فرانشيسكا..شكراً لأنك أمّ
أثبتت المقاوِمَة فرانشيسكا أنّ الوقوف مع الحقّ لا يحتاج حدوداً، ولا يتطلّب انتماءً جغرافياً. بل يتأسس على النزاهة.
-
النبيلة فرانشيسكا، أنتِ قوسُ محكمة مكتمل لأنك اخترتِ المواجهة.
فرانشيسكا پاولا ألبانيزي... المقرّرة الخاصة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، شكراً لأنك أمّ. مثل الأمهات، المنظّمات تحبَل وتُنجِب. عقمها قد يطول لكن لا عمرَ يأسٍ يمنعها من إنجاب فرانشيسكا.
سيدتي الراقية، حين افترسَ القانون من يلوذون به وصارت العدالة بقبضة جزّار وتاجر أسلحة غرَّد صوتُكِ الجميل. سمعناهُ من أوروبا السَّكوتة حتى التواطؤ والمتواطئة حتى الجريمة. تعيش منذ عشرين شهراً في كمّامة.
حتى برج بيزا المزدهي بانحرافه راودته أحلامُ الاستقامة عند سماع صوتكِ الإيطالي الرخيم. صوتُكِ يكفينا. يقف معنا نحن المضطهدين على حافة عالمٍ مبتور الضمير.
صنّفوكِ محرّضة. نرجوك لا توقِفي التحريض. وجهُكِ الهادئ واجه الثور الهائج. امرأة واحدة أقوى من قِطعان الثيران. وأخيراً امرأة متحدة في الأمم المتحدة.
صرتِ داعمة للإرهاب؟ أجمل إرهابية على الإطلاق. سمّوكِ وَوصموكِ لأنه ممنوع تسمية الفظائع. غوغل، مايكروسوفت، أمازون ومعهم ألف شركة. كلّهم قتلة. يبيعوننا حواسيب ويلغّمون بأموالنا أجهزة الاتصال. سمَّيتِ أداءهم: " اقتصاد الإبادة الجماعية" فأخرجتِهِم عن طورهم.
انتفضتِ على غموض التصاريح أنتِ وبوريل. بوريل وفرانشيسكا. آدَم الضمير وحواء الوجدان. أخيراً أمم متحدة من دون ورقة تين. من دون تجهيل الفاعلين.
لم تقوليها بالإدانة الناعمة. ذكرتِ الاستيطان بالإدانة الخشنة. أقلقتِ سموتريتش وبِن غفير. فرانشيسكا الأنثى بألف ذكر بلا رجولة. قلتِها يا أمميَّة..ما يحدث في غزة إفناء جماعي. ليست حرباً ولا معركة. في غزّة مجزرة. لم يسبق أن حدثت مجزرة بهذا الكمّ من الدماء. لا في المَحارِق ولا في معسكرات الاعتقال. النسخة الأولى من هذا الموت كان في الكولوسيوم. جماهير على المدارج تصفّق للأسود تفترس المعتقلين.
طالبتِ بالمحاسبة، فحَاسبوكِ. ماركو روبيو قال إنك تشنين حرباً قانونية على أميركا. القانون لا يشنُّ حرباً. القانون يفضحها ويعرّيها. وزير خارجية أقوى دولة في العالم لم يتحمّل جملة صادقة واحدة. الدولة العظمى تعيش على عظَمَةِ الكذِب.
السيدة الفاضلة فرانشيسكا، حين يعاقَب من يُندّد بالذبح، لا من يُنفّذه،نكون أمام فالِق أخلاقي في قشرَةِ الأرض فشكراً لأنك انحَزتِ إلى كرامة الشعوب، وتكلّمت باسم أمهاتٍ ثكالى، وأصوات النساء المفجوعات، وصدى الأطفال المقتولين بالقرب من ألعابهم. سيدتي، شكراً لانحيازِك.
رفضت أن تكون شاهدة زور. حملت ملفاً مليئاً بألف شركة متخصصة بالقتل. بالاسم إلكترونيات بالفعل خوارزميات إبادة. وقّعت عليه باسم الإنسانية. يبقى شهود الزور شركاء في قتل الشعب الفلسطيني. يبقى دعم "إسرائيل" ترخيص حمل سلاح ضدّ فلسطين. لا يمكن لأحد في العالم حتى ولو اسمه سام أن يحمل ترخيص قتل ويطلب عدالة. أن يهدّد محكمة دولية ويُحيل إليها متّهماً.
النبيلة فرانشيسكا، أنتِ قوسُ محكمة مكتمل لأنك اخترتِ المواجهة. حين سقطت النخبةُ في امتحان غزة، ارتفعتِ إلى مصاف المقاومة المدنية. صوتكِ ألف جمعية عمومية. موقفكِ ألف حقّ نقض على مجلس أمنهم. لن نصفّق فرانشيسكا. أنتِ لا تريدين فينيقيين يصفّقون للداخل ويلعنونه وهو خارج قبل أن يصفّقوا للداخل الجديد. لن نقلّدك الأوسمة. غزّة قلّدتكِ إياها.
أثبتتِ المقاوِمَة فرانشيسكا أنّ الوقوف مع الحقّ لا يحتاج حدوداً، ولا يتطلّب انتماءً جغرافياً. بل يتأسس على النزاهة.
في عالم يتاجر بكلّ شيء، بالمهاجرين، بالمهجّرين، بحقّ العودة، بالشعوب الأصلية، بمنظّمات الإرهاب قبل تبرئتها، برؤوس الدول قبل قطعها، بالسلاح، بالديمقراطية العوراء، في هذا العالم التاجِر والفاجِر بعتِ الظلم واشتريتِ العدل. لم تساومي، لم تنكفئي، لم تتلوّني. وحين هبّت العاصفة، لم تنحنِ.
مَن كان يتوقّع أن تهتزّ عواصمُ كبرى بسبب تصريحِك؟ أن ترقص عِظام نوبل في قبره؟
الأحادية العالمية مدعومة من الصهيونية العالمية تربكُها امرأة.
أُنوثتُكِ لا تشبه الصور النمطية. أنوثتُكِ تصفع الذكورية المتغطرسة. لا بالقوة، بل بالثبات. لا بالعنف، بل بالإصرار.
أيتها الأمميةُ الشجاعةُ، لستِ بطلةً من روايات آغاتا كريستي. أنتِ حنظلة في كاريكاتور ناجي العلي. مُرَّةً مثلَها وتمرُّ مرَّةً. سيدتي شكراً لمرورِك.