم جمركية إضافية على المنتجات الصينية انتهك قواعد منظمة التجارة.
    قرار واشنطن فرض رسوم جمركية إضافية على المنتجات الصينية انتهك قواعد منظمة التجارة.

لم يتأخر الرئيس الأميركي دونالد ترامب العائد إلى البيت الأبيض في تنفيذ وعده الانتخابي بفرض رسوم جمركية على الصين. في 1 فبراير/ شباط، وقّع الرئيس ترامب أوامر تنفيذية بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% على الواردات من الصين، و25% على السلع المستوردة من المكسيك وكندا، تحت ذريعة القضايا المرتبطة بالفنتانيل.

الأمر ألقى بظلاله على الاقتصاد العالمي الضعيف الحالي، كما دمّر إمكانيات تعامل الصين مع الإدارة الأميركية الجديدة.

في مواجهة هذا الوضع، اتخذت الصين سلسلة من التدابير المضادة للتنمّر التجاري الأميركي، شملت فرض رسوم جمركية على البضائع الأميركية بنسبة 10%- 15%، ستدخل حيّز التنفيذ ابتداءً من 10 فبراير/ شباط.

كما قدمت الصين شكوى إلى آلية تسوية المنازعات التابعة لمنظمة التجارة العالمية ضد قرار الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية إضافية على السلع المستوردة من الصين. وقررت إضافة شركتين أميركيتين "بي في إتش كورب" و "إليومينا"، إلى قائمة الكيانات غير الموثوقة، واللتين أنهتا معاملات التجارة العادية مع الشركات الصينية ما أضر بحقوق الشركات الصينية ومصالحها المشروعة.

وإضافة إلى ذلك، قامت الصين بتحقيق مع "غوغل" للاشتباه في انتهاكها لقانون مكافحة الاحتكار، وأعلنت ضوابط التصدير على العديد من المعادن والمواد المتعلقة بالتنغستن والتيلوريوم والبزموت والموليبدينوم والإنديوم، التي تستخدم في القطاعات الصناعية والتكنولوجية العالية مثل الصناعة العسكرية وأشباه الموصلات والطاقة الكهروضوئية والفضاء الجوي، أما الصين فهي منتج ومصدر عالمي رئيسي للتنغستن وغيرها من المواد، ما سيجلب تأثيراً سلبياً على تنمية الصناعات ذات الصلة في الولايات المتحدة.

في مواجهة اتهامات لا أساس لها والتنمّر التجاري من قبل الولايات المتحدة، تعدّ التدابير المضادة التي تتخذها الصين وسيلة ضرورية لكسر سياسة "أميركا أولاً" والحد من انتشار الأحادية. هذا ليس فقط للقتال من أجل حقها في التنمية، بل أيضاً للحفاظ على النظام التجاري متعدد الأطراف والنزاهة في العدالة الدولية.

أولاً، وقبل كل شيء، إن استخدام الجانب الأميركي ما يسمّى بقضية الفنتانيل كمبرر لفرض الرسوم الجمركية على الصين أمر لا يمكن الدفاع عنه على الإطلاق. إن الصين واحدة من الدول ذات السياسات الأكثر صرامة في مكافحة المخدرات، ومن الدول الأكثر قوة في إنفاذ القانون في هذا المجال على مستوى العالم، ورغم عدم وجود انتشار واسع لتعاطي هذه المواد داخل الصين، فإنها أصبحت تجدول المواد المرتبطة بالفنتانيل كفئة بشكل رسمي في عام 2019، وذلك بناء على طلب الجانب الأميركي، ومع ذلك، لم تقم الولايات المتحدة حتى الآن بجدولة المواد المرتبطة بالفنتانيل كفئة على أساس دائم.

فقضية الفنتانيل هي مشكلة خاصة بالولايات المتحدة، نتيجة خلل في الحوكمة الأميركية. وإن ربط قضايا الصحة العامة بفرض تعريفات جمركية إضافية، أمر غير معقول ولن يساهم في حل المشكلة، بل يقوّض التعاون في مجال مكافحة المخدرات بين الصين والولايات المتحدة. الحل الجذري لأزمة الفنتانيل في الولايات المتحدة يكمن في الحد من الطلب المحلي على المخدرات وتعزيز إنفاذ القانون.

ثانياً، إن قرار الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية إضافية على المنتجات الصينية انتهك قواعد منظمة التجارة العالمية على نحو خطير، ويمثل هذا الإجراء نموذجاً للأحادية والحمائية التجارية.

إن الخطوة الأميركية تؤدي إلى تقويض نظام التجارة متعدد الأطراف القائم على القواعد بشكل خطير، وتآكل أساس التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والولايات المتحدة، وعرقلة استقرار سلاسل الصناعة والإمداد العالمية. كما تدفع الرسوم الجمركية والتوترات الناتجة منها ومخاوف اندلاع حرب تجارية الشركات العالمية إلى تقليص استثماراتها المخطط لها، وهذا من شأنه أن يضر بالاقتصادات في جميع أنحاء العالم.

ثالثاً، ستدفع الشركات الأميركية والمستهلكون الأميركيون فاتورة الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب.

ووفق خطط ترامب، سيتم فرض تعريفات جمركية على سلع مستوردة بقيمة مئات المليارات من الدولارات من الصين ودول أخرى، وذلك سيساهم في خفض العجز التجاري الأميركي، وتعزيز التصنيع المحلي، ودعم القدرة التنافسية الاقتصادية للولايات المتّحدة. لكن الأمر لن يتطور في هذا الاتجاه.

عندما شنت الولايات المتحدة حرباً جمركية على الصين في عام 2018، بلغ إجمالي حجم التجارة بين البلدين نحو  633.5  مليار دولار أميركي. لم ينخفض حجم التجارة بين الصين والولايات المتحدة، بل ارتفع منذ اندلاع الحرب التجارية، حتى وصل إلى ذروته عند 759.4 مليار دولار أميركي في عام 2022.

حاولت الولايات المتحدة حماية صناعاتها من خلال فرض رسوم جمركية على الدول الأخرى، لكن النتيجة كانت عكسية. يتفق مراقبون على أن رسوم ترامب الإضافية ستؤدي إلى زيادة الأسعار ورفع مستوى التضخم في الولايات المتحدة، وتباطؤ الاقتصاد الأميركي، وفي نهاية المطاف، سوف تتحمل الشركات والمستهلكون الأميركيون الزيادات في الأسعار الناجمة عن الرسوم الجمركية. ووسط الجولة الجديدة من التهديد بالرسوم الجمركية، يشعر الأميركيون بالقلق إزاء استمرار ارتفاع الأسعار، وبدأوا القيام بتخزين البضائع.

خلاصة القول، إن جوهر العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة هو المنفعة المتبادلة والفوز المشترك. وموقف الصين ثابت ومتسق، لا يوجد فائز في حروب التجارة والتعريفات الجمركية. إن فرض الرسوم الجمركية ينتهك بشدة قواعد منظمة التجارة العالمية، ولا يمكن أن يحل مشكلات الولايات المتحدة في الداخل، والأهم من ذلك، أنه لن يفيد أياً من الجانبين، ناهيك بالعالم.