زيارة نتنياهو للجنوب السوري.. استفزاز أم حساب توراتي
تقول الأوساط المقربة من ترامب إنه ووفق عقيدته الإنجيليّة المتطرفة يسعى لإحياء ذكريات التاريخ اليهودي في الجزيرة العربية التي طردوا منها بعد غزوة خيبر عام 630 ميلادي.
-
ماذا عن زيارة نتنياهو للجنوب السوري؟
مرت الزيارة التي قام بها رئيس وزراء الكيان العبري نتنياهو للجنوب السوري مرور الكرام على الكثيرين في الداخل السوري أو في جواره العربي والإسلامي.
ومع استمرار عمليات التوغل والتمدد الإسرائيلي العسكري منه والاستخباري في المنطقة منذ سقوط نظام الأسد، وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين الذين هددوا وتوعدوا حكام دمشق الجدد، وإذا استمرت تهديداتهم للكرد والدروز، فقد تهربت الأنظمة العربية والإسلامية من اتخاذ أي مواقف عملية ضد الكيان العبري، ليس فقط فيما يتعلق بالوضع جنوب سوريا، بل أيضاً فيما يتعلق باستمرار عمليات القصف والقتل والاعتقالات في غزة والضفة الغربية، رغم خطة السلام التي اقترحها الرئيس ترامب ووافق عليها نتنياهو.
وتجاهلت الأنظمة المذكورة عمليات القصف التي ينفذها الكيان العبري يومياً على جنوب لبنان، وبالتالي الاغتيالات التي تستهدف عناصر وقيادات حزب الله، وبغياب رد الفعل اللبناني الرسمي الذي يحظى برضى ومباركة الإعلام العربي المأجور الذي يهلّل ويطبّل لكل "نجاحات و انتصارات" الكيان الصهيوني.
وهو ما فعله طائفياً طيلة السنوات الماضية، وبشكل خاص بعد ما يسمّى الربيع العربي الذي خلق واقعاً جديداً في المنطقة، واستغله الكيان المذكور ليحقق معظم أهدافه العسكرية والاستراتجية والعقائدية، أي الدينية، التي تحظى بمباركة عقائدية من الرئيس ترامب.
وتقول الأوساط المقربة من ترامب، إنه ووفق عقيدته الإنجيليّة المتطرفة يسعى لإحياء ذكريات التاريخ اليهودي في الجزيرة العربية التي طُردوا منها بعد غزوة خيبر عام 630 ميلادي.
وأشارت الأوساط المذكورة إلى الاهتمام المميز الذي أولاه الرئيس ترامب لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وقالت إن سببه الرئيسي هو استعجاله لحسم ملف التطبيع العربي ثم الإسلامي مع الكيان العبري قبل نهاية ولايته الحالية.
ويتطلب ذلك بالأولوية انضمام آل سعود لعملية التطبيع، لا فقط سياسياً، بل نفسياً و عقائدياً، أي دينياً أيضاً، باعتبار أن مكة المكرمة والمدينة المنورة موجودتان في السعودية.
كما أن حكام دمشق الجدد الذين يحكمون البلاد باسم الدين، أي العقيدة الإسلامية وإن كانت متطرفة، يحظون لا فقط بمباركة "خادم الحرمين الشريفين" بل أيضاً "الزعيم الإسلامي المعتدل" إردوغان، الذي يتغنى منذ بدايات الربيع العربي بأمجاد الدولة والخلافة والسلطنة العثمانية التي حكمت المنطقة 400 عام.
في الوقت الذي يتغنى فيه نتنياهو والعديد من شركائه في حكومته اليهودية المتطرفة بالمضمون العقائدي لكل ما يقومون به في غزة والضفة الغربية والقدس الشريف، بل وحتى الجنوب اللبناني والسوري، وهما الهدفان الجديدان للمشاريع والمخططات الصهيونية بطابعها الأسطوري والتوراتي المحرف.
وآخر مثال على ذلك، جولة نتنياهو في الجنوب السوري بمعانيها التوراتية التي لم ينتبه أحد إليها، وعلى الرغم من أهميتها بالنسبة إلى مستقبل سوريا التي تعني الكثير بالنسبة إلى حكام "تل أبيب"، الذين وافقوا بل وحتى باركوا استلام أبو محمد الجولاني ومن معه للسلطة في عاصمة الأمويين دمشق، وبضوء أخضر تركي-أميركي-روسي مشترك.
ومع أن سوريا الطبيعية برمتها تعتبر مفتاح كل الحسابات العبرية التي تتحدث عن "دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات"، إلا أن لجبل الشيخ في الجولان السوري المحتل مكانة خاصة في هذه الحسابات الصهيونية، لا فقط بموقعه الاستراتيجي بل بطابعه التوراتي.
ووفق النصوص التوراتية التي تتحدث عن الجنوب السوري وتحت تسمية إقليم أو منطقة أو مملكة باشان، ترى في الوقت نفسه في جبل الشيخ، والبعض يقول جبل العرب، بأنه "الجبل الذي اختاره الله للسكن فيه دون غيره وإلى الأبد".
ومع أن العديد من المصادر المختلفة التي تضع الجولان ومحافظتي درعا والقنيطرة إضافة الى محافظة السويداء وريف دمشق الجنوبي وصولاً إلى جبل الشيخ ضمن خارطة منطقة باشان، إلا أن التوراة الذي ورد فيه تسمية باشان حوالى ستين مرة، يرى في هذه المنطقة أرضاً للعمالقة الجبارين، وتمتد من نهر الأردن وبحيرة طبريا غرباً إلى ما يُعرف الآن ببادية السويداء شرقاً، ومن جبال الحرمون شمالاً إلى نهر اليرموك جنوباً.
كما يتحدث التوراة عن مشهد مهم بالنسبة إلى العقيدة اليهودية التوراتية، التي يؤمن بها نتنياهو ويطبق سياساته وفقاً لها والتزاماً بها، وربما من أجلها زار الجنوب السوري.
ووفق هذا المشهد "فقد غزا النبي موسى على رأس جيش من بني إسرائيل منطقة باشان والتقى الجيش الأموري بقيادة الملك العملاق عوج بن عوق، حيث دارت معركة شرسة قرب درعا الحالية، وانتصر فيها النبي موسى واستولى بنو إسرائيل على مملكة باشان وفيها ستون مدينة محصّنة ومعها الكثير من القرى" .
هذا النص التوراتي الذي يبدو واضحاً أنه يغزو أفكار نتنياهو ومن معه من الصهاينة المتطرفين دينياً، اكتسب أهمية إضافية، لا فقط بالجولة التي قام بها نتنياهو في الجنوب السوري، بل لأن هذه الجولة جرت بعد شهر تقريباً من استخدام الزعيم الروحي للدروز في سوريا حكمت الهجري تسمية باشان في 11 تشرين الأول/أكتوبر الماضي بدلاً من جبل العرب أو جبل الدروز.
حيث وجّه نداءه إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وجامعة الدول العربية، إضافة إلى العديد من المنظمات والهيئات الأممية والدولية، داعياً إياها إلى حماية الدروز، وقال نتنياهو أكثر من مرة "إنهم تحت حماية الدولة العبرية".
وبالتذكير بالملاحظة التي بعثها إلي وزير السياحة السوري الأسبق دانحو داود، وتؤكد أن تسمية باشان قد وردت في نقوش مملكة ماري 1800 قبل الميلاد، وبعد ذلك بخمسة قرون في نقوش أوغاريت، بل والأهم في النصوص الآشورية والبابلية، أي قبل التوراة بسنوات طويلة، إلا أن حكام "تل أبيب" المتطرفين يريدون لهذه التسمية أن تكون حكراً عليهم وإثباتاً لحقهم التاريخي في المنطقة.
كل ذلك بغياب وحدة الفكر والمعلومة العربية والإسلامية الصحيحة والضرورية لمواجهة الكذب والتزوير للحقائق الجغرافية والثقافية والاجتماعية، بل وحتى الدينية التي اعتادها حكام "تل أبيب".
وهو ما عوّدنا عليه أصحاب الفكر اليهودي المتطرف ليس الآن فقط، بل منذ أن تحوّل هذا الفكر إلى عقيدة صهيونية لم يؤمن بها حتى الكثير من اليهود، وعددهم الإجمالي في العالم برمّته لا يتجاوز 15 مليوناً فقط، ولكنهم يحظون بقبول ورضى الكثير من جهلة الحكام العرب والمسلمين ومَن معهم من الإعلاميين والمثقفين والمفكرين المأجورين.
وخانوا جميعاً انفسهم وشعوبهم، لا فقط عندما كذبوا عليهم في كل شيء، بل عندما طلبوا منهم أو أجبروهم على تصديق ما يقوله لهم اللاجئ اليهودي من بولندا نتنياهو، الذي زوًر حتى اسمه الذي كان "ميل كوفيسكي" حاله حال معظم حكام الكيان العبري المصطنع، ولا فرق بينهم وبين الكثير من حكام الدول العربية والإسلامية الذين صنعتهم بريطانيا وفرنسا ثم أميركا، ورضيت عنهم جميعاً الصهيونية العالمية بسفسطاتها وأساطيرها الملفّقة ونصوصها التوراتية المزوّرة والمحرّفة.