في الفجوة المالية... يُكرم المرء أو يُهان

بحسب الأرقام الرسمية اللبنانية، بلغت الفجوة المالية حتى نهاية عام 2022 نحو 72 مليار دولار، مع استمرار الجدل بشأن تقييم هذه الأرقام في ظل غياب تقرير جنائي مالي متكامل.

0:00
  • في الفجوة المالية... يُكرم المرء أو يُهان
    في الفجوة المالية... يُكرم المرء أو يُهان

تُعرّف الفجوة المالية التي شهدها لبنان منذ اندلاع أكبر أزمة مالية ونقدية واقتصادية ومصرفية في تاريخه الحديث، بأنها الفارق بين التزامات الدولة ومصرف لبنان والمصارف، وبين الأصول المتاحة فعلياً لتغطية هذا العجز.

بعبارة أدق، تُحتسب الفجوة المالية وفق المعادلة التالية: الودائع + الدين العام + الالتزامات بالعملات الأجنبية، يُطرح منها احتياطي مصرف لبنان + موجودات المصارف + أصول الدولة.

استناداً إلى هذه القاعدة، تُحدّد الالتزامات والمسؤوليات بين الأطراف الثلاثة المعنيّة بحقوق المودعين: الدولة، ومصرف لبنان، والمصارف.

منذ عام 2019، عام الانهيار الكبير الذي حصل تحت مظلّة الفساد والتواطؤ السياسي الداخلي، والحصار الخارجي، وتراكم الأزمات، وغياب الموازنات، وعدم تطبيق القوانين، أقدمت الحكومة اللبنانية على أولى خطواتها بإرسال مشروع قانون لتنظيم أو هيكلة المصارف، مع ربطه بما يُعرف بقانون "الفجوة المالية"، وإحالته إلى المجلس النيابي.

هذه الخطوة أتت في سياق ما يُعرف بـ"تحميل المسؤوليات" عبر توزيع الخسائر على الأطراف الثلاثة: الدولة، والمصرف المركزي، والمصارف.

سبقت هذه الخطوة مفاوضات رسمية وجدية مع صندوق النقد الدولي، الذي قدّم لائحة شروط واضحة للحصول على قرض، أبرزها إعادة هيكلة القطاع المصرفي. وبناءً على طلب الصندوق، أُضيفت حقوق المودعين إلى معادلة المسؤولية، لتصبح رباعية تشمل الدولة، والمصرف المركزي، والمصارف، والمودعين أنفسهم.

بحسب الأرقام الرسمية اللبنانية، بلغت الفجوة المالية حتى نهاية عام 2022 نحو 72 مليار دولار، مع استمرار الجدل بشأن تقييم هذه الأرقام في ظل غياب تقرير جنائي مالي متكامل. ويُعزى هذا العجز بشكل رئيسي إلى استخدام مصرف لبنان الدولارات لدعم الليرة، وتمويل الدولة، وتغطية عجز الكهرباء، وسداد الفوائد للمصارف.

وبالتالي، فإن المستفيد الفعلي من هذا الإنفاق النقدي هو الأطراف الثلاثة: الدولة، والمركزي، والمصارف، في ظلّ وضع نقدي يمكن تلخيصه بالتالي:

· احتياطي مالي: 10.48 مليارات دولار.

· قيمة الذهب: 31 مليار دولار.

· سندات يوروبوند: 3.5 مليارات دولار.

· عقارات المصارف (غير المضخّمة): 3.5 مليارا دولار.

· عقارات مصرف لبنان (تحتاج إلى تخمين جديد): 1.5 مليار دولار.

أي إن مجموع الموجودات القابلة للتقدير يصل إلى نحو 50 مليار دولار.

إذاً، إن كانت النية جادة في الانطلاق نحو إصلاحات حقيقية، فالسؤال المطروح، ما الذي يحتاجه الاقتصاد اللبناني لاستعادة الثقة النقدية؟ وكيف نضمن عدم تحميل المودع ثمن فساد سياسي ـ اقتصادي لا يتحمّل مسؤوليته؟

الطلب الأساسي لصندوق النقد، والمتمثل في إدراج المودعين ضمن الجهات المُحمّلة بالخسائر، يعبّر عملياً عن سعي لتحميلهم الجزء الأكبر من الكارثة النقدية، من دون الأخذ بالاعتبار الواقع المالي المعقّد الذي أشرنا إليه أعلاه.

الإصلاحات المطلوبة

في مقاربة ملف الإصلاح، هناك خلط بين التعيينات والإجراءات الإصلاحية. فالتعيينات، رغم أهميتها، ليست إصلاحاً بحد ذاته، بل ضرورة لتسيير عمل المؤسسات، في حين أن الإصلاح الحقيقي يكمن في الأداء والرقابة والمحاسبة.

وقد تمّت في الفترة الأخيرة تعيينات ضرورية، منها:

· تعيين أعضاء المجلس المركزي في مصرف لبنان.

· تعيين الحاكم ونوابه.

· تعيين مديرين عامين ورئيس مجلس الإنماء والإعمار.

· تشكيل لجان لمتابعة لوائح الترشيد.

· تعيين هيئات ناظمة للقنب الهندي والطيران المدني.

لكن الخطوة الأهم لا تزال معلّقة، وهي تعيين الهيئات الناظمة لقطاعي الاتصالات والكهرباء.

أهم الخطوات الإصلاحية

وفي ما يخص الخطوات الإصلاحية، فهي كالتالي:

1-  إقرار قانون لحفظ حقوق المودعين ومنع سقوطها بمرور الزمن، وضمان عدم إدخالهم في معادلة الخسائر كطرف مسؤول.

2-  إقرار استقلالية القضاء لتطبيق القانون، وضمان الانتظام المالي العام، ومنع التلاعب بقانون النقد والتسليف، وفتح الباب أمام الاستثمارات.

3-  إصلاح النظام الضريبي لزيادة الإيرادات من الرسوم والضرائب والجمارك.

4-  كسر الاحتكارات في قطاعي الاتصالات والإنترنت.

5-  مكافحة كل أنواع التهرب الجمركي، سواء في المرافئ الشرعية أم غير الشرعية.

6-  إقرار موازنة عام 2026 ضمن رؤية اقتصادية متكاملة.

ولكن، حتى اليوم، يُختزل الإصلاح بإلغاء السرية المصرفية، وبعض التعيينات، من دون توفير تمويل بديل. وكأن المطلوب هو إعادة إطلاق النظام المصرفي من دون الاكتراث بنتائج الفجوة المالية، أو مصير المودعين، والاكتفاء بتسديد ما لا يتجاوز 100 ألف دولار لكل مودع.

فهل نحن أمام "قانون نصف حل"؟ وهل المطلوب إعطاء صندوق النقد ما يريده في موضوع هيكلة المصارف، مقابل تأجيل بت مسألة الفجوة المالية الحقيقية؟